زارني في مدرستي المشرف التربوي التخصصي لتدريس وتعليم مادة الرياضيات، وكعادة المشرفين في عملهم الرقابي، حاول الاستاذ أن يبحث وينقب عن خللٍ أو تقصيرٍ في الخطة الدراسية، الموضوعة من قبلي لتريس المنهج، أو طرائق التدريس التي استخدمها، أو الوسائل التعليمية التي تقرب مفردات المنهج الى فهم التلميذ، أو عرض المادة التعليمية أثناء الدرس، وبقية الأمور التربوية التي يقوم بها المعلم من أجل إتمام مهمته التعليمية.
لا أدعي كمالاً ولا يدعيه أحدٌ من زملائي المعلمين، لكن الاستاذ المشرف لمَّا عجز عن إيجاد أي تقصير، ولكي لا أُحرجهُ بطرح خلل عمل وزارة التربية، وسوء خدماتها المقدمة للمعلم والتلميذ، أُوجد خللاً وقال: إستاذ إنك متأخر في تنفيذ خطتك السنوية، فأنت ما زلت في موضوع(أ) والمفروض أنك دخلت في شرح الموضوع(ب) حسب ما ذكرتهُ في خطتك السنوية؟
فأجبتهُ: هل المهم عندكم إستاذنا أن أمشي وفق الخطة المحددة بوقت معين وإن لم يفهم التلاميذ الموضوع!؟
أم أتأخر عن الوقت المحدد لتنفيذ الخطة وأُخالفها من أجل فهم التلاميذ للموضوع وأتدارك الوقت فيما بعد!؟
قال: من المؤكد أن فهم التلاميذ للموضوع هو غايتنا التعليمية؛ ثم شكرني وإستاذن بالإنصراف.
أثارني هذا الموضوع حقاً، ولطالما أردتُ الكتابةَ فيه، فهو موجود في أغلب دوائر الدولة، ومعاملها ومصانعها، موجودٌ في القطاعين العام والخاص، إلا أن القطاع الخاص تجاوز هذه المشكلة، ولكنَّ القطاع العام ما زال لا يريدُ حلاً للمشكلة، لأسبابٍ قد نتعرضُ لها في مكان آخر.
لدي صديق محاسب، تم تعيينه في إحدى دوائر الدولة مباشرة بعد تخرجه، كونه من الأوائل المتفوقين، وعندما ذهب لأستلام عمله، وجده يقع في غرب العاصمة بغداد، وهو من سكنة شرقها، يبدأ دوام دوائر الدولة عند الساعة 8 صباحاً، فيضطر صديقي أن يخرج عند الفجر، وينتهي الدوام الرسمي عادةً عند الساعة 3 مساءً، فيصل صديقي إلى منزله عن الغروب، مما يعني ضياع ثلث نهاره في الطريق إلى عمله، ذهاباً وإياباً، فطلب النقل إلى دائرة أقرب إلى محل سكنه، أو منحه سكناً قريباً من عمله، أو منحهُ قرضاً لشراء منزلاً قريباً، لينهي مشكلة الوقت المهدور في الطريق، ويكسب راحة بدنه، ويعيش كسائر الناس، فإن لنفسه وعائلته عليه حق الرعاية والراحة.
