18 ديسمبر، 2024 5:24 م

مبنى بيت مندا الصابئة المندائيين في بغداد بين التشييد وإعادة التجديد

مبنى بيت مندا الصابئة المندائيين في بغداد بين التشييد وإعادة التجديد

في عام 1978 حضرت لقاء في منزل الشيخ عبد الله الشيخ سام الرئيس الأسبق لطائفتنا، طائفة الصابئة المندائيين، حين تمت دعوة عدد من الشباب أيضا. وكان الموضوع هو مناقشة تصورات بناء قطعة الأرض في منطقة القادسية والممنوحة للطائفة زمن حكم الزعيم عبد الكريم قاسم لتكون بيت مندا للطائفة في بغداد. ومن أجل مشاركة أوسع عرضت أن تتم دعـوة الطائفة للقاء في قاعة نادي التعارف التابع للطائفة. وتحقق اللقاء وتم إقرار البناء والعمل على إستحصال الموافقات للإكتتاب من أجل السماح بجمع التبرعات من أبناء الطائفة لتحقيق هذا الغرض. كانت الطائفة تمتلك دارا في منطقة المهدية في حي الدورة مخصص بيت مندا للطقوس، وقد شمله التوسع الذي تطلبته مشاريع دائرة الكهرباء في منطقة الدورة، فتم التعويض عنه. وقد شكل مبلغ التعويض مع المبالغ التي جمعتها الطائفة في بغداد ميزانية لبناء المبنى الجديد الحالي في منطقة القادسية. أنجز البناء عام 1985 حيث تم الإفتتاح، وكبساطة المندائيين في مستلزمات طقوسهم وأبنية معابدهم، كان البناء بسيطا: قاعة كبيرة نسبيا، وحوض لإجراء طقوس التعميد والزواج، وأربع غرف للخدمات ومرافقها. ميزته يومها أنه يقع على جرف نهر الخر الذي يصب في نهر دجلة قبل أن يجف اليوم.

صار المبنى حقا بيتا للمندائيين في لقاءاتهم وبحث شؤونهم وإجراء طقوسهم، ومكانا لإستقبال زيارات المسؤولين قدر ما يخصونهم بذلك، وإستقبال الوفود التي تزورهم وأبرزهم ممثل قداسة البابا، ووزير خارجية الفاتيكان، والأم تريزا والعديد من رجال الدين من جميع الأديان إضافة إلى الأكاديميين والإعلاميين المعنيين بشأن هذا المكون العريق. وعلى مدى أكثر من ربع قرن صار هذا المبنى معلما مؤشرا للصابئة المندائيين بعلامة قاعته التي يرتفع فوق مدخلها قوس يستقر في أعلاه رمزهم الديني (درابشا) راية السلام التي تعكس نور الحي الخالق.

لقد إستحضرتُ مراحل عملية البناء والتشييد والكثير مما عايشته في هذا المبنى يوم كنت أتحمل مسؤولية أمين سر المجلس الروحاني الأعلى للطائفة مذ كان مجرد قطة أرض حتى صار عامرا بكل ما إستطاعت طائفة الصابئة المندائيين أن تقدم نفسها فيه ليكون بحق (بيت مندا). فهو بيت لجمع الشمل، وهو للمندا بمعنى المعرفة وأرقاها معرفة الخالق، وهو ملتقى السلام وعلامة وجود الصابئة المندائيين وبقائهم كمكون أصيل من مكونات الشعب العراقي بخصوصيته الدينية التي تحفظ أول وأقدم التوحيد في بلاد ما بين النهرين.إستحضرت ذلك وأنا أتابع مشاهدة الإحتفالية التي أقيمت يوم السبت 20/11/2021 لإفتتاح المبنى من جديد بعد الإنتهاء من أعمال التجديد الذي تبناه البنك المركزي العراقي ورابطة المصارف العراقية الخاصة في مبادرة متميزة وتستحق كل التقدير والثناء ليس لترميم المبنى وتجديده وإظهاره بمظهر جمالي زاه، ولكن أيضا لهذا التوجه القيم الذي يؤشر الإهتمام والرعاية لكيان الصابئة المندائيين بما يزيدهم إعتزازا بوجودهم وبرسالة المحبة والأخوة والسلام التي سعت الجهات الداعمة لإرسالها لتبلغ العراقيين عامة أن الإيمان بالله هو أساس الإلتقاء، وأن التعايش أخوة في الوطن يلزم بالدعم وترجمة المحبة إلى إسناد وحضور. وهذا ما ظهر أيضا في حرص الحكومة على الحضور ممثلة بوزيرة الهجرة السيدة إيفان يعقوب، ووزير الثقافة الدكتور حسن ناظم وما تحدثا به، ويظهر التثقيف بأهمية رعاية جميع المكونات العراقية وأن يكون التنوع الديني الذي يتميز به الشعب العراقي مدعاة رعاية ودليل تعايش وتسامح يبرز ثقافة العراقيين الذين أنتجوا الحضارات منذ أقدم العصور. وهذا ما أكده فضيلة الريش إما ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المندائيين وغبطة الكاردينال لويس ساكو راعي الكنيسة الكلدانية في كلمتيهما.

تابع الكثير منا في العراق وفي بلدان الشتات حفل الإفتتاح وعشنا لحظات سعادة تملي علينا أن نتقدم بالشكر لجميع المساهمين في هذا العمل الذي ينم عن الكثير من الخير في الذكر والتعبير عن الأخوّة المشتركة، والأمل بأن يشمل مثل هذا الإهتمام ما يتعلق بإحياء الإرث الثقافي لهذه المكونات والأهم هو توجه المناهج الدراسية لتتضمن بشكل واضح ومبرز ثقافة معرفة الآخر وقبوله وإحترامه، فليس أفضل من أن ينشأ النشئ على المحبة ليتشربها ويساهم في بقائها وحفظها ليعيش شعبنا بسلام.