18 ديسمبر، 2024 10:19 م

مبحث حول محاورة بين كتاب عن أصل الكرد

مبحث حول محاورة بين كتاب عن أصل الكرد

قال الاصفهاني” اجتمع متكلّمان، فقال أحد هما: هل لك في المناظرة؟ فقال: على شرائط أن لا تغضب، ولا تعجب، ولا تشغب،ولا تحكم، ولا تقبل على غيري وأنا أكلمك، ولا تجعل الدعوى دليلا، ولا تجوز لنفسك تأويل آية على مذهبك إلا جوزت إلى تأويل مثلها على مذهبي، وعلى أن تؤثر التصادق، وتنقاد للتعارف وعلى أنّ كلامنا يبني مناظرته على أن الحقّ ضالته والرشد غايته”. (محاضرات الأدباء1/104)

لا شيء ينشط الحركة الثقافية في اي بلد اكثر من المناقشات العلمية او الأدبية سيما تلك القائمة على الجوار العلمي والذي يتناسب مع المنطق، ولا يخل بالموضوع، بل يغنيه، وهو يوسع قريحة المناقشين ويجعلهم يزدادوا علما واطلاعا لأقناع المقابل وافحامه بالحجج والبراهين، كما انه يستقطب القراء للتوصل الى الحقيقة المجردة، ويحدثنا التأريخ الادبي على الكثير من تلك المناقشات القديمة مثلا بين الشيخ ابن تيمية والعلامة الحلي في كتاب (منهاج السنة النبوية)، او المحدثة التي ابطالها طه حسين، قاسم امين، علي عبد الرازق والكواكبي وغيرهم. الحقيقة غالبا ما اشتاق الى قراءة كتاب ( أفكار ضد الرصاص) لمحمود عوض الذي نقل تلك المناقشات بطريقة رائعة لا يمل القارئ الفاضل من إعادة قراءتها.

أطلعت على مناقشة بين الكاتب الأستاذ محي الدين محمد يونس، والباحثة في التراث العربي السيدة ضحى عبد الرحمن، ودخل على الخط الأستاذ ئه مير رشيد، وادلى كل منهم برأيه المحترم، حيث تحدثت السيدة في سلسلة مقالتها (مباحث في اللغة والادب/83) عن الكرد في التراث العربي، وتطرقت الى حديث امام الشيعة جعفر الصادق عن اصل الكرد وبشكل هامشي دون الإشارة الى المصادر بقصد عدم اثارة الحساسية عند البعض، وقد انتقد الأستاذ محي الدين ما ورد في المبحث عن اصل الكرد، واعتبره إساءة مقصودة من الكاتبة للكرد، لترد الكاتبة بأنلأسرتها مصاهرة مع الكرد، فكيف تنتقص منهم؟ ليرد الأستاذ محي انه غير متأكد من حديث الصادق عن اصل الكرد، ومدى صحته، وهو محق في رأيه ولا اعتراض عليه، مع شدة اعتزازي بالكتاب الثلاثة..

أقول ان المثقف لا يعرف كل شيء عن أي شيء، وكل تنحصر ثقافته ومعرفته وفق اطلاعه و اختصاصه. لذا قررت من حيث الاختصاص ان اناقش المسألة بشكل موضوعي وحسب ما ورد في اهم مراجع ومصادر الشيعة. استعرضت الكاتبة آراء عدد من المؤرخين عن أصل الكرد، واحب ان اضيف ما تحدث عنه المؤرخ الشيعي المسعودي بهذا الصدد” من الناس من ألحقهم بإماء سليمان بن داود عليهما السلام حين سلب ملكه ووقع على إمائه المنافقات الشيطانُ المعروف بالجسد، وعصم الله منه المؤمنات أن يقع عليهن، فعلق منه المنافقات، فلما رَدَّ اللهّ على سليمان مُلْكه ووضع تلك الإماء الحوامل من الشيطان قال: أكردوهن إلى الجبال والأودية، فربتهم أمه اتهم، وتناكحوا، وتناسلوا، فذلك بدء نسب الأكراد”. (مروج الذهب1/218). والمسعودي يورد الكلام على عوانه، وكتابه مليء بالخرافات والاساطير التي لا تتوافق مع العقل والمنطق، وسبق ان تحدثت عنه في كتابي اغتيال العقل الشيعي، كذلك استعرضت حديث امام الشيعة الصادق عن الكرد والسود بصورة سيئة كما ورد في كتب الشيعة الرئيسة.

