18 ديسمبر، 2024 11:40 م

متاهة “الرئيس” عبد الفتاح السيسي ؟!

متاهة “الرئيس” عبد الفتاح السيسي ؟!

تأسس في مصر وضع سياسي خاص بعد أن حصل المصريون على دستور أبريل عام 1923 كأحد المكاسب عن تضحيات سنوات البناء السياسي “الثلاثين”، والتي بدأت مع تولي الخديوي “عباس حلمي” الحكم خلفاً لأبيه الخديوي “محمد توفيق” في عام 1892، ولكن المصريون لم يحافظوا على مكتسبات ثورة عام 1919 بالإنقسام الذي حدث بعدها بين من كانوا يسمون “زعماء الثورة وقادة الأمة”، وأصبح “حزب الوفد” الذي قاد جزءاً من وقائع الثورة وأحداثها؛ هو المفرط في حقوق المصريين تجاه السلطة البريطانية في مصر؛ بدلاً من أن يكون هو “حزب الجبهة” التي تصارع البريطانيين على مزيد من الحقوق السياسية للمصريين.

كانت الخسارة في جني مكتسبات الثورة عاجلة؛ رغم أن الثورة كانت ما تزال حاضرة وساخنة في قلوب الشعب. وقد بدأ نزيف الخسائر؛ بعد أن بدأ موسم جني ثمارالثورة؛ كلاً لصالحه؛ في عام 1922، وخديعة البريطانيين يإصدارهم وعد الإستقلال “التابع” في 28 فبراير 1922، والذي مثل جانباً مما خسره المصريون بالإنقسام في إدارة الحياة السياسية في الوقت الذي كان عليهم أن يحصلوا على نتائج أفضل من خلال ثورتهم في عام 1919. وقد كشف الصراع بين زعماء الأحزاب المصرية وقادة الثورة وأصحاب المصالح والنفوذ والقصر الملكي وممثلوا الغرب المسيحي عن أزمة معقدة في مصر؛ استمرت منذ ذلك الحين وحتى الآن؛ فعلى مدى أكثر من 95 عاماً ظلت مصر تبحث عن “نظام سياسي” كاف لضبط مصالح كل القوى المتصارعة على الحكم هذي ولكن دون جدوى، وقد فشل الجميع إلى الآن في تحقيق هذا النظام، وضاعت الفرصة تلو الفرصة لأسباب داخلية وأخرى خارجية ؛ فمن الأسباب الخارجية التي أثرت بالسلب على الحياة السياسية في مصر منذ ذلك الحين وحتى الآن: أن “الغرب المسيحي” لم يكن مثلاً: هادفاً إلي مساعدة الشعب المصري، على أن يكون “نظام الحكم” في الدولة المصرية؛ عادلاً أو ديمقراطياً، بل ساعد “طغاة الحكام المصريين” على أن يتمادوا في الإستبداد مادام ذلك لصالح الغرب ومشروعاته. كما أن أزمة الحكم في مصر استمر تصاعد تأزمها حتى إنتهاء العصر الملكي وتجربته الليبرالية؛ ثم تصاعد التأزم في طفرة كبيرة بعد حكم الضباط في مصر في يوليو 1952 واستمرار سلسلة إنقلابات الحكم العسكري؛ حتي محطتها الأخيرة في 3 يوليو 2013.

سوف يستمر التأزم السياسي في إدارة منظومة الحكم في مصر؛ وسوف تستمر “طفرات” التعقد في “أزمة الحكم”، لأن من أمسكوا بالسلطة “غصباَ أو طوعاً: كلاً إنشغل بمصالحه عن الهدف الذي يحقق “النظام” الذي يحمي كل المصالح للقوى المختلفة في السلطة وخارجها، ولم يأت على مصر إلى الآن النظام الذي يعتلي السلطة وفي نفس الوقت لا يتجاهل الشعب أو يتلاعب به أو يخدعه أو يستخدمه كوقود للثورات، ثم بعد ذلك يهمشه في إدارة السلطة ويهمشه في ميزان العدالة الإجتماعية.