لكنً شيئاً من هذا لم يحدث، ولأنه محاسب ممتاز ولا يستطيع مدير الدائرة الإستغناء عنه، توصل أخيراً إلى حل وإتفاق مع مديره، بأن يأتي إلى الدائرة بالوقت الذي يناسبه، ويغادرها كذلك، مخالفاً بذلك التعليمات التي تنص على وقت محدد للحضور والإنصرف، وبالفعل تم الإتفاق وكان صديقي والمدير في شدة الفرحة من الوصول إلى هذه النتيجة، فقد كان المدير ذكياً بالحفاظ على مثل هذه الكفاءة، فما يهمه هو إنجاز العمل، وما وضعت التعليمات إلا لأجل ذلك، فما فائدة الموظف الملتزم والمنضبط بمواعيد الحضور والإنصراف، ولا يقوم بآداء عمله بإتقان(كفيان شر!)، مقارنة بمن يخالف تلك الضوابط، ويحضر لمدة 4-5 ساعات فيقوم بإنجاز ما ينجزه 5 من أقرانه وبإتقان عالي!؟
هناك قاعدة تقول “الأجر على قدر المشقة”، إستغل القطاع الخاص هذه القاعدة ووظفها في عمله، فكان يعقد اتفاقاً مع العاملين فيه وهو” أجرك على قدر إنتاجك”، فكان العامل يأخذ أجره على قدر مجهوده وإنتاجه،
يحضر وينصرفُ متى شاء، ولهذه الطريقة عدة فوائد، منها تحفيز العامل على دقة العمل وزيادة الإنتاج، لزيادة دخله ولإنعاش إقتصاده، ولكن القطاع العام في سباتٍ عميق!
مما تجدر الإشارة إليه أيضاً في هذا المجال الذي سرت فيه حول بحثي هذا، ما يحدثُ في عالم الرياضة؛ كان إبن أخي لاعباً لكرة القدم، محترفاً في الفرق الشعبية، فرآه مدرب أحد أندية العاصمة المعروفة في الدوري العراقي، فدعاه إلى الحضور إلى الوحدة التريبية للفريق، شارك إبن أخي في مبارة أقامها المدرب لفحص قدرة اللاعبين، وإختيار عناصر جديدة، فتسيد أبن أخي المباراة، وأشاد به الحاضرون، حيثُ أنه كان يلعب في مركز الدائرة وتوزيع الكرات، وبالرغم من كونه لم يلعب مع لاعبي النادي من قبل، إلا أنه إندمج معهم وشكل فريقاً قوياً.
أخبره المدرب بأنه مقبول، وسيكون إسمه من ضمن التشكيلة الأساسية للفريق، على أن يستمر بحضور الوحدة التدريبية، فحضر أبن أخي إلى الوحدة التريبية في تالي الإيام، ولم ترق له أساليب وطرق الوحدة التدريبية، فقال للمدرب: لماذا لا تدعني أحضر أثناء المباراة فقط، وتعفيتي من حضور الوحدة التدريبية؟
رفض المدرب بشدة، وقال: لا يكون أبداً
فقال له: إذن فسأعود لهوايتي مع الفرق الشعبية
فقال المدرب: تعال غداً فإن لدينا مباراة، وسنتناقش في الموضوع.
حضر أبن أخي المباراة ولم يُشركهُ المدرب في شوطها الأول، فتأخر فريقهُ بهدفين، فزج بأبن أخي في الشوط الثاني، فتغير سير المبارة وفاز فريقه بثلاثة أهداف؛ إنتهت المباراة وهنئت الهيئة الإدارية، المدرب والفريق ولا سيما إبن أخي، فأستغل المدرب الفرصة وأخبر الهيئة الإدارية بإقتراح أبن أخي، فجاء الرفض قاطعاً وبلا نقاشٍ أو تفكير، فعاد أبن أخي لممارسة هوايته وهو يقول: لم أخسر شئ.
وسؤالي للجميع: لماذا!؟
ما دام أن اللاعب يؤدي دوره كاملاً داخل الملعب، فلماذا الإصرار على الإلتزام بالتعليمات والضوابط!؟
أليس المهم الفوز وتحقيق النصر!؟
ألم يتسبب طرد اللاعب(شيركو) مهاجم الفريق العراقي الشبابي في خروج العراق من بطولة أسيا للشباب 2014 !؟ والسبب دائماً مخالفة الضوابط والتعليمات! وهكذا يحدث دائماً، فإلى متى!؟
بقي شئ…
لقد وضعت الضوابط والتعليمات كوسيلة للوصول إلى أفضل النتائج، لا غاية تقييد إبداع ونجاح الإنسان.