لا احد يجهل ان اهم مصادر اهل السنة صحيحي البخاري ومسلم، وتليهما من حيث الأهمية السنن والمساند وبما يتوافق مع الصحيحين فقط. ولابد من استعراض شروط قبول الرواية عند الشيعة والسنة، قبل التطرق الى حديث جعفر الصادق.

شروط قبول الرواية عند آية الله كمال الحيدري

ـ صحة السند قال عبد الله بن المبارك (ت181): الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء من شاء.

ـ قدم الكتاب وان لا يكون كتب في القرون الثامن والتاسع والعاشر.، هل المؤلف صاحب تحقيق ودقة، وليس همٌه جمع الروايات والعجائب والغرائب، مع الاطمئنان بأن الحديث والرواية صادرة فعلا عن الامام.

ـ هل الرواية كانت موجودة في عصر الإمام وهل اعترض عليها ام قبلها؟

شروط قبول الرواية عند أهل السنة:
ـ عدالة الراوي .
ـ اتقانه في الحفظ وضبطه لمروياته .
ـ اتصال سنده الى قائله .
ـ ألا يكون سنده ومتنه شاذا .
ـ ألا يكون في سنده ومتنه علة خفية قادحة توجب ضعف الرواية .
ذكر الحر العاملي في بعض كتبه شروط صحة الرواية عند الإمامية ، وهي تكاد ان
تكون نفس الشروط التي عند أهل السنة والجماعة ، إلا أنه زاد شيئا وهو: أن يكون الراوي إماميا، فخل بميزان العدالة، مثلا الصحابة لم يكونوا اماميين، كذلك التابعيين، ونحن نأخذ بأحاديثهم.

في ما يتعلق بالشيعة فان لهم أربعة مصادر رئيسة هي التي يعتمد عليها وهي: التهذيب والاستبصار فيما اختلف فيه من الاخبار، كلاهما للشيخ الطوسي مؤسس المذهب، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق القمي، وكتاب للكليني (الكافي)، والأخير قرئه الامام المهدي وصححه وقال هو كافِ لشيعتنا ومن هنا أتى عنوان الكتاب ويزعم مراجع الشيعة ان كل ما ورد فيه صحيح، لان الامام المهدي المزعوم اطلع عليه، وتلي تلك الكتب الرئيسة بحار الانوار للمجلسي، ووسائل الشيعة للحر العاملي، بصائر الدرجات للشيخ  محمد الصفار القمي، ومستدرك الوسائل للنوري الطبرسي وهو مؤلف كتاب (فصل الخطاب في اثبات تحريف كلام ربٌ الأرباب) الذي سبب حرجا كبيرا للشيعة لأنه أورد اكثر من الف حديث عن تحريف القرآن الكريم.

ورد في كتاب الكافي «عن أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت : إن عندنا قوما من الأكراد وإنهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالهم ونبايعهم فقاليا أبا الربيع لا تخالطوهم فإن الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم “. ( الكافي5/158). وفي روية ثانية ” لا تنكحوا الاكراد أحد فإنهم جنس من الجن، كشف عنهم الغطاء”. (الكافي5/158). (تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي2/569). قال الحلي مسألة : يكره له معاملة الأكراد ومخالطتهم ويتجنبمبايعتهم ومشاركتهم ومنا كحتهم لما رواه الشيخ عن أبي الربيع الشامي قال :سالت أبا عبد الله عليه السلام قلت إن عندنا قوما من الأكراد وإنهم لا يزالون يجتنبون مخالطتهم ومبايعتهم فقال عليه السلام يا أبا ربيع لا تخالطوهم فان الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم وكذلك يكره معاملةأهل الذمة.(منتهى الطلب للعلامة الحلي2/1003). (تذكرة الفقهاء1/586). (جواهر الكلام للجواهري22/456). (علل الشرائع للشيخ الصدوق2/527). (وسائل الشيعة للحر العاملي30/84).(العظمة للشيخ الاصبهاني5/1681). قال الشيخ الطوسي ” ينبغي أن يتجنب مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم، ولا يعامل إلا من نشأ في خير، ويجتنب معاملة ذوي العاهات والمحارفين. ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد، ويتجنب مبايعتهم ومشاراتهم ومناكحتهم”.( النهاية للطوسي/373).

