البلاد العربية لم تبتلِ بآفة الدكتاتورية التي صنعها التاريخ فحسب ، فقد ظهر مبدأ التوريث وصار سنّة تداولتها أنظمة الحكم العربية ، بحيث صرنا لا نستطيع تبيّين الفرق بين النظامين الجمهوري أو الملكي ،الرئيس لدينا كالملك ، يهيء أولاده لقيادة البلد ، وكأن البلاد التي يحكمونها عقيمة عن إنجاب القادة ، اللهم إلا سليلي الدماء الزرقاء ، وأحدهم إذا أمسك بكرسي الحكم ، لا يغادره إلا على يد (عزرائيل) ، والأمثلة كثيرة شملت كل البلدان العربية ، فصدام وحده مثال ساطع لهذه الظاهرة ، حافظ الأسد أورث قيادة البلد لإبنه بشار بخلاف الدستور بسبب صغر سنه القانوني ، فغيّروا الدستور ليستطيع فلتة زمانه الإستئثار بكرسي والده ، وحسني مبارك عندما حاول توريث إبنه علاء ، والغريب ان ثمة رئيس سابق للجزائر وهو عبد العزيز بوتفليقة يريد إعادة ترشيح نفسه وهو نصف مشلول وعلى كرسي متحرك ، ليبيا القذافي كذلك ، بقي جالس على كرسيه حتى إهترأت بطانته ومؤخرته ! ، وقبله كان بورقيبة وقد أصابه الخرف ، ويرفض ترك كرسيه ، السيسي قال عند ترشيح نفسه (يشهد الله إني لأ أطمع بالرئاسة) ، ودارت الأيام ، وإذا بإبنه (محمود) ، أحد أعمدة الامن القومي المصري (!!) ، يقود حملة لمصادقة البرلمان بتمديد رئاسة والده حتى العام 2034 حسب (نيويورك تايمز) ، وهل من مُعترِض ؟! ، أحدهم لا يعرف معنى حفظ ماء الوجه في اللحظات الحاسمة لأن قاسمهم المشترك أنهم لا يعرفون معنى الكرامة وأمانة القيادة ، وغيرهم من الزعماء والقادة الضرورة ، أتذكر مدى صحة الحكمة القائلة أن الرئيس الشرقي كمقعد المرحاض الشرقي ، لن تستطع إزالته إلا بتهشيمه بالمطرقة والإزميل ، بينما الرئيس الغربي كالمقعد الغربي ، لا تتطلب إزالته سوى بُرغيان ! ، ربما يتسائل البعض عن سياسة توريث الأنظمة الملكية الأوربية التقليدية ، وهي عادة مضرب مثل في التطور وإحترام الإنسان ، كهولندا والسويد وبريطانيا ، لكن هذه الأنظمة الملكية في هذه البلدان ليست سوى طبقة بروتوكولية لا تمتلك صلاحية صنع القرار لهذا لديهم شعار (الملك يملك ولا يحكم) ، على عكسنا تماما .
مع الديمقراطية العوراء والعرجاء التي جاء بها الأمريكان للعراق ، إبتلى هذا البلد بأحزاب كثيرة جدا تعتبر الرقم القياسي عالميا في العدد دون فائدة ، بل على العكس ، أوصلت البلد إلى حالة لا توصف من الدمار وتوقف التنمية والتخلف والفساد ، كل هذه الأحزاب تنتهج صفة التوريث ، إما عرقيا أو حزبيا ، وهذا أخطر ما في الموضوع ، لأن النتائج أتت بمتخلفين وإمّعات وعملاء بعيدون كل البعد عن المهنية والكفاءة ، كل هذه الأحزاب تدّعي معاداتها لمعاوية قولا لإستقطاب المؤيدين ، لكنهم عملوا حرفيا بمبدأ (أبو سفيان) وهو يعظ عشيرته (تلاقفوها بنو أمية ، تلاقف الصبية للكَرة) !، بل إن المُدّعين بالوصل بمبادئ الإمام علي ، تصرّفوا بشكل فاق كثيرا تصرفات الأمويين الذين وصفهم الإمام بأنهم (يخضمون المال خضم الإبل لنبتة الربيع) ! .
هكذا تركنا إدارة دفّة البلاد بأشرعتها التي مزّقتها الخلافات والمهاترات والصراعات على المال والجاه والسلطة والأبهة ، تتقاذفها أمواج عاتية من جهات الأرض الأربع وكأن الأمر لا يهمهم ، وأضعنا بوصلة القيادة ما بين الأنظمة الملكية ، أو الجمهورية ، بنظام برلماني يُدار من قبل رئيس الوزراء ، أو رئاسي ، وبلدنا بلا وزير دفاع في أحلك ظروفه ، وكأن البلد خلا من قادة نجباء ، لأن مزاد بيع الوزارة بلغ رقما قياسيا ، لا يستطيع شراءه إلا أعتى زعماء المافيات !.
وإذا كانت الخلافة في نظر الإمام علي قد تحوّلت إلى (عفطة عنز) على حد قوله ، فإنها (بإعتبار أن الخلافة والنظام الملكي والجمهوري متشابه) الآن لا ترقى حتى إلى (روث العنز) ، كل ذلك بسبب نظام التوريث وحكم العوائل ، نظام كثر فيه وعاظ السلاطين وظهر المنافقون والمتملقون والإنتهازيون والمتخلفون والمتنازعون واللصوص ، بشكل يستنكف منهم حتى (ميكافيللي) ، وها هو السيد رئيس وزرائنا الذي وعد بالأستقالة في حالة عدم حصول توافق في حكومته ، لكن ورغم أن بلدنا يمر بأسخف وأشد مرحلة من الفوضى في تاريخه ، صمت الرجل ، وعدل عن إستقالته ، فحتى أنت يا عادل عبد المهدي ؟! .
Virus-free. www.avast.com |