19 ديسمبر، 2024 12:02 ص

أبدا لا شيء غير المصادفة .. وحدها قادتني الى نهاية ليست سعيدة ..نهاية جعلتني أهتدي الى هذا البرد .. أحب وحدي وأحلم وحدي والأكثر مرارة أن انسى وحدي .. .. هكذا بدأت خطوط رواية ( متعتك نفسي ) التي اكتسبت شرعيتها وبجدارة فائقة عن حزن طاغ كان قد رافق الكاتبة والروائية والفنانة التشكيلية ايمان محمد العلواني .. لتبدأ مسيرة تلك الرواية بذاكرتها المرة .. وتقف نجاة بطلة الرواية محملة بأسى بليغ .. وهي تتحدث عن رحلة المنفى وبراءتها التي كانت تفقدها رويدا حتى تصل الى بلد المهجر .. بينما الهام تستمع ببطء مخيف الى حكاية ساخنة لا يمكن سماعها حتى تحرق قلبك وذاكرتك .. تقيم البطلتان في ذات المنفى وتقرران العودة الى الوطن وهما تتأملان الخراب الداكن والوجوه المعفرة بالتراب .. وتصادفان ذات الرجل الذي يخص كليهما دون ان تعرفان .. ماجد النذل المهرب المزواج الذي افسد حياة نجاة .. وماجد الحبيب الذي ظلت الهام تحتفظ بصورته نقية بيضاء تحت خيمة الانتظار .. وتذكرت حينها قصة كانت ترويها لنا أمي وهي تأمل ان ينمن بناتها الخمس مبكرا استعداد ليوم مدرسي بارد ..  كانت تقول لنا .. ان هناك رجلا ظل يبحث في كل أرجاء الارض عن أجمل طفل شبيها بالسيد المسيح في سنيه الاولى  ليتم بعدها العثور على هذا الطفل .. وبعد عشرين عاما كلف هذا الرجل بالبحث عن شخص قبيح جدا يشبه قاتل السيد المسيح .. فجاب أرجاء المعمورة ايضا ليجد الرجل الاشد قساوة وقبحا ويتم استئجاره لا لقتل أحد او لسرقة مال وانما ليصطحبه الى المرسم .. بدأ الرسام يحرك فرشاته وبدل ان يرسم مجرما شرسا .. كان ينظر لعيني هذا الرجل وهما تدمعان والى وجهه وهو يمتلأ حزنا غريبا وحين سأله الرسام  عن سر تلك الدموع اجابه المجرم انا ابكي لاني اتيت الى هذا المكان قبل عشرين عاما وقمت برسمي ايضا ..
هكذاأذن  يفعل الزمن فعلته ..لتردد الهام ( أختار من وجعي يوما لك وحدك لتعدو على أوراقي كما تشاء .. أرسم ملامحك التي كثيرا ما أوهمتني بالنقاء .. اكتبك اليوم لا لأنني خاسرة .. بل لأنني أفر من أوهامي فيك .. حيث لم يعد لدي ما امنحه لرهان خاسر .. حين تركتك في طريق اللاعودة هناك ، فلم تكن أغلى من مدينتي التي يسكنها الغرباء وأنا أخرج منها على أطراف أصابعي ) .
  حملتً الرواية التي صدرت عن المكتب المصري للمطبوعات .. وارسلتها الى ايمان في المانيا ولم انسى طبعا ان اقتني لنفسي واحدة منها .. وحين التقينا قبل ايام قلت لها  اكتبي لي فكان ( صديقة دربي الى آخره محبتي برفقة الكلمات ..) فرحت لهذا الاهداء .. وفي طريق عودتي ارتجفت يدي وانا احدق في خطوط تلت الاهداء فكانت الموقعة نجاة .. والاكثر غرابة انه اشد شبها بتوقيعي .. يا الهي كنت قد حدثتك كثيرا عن لوعتي في الغربة والجدران التي تنهش روحي .. وترددين  بضحكة عميقة ( والله قتلتيني بالغربة ) وأغتربنا من جديد ،أهم بالمحيط الهاديء وأقترب منه وتهم ضالتي بقربان دموع لا مفر منها .
 إيمان لم التقيك منذ عام 1991 .. حين رمت الجامعة خلفي شهادة تخرجي مكللة باللعنات وكنت التفت اليها ضجرة .. تبا لحامض النتريك والأواصر العضوية واللاعضوية .. التي هتكت كيمياء حياتي .. وبعد عشرين عاما هكذا وبكل بساطة نلتقي وفي يوم مولدي وانا انظر جيوشا من الانين تتقافز بين أصابعي ..  نحن الشبيهتان حد الدهشة الا من الضحكة .. سنلتقي قرب كازينو الميلاد نعم وسيكون بانتظارنا  جواد الحطاب وعبد الرزاق الربيعي وأياد الزاملي وأمل الجبوري ودنيا ميخائيل وميثم وغادة وسنبتاع كعكة الميلاد من ذات المكان .. كنت في الجانب الآخر من الشارع ركضت نحوك تلفتنا .. لتختنق فرحتنا اذ لا ميلاد ولا كازينو لا رزاق ولا جواد لا أمل ولا اياد ولا دنيا وكانت السماء فوقنا تمطر غيابهم .. إيمان اين الأصدقاء وأين الكعكة وأين الميلاد فأذ بالتماعة حزن شفيف تضيء عينيك التي هما اشد شبها بعيني تعالي نحتفل بسنوات قادمة .. تقفين امام الشموع واقف امام المنفى .. فأتكور مثل قطة ممسوسة في أحدى مقاعد بيتكم .. تتقافز الدموع تترى ويتقافز الى رأسي صوت الاطفال وصوت مريم .. أي مريم يا الهي في أيام الميلاد تلك .. الكل يحتفل في البيت ببهجة عامرة .. وكانت هدية عظيمة وصدفة غير مخطط لها أن تسعى كل عائلة البوعلوان الطيبون حد النخاع بكرمهم والفتهم ومحبتهم الباذخة للاجتماع والاحتفال بالصديقتين المغتربتين ، دون أن يعرف أحد منهم أن هذا هو يوم مولدي وكنت وكعادتي  أحمل نعشي بصمت وانتظر جيوش الانين وهي تتوافد الى رأسي دون أذن مني .. حقا مضت سنة أخرى يا ايمان .. تحمل الي المدفأة وتجلس امامي .. يا الهي متى تكبرين ومتى تهدأين أحدق في الشبابيك وتمطر روحي اعواما أخرى كلما صادفت طائرا مبللا يختبيء خلف الشباك ( تلكم هي روحي ) ..وطائرا يحلم أمامي . طائران سيرحلان غدا كل الى منفى صمم على مقاسه ..
  تحية للصديقة الحميمية إيمان محمد التي تحب اصدقائها جدا .. تحية لضحكتها الصافية وفرحتها التي تركل كل نائبة .. تحية لكفاحها في الغربة .. تحية للوحاتها الفريدة .. تحية لروايتها الثانية ( مذكرات أمرأة شريرة ) .. تحية للقاءنا معنا ونحن نرتدي اغطية الرأس بطريقة فوضوية  .. تحية لعائلتها الكريمة المحبة .. وتحية لبغداد التي جمعتنا في عيد الجيش .. وفرقتنا في يوم الآلام .