دأب العراقي على التضحية، طوال عقود متوالية من مراحل السياسة، مرت في تاريخ العراق، كالبراكين تصب حممها على المواطن البسيط، بينما المسؤول يأوي الى جبل يمنعه، ريثما تنتهي الازمة بانفراج المحنة، التي تضيق حتى يظنون أن لا فسحة بعد الخانق ولا متنفس في فضاءات الافق، حينها ينبثق القائد.. يسحب البساط من تحت الابطال الحقيقيين ناسبا المنجز لنفسه.
لذا استغربت من صيغة بيان “يوم النصر” الذي ألقاه رئيس الوزراء د. حيدر العبادي، ناسبا ما تحقق لنفسه، في منظر لا دلالة للقتال فيه.. إنما هو مشهد سينمائي صممه مخرج محترف لمجموعة من قياصرة مبطرين.
وقف د. العبادي يعلن النصر، الذي يدعي أنه حققه لوحده.. بشخصه، فردا، وخلفه مجموعة من ضباط تبدو عليهم علامات الثراء.. جوقة ترافة لا يبدو على ملامحها انها زارت جبهة في صيف او شتاء، ولا يظهر عليها اثر لخطوط الصد، بمواجهة “داعش”.
ضباط القصر وجوههم يانعة من التبريد صيفا والتدفئة شتاء، كان الاحرى ان يقف صفا متراصفا خلف قارئ بيان النصر.. ، القادة الميدانيون والضباط والمراتب، ممن كلحت وجوههم.. بردا وسهرا وحرا وجوعا وخشية موت محيق، عاشوه بخوف الرجال وحمة الفرسان، وليس وراء سواتر الكونكريت المكعب، يدجج المنطقة الخضراء اسوارا متلاحقة.
غابت عوائل الشهداء والجرحى، من متن البيان، مثلما طمست حقوقهم في مسامات الروتين الذي اهمل معاملات مستحقاتهم تأكلها العثة! وهذا ابسط امتنان للتضحيات التي قدموها؛ لأنهم أصحاب الفضل في هذا النصر، وليس العبادي.. هم.. “أولاد الملحة” صنعوا النصر بدمائهم الزكية وبسالتهم وشجاعتهم، يرصنون منعة الحدود وقوة أبناء العراق بوجه الارهاب.. وليس مترفو العبادي المصطفين خلفه رهطا .. هنا تحديدا ، يتبادر الى ذهني السؤال التالي … لماذا تصادر حقوق الشهداء منهم والاحياء، وهم يهملون من قبل دولة تكافئ من يحلو لها وليس أصحاب المنجز الحقيقي؟.. فيسعفني هنا المثل القائل …اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي، ويجيب نيابة عنهم.