لقد تضاعف السوء في أزمة الحكم في مصر؛ لأن الأزمة تعقدت بفعل ”أزمات” أخرى، هي: أزمة الحاكم نفسه؛ إلى جانب “أزمة النظام” الذي كان من المفترض أن يمثل الشعب أساساً في إدارة الدولة، ثم تعقدت الأوضاع؛ بأكثر من “أزمة النظام وأزمة حاكم النظام” إلى أزمة أخطر وهي فشل الحاكم في إدارة السلطة وتبديد أساس وجود الدولة؛ بل أن نظام الحكم خلق إشكالية مهددة لترابط الدولة المصرية نفسها بعد الإنقلاب “الثالث” في سلسلة الإنقلابات المصرية الرئيسية؛ فقد حدث بعد إنقلاب 3 يوليو 2013، أن تمترس الإنقلاب العسكري “خلف الشعب” وأخذ الأغلبية من الشعب دروعاً بشرية؛ بل أنه أخذ الشعب في الواقع “رهينة” بإدعاء أنه أخذ تفويضاً من الشعب؛ على أساس أنه سوف “يحمي الشعب من أعداء الشعب”. كان هذا الشعار الأجوف وآليات تنفيذه حيل “إبتدعها” الرئيس جمال عبد الناصر؛ وقد إتبعها من بعده “الرئيس” عبد الفتاح السيسي. والحاصل أن: الواقعية الشخصية والسياسية؛ غائبة فيمن يتولون السلطة الآن في مصر؛ فلا أحد لديه القناعة بشفافية “إدارة الحكم” أو أن “الديمقراطية” واجبة وأن الإلتزام بالدساتير التي أقرها الشعب “سيف” على رقبة الحاكم، لا يجوز التنصل من حده القاطع؛ إذا ما تم الإخلال بأي من تعهدات الحاكم للشعب ودستوره.

والحاصل في مصر الآن أيضاً: أن دروس التاريخ الثمينة مهملة؛ بل التاريخ الآن في مصر يداس عليه بالبيادة وتمزق وثائقه؛ والإعلام السلطوي يستخدم أحط حيل التلاعب بوعي المصريين ويتمادى في إغراقهم في ضباب لا يمكن الرؤية الصحيحة من خلاله. ولم يبق من “حيل السلطة” الآن للإستمرار في الحكم غير: مخاصمة الواقع والحقائق وخلخلة مؤسسات الدولة؛ لصالح “حكم الفرد” المعتلي “جيش السلطة”. منذ التخطيط لإجهاض “الثورة الشعبية” وألا تصبح واقعاً في مصر؛ كان المكر السئ وراء إعتلاء “عبد الفتاح السيسي” ومجموعته الحكم في أعقاب محاولة المصريين الثورة في بدايات عام 2011 فقد تم إجهاض مشروع الثورة؛ بمخطط للثورة المضادة؛ وكان السيسي من مجموعته المنفذة؛ وقد تمادى المخطط؛ حتى أصبح السيسي رئيساً للدولة وهو في نفس الوقت يمثل “الثورة المضادة بوجهها الناعم المخادع والمحطم” لكل أحلام المصريين؛ ولا أظن ان هذه الإزدواجية وهذا الخداع سوف يستمر حتى مئوية ثورة المصريين التي حدثت في عام 1919.

فلا يظن فرداً مهماً كانت قدراته أنه بإمكانه حكم مصر منفرداً؛ والحاكم العاقل النزيه يكفيه أغلبية مرجحة مساندة؛ وأجهزة ومؤسسات في الدولة تكون معاونة؛ لا مخاصمة؛ ولا معادية وغير ذلك سوف يصححه الشعب في ثورة غضب ووعي. لقد وعى الكثيرون من المصريين أن “عبدالفتاح السيسي” أتى إلى الحكم عبر إنقلاب عسكري واضح في هدفه بأن يسود السلطة في الدولة؛ ولكنه تخفى في ثوب إدعاء الضرورة باﻹنقاذ ومنع توغل “جماعة اﻹخوان المسلمين” في مفاصل الدولة؛ بأكثر مما توغلت؛ وأن اﻹنقلاب أتى في أول عهده بمن يمكن وصفه بأنه “شبيه الرؤساء” دون أن يكون رئيساً ولا شبيهاً للرئيس؛ ليسير من خلاله مجموعة الإنقلاب وإجهاض الثورة الشعبية ما يريدون دون ظهور. هكذا كان “السيسي” حاكماً خفياً مستبداً ودون أن يتحمل أدنى مسئولية؛ ثم أتى الوقت الذي كان على قائد اﻹنقلاب أن يترك البدلة العسكرية التي حُملت بالحد اﻷقصى من الرتب العسكرية، وليلبس “البدلة المدنية” التي تخفي بداخلها الغلظة العسكرية وتَسلط المؤسسة العسكرية وأذرعتها المخابراتية. وحصل “السيسي” على المنصب المدني ولكن بسلطات عسكرية؛ وخلال فترة هذا الحكم المستبد؛ فقد قدم السيسي ما لم يقدمه غيره أبداً من تنازلات في قضايا تمس وجود الدولة المصرية، وهي التنازلات التي لم يسبقه في تقديمها أي حاكم لمصر في تاريخها المعروف، وأغلب الظن أن السيسي سوف يستمر في السلطة؛ حتى يتركها مجبراً وبدون سلاسة التنازل عن الحكم طواعية أو بوسائل التغييرالديمقراطي. وفي هذه اللحظة الُمرة التي سوف تأتي حتماً قبل ذكري ثورة 19 نأمل ألا يكون الدم كثيراً ويقتصر فقط على من أخطأوا اﻷخطاء العظمي.