قال ابن إدريس الحلي ” لا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد ، ويتجنب مبايعتهم ، ومشاراتهم ، ومناكحتهم. قال محمد بن إدريس الحلي: وذلك راجع إلى كراهية معاملة من لا بصيرة له، فيما يشتريه، ولا فيما يبيعه، لأن الغالب على هذا الجيل، والقبيل، قلة البصيرة، لتركهم مخالطة الناس، وأصحاب البصائر”.( السرائر2/233). وقال يحيى بن سعيد الحلي “يكره مخالطة الاكراد ببيع وشراء ونكاح“. (الجامع للشرائع/245).وذكر الشهيد الثاني” عن أبي الربيع الشامي قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: لا تشتر من السودان أحدا، فإن كان لا بد فمن النوبة، فإنهم من الذين قال الله تعالى (ومن الذين قالوا أنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به) إنهم يتذكرون ذلك الحظ، وسيخرج مع القائم منا عصابة منهم ولا تنكحوا من الاكراد أحدا فإنهن جيش من الجن كشف عنهم الغطاء“. (مسالك الافهام3/186). (مجمع الفائدة للمحقق الاردبيلي8/129). (المهذب البارع لابن فهد3/182). (وسائل الشيعة للحر العاملي2/84). قال المحقق البحراني ينبغي ان يتجنب مخالفة السفلة من الناس والادنين منهم ولا يعامل الا من نشأ في الخير ويكره معاملة ذوي العاهات والمحارفين ويكره معاملة الاكراد ومخالطتهم ومناكحتهم“. (الحدائق الناضرة81/40). (جامع المدارك42/111). (تهذيب الاحكام للطوسي7/11). (بحار الانوار للعلامة المجلسي1/83).

بل الأكثر غرابه هو ما وافق هذا الرأي السقيم من المراجع المحدثين مثل السيد الخوانساري في كتابه (جامع المدارك 3/137)، والمحقق السبزواري في كتابه (كفاية الاحكام/84). (رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي1/520). (تفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي1/601).

الأعجب منه ان مراجع الشيعة يرفضون تصحيح ما ورد في كتبهم الرئيسة من اساطير ومعجزات وخرافات،  رغم ان البعض منهم يعترف بانه لا يوجد عندهم كتاب صحيح، وهذه مثلبة،بمعنى انهم يطعنون بأهم كتبهم (الكافي) الذي اعتبره المهدي بعد الاطلاع عليه بأنه صحيح ويكفي شيعته. يعتقد بعض العلماء أنكتاب ” عرض على القائم – صلوات الله عليه – فاستحسنه، و قال: ” كاف لشيعتنا “. (الكافي1/25). (مستدرك الوسائل3/532). (منتهى المقال/298). (نهاية الدراية/219). (روضات الجنات/553). يعتقد بعض العلماء أنه ” عرض على القائم – صلوات الله عليه فاستحسنه (4) ” و قال: ” كاف لشيعتنا (5) “.مثلا ذكر محمد باقر البهبودي وهو من استاذ جامعي وكان من تلاميذ الخميني والبروجردي والخوبي في كتابه (تصحيح الكافي)عدة فصول في الكافي مدسوسة منها، نصوص القدر، التفويض، الجبر، المعجزات، وتحريف القرآن. ومن العجائب ان آية الله حسين متنظري هو الذي منع صدر الكتاب، فقال في حديث لصحيفة كيهان” ان منتظري ضغط على صاحب المطبعة المكلفة بنشر الكتاب، ليغير عنوانه الى (زبدة الكافي). وسحب منظري جميع النسخ من السوق الايرانية.

ان حديث الجن يضعنا في موقف حرج لأنه اما الامام الصادق جاهل وعنصري ولا يفقه بالدين، او ان الحديث مكذوب عليه، ونحن نرجح الامر الثاني بالطبع، لكن هذا ما موجود في مصادر الامامية وعن مؤسسي دينهم ولم يضعفوه. واعتقد شخصيا ان الفرس او الفاطميون هم من وضعوا هذا الحديث بعد انتصار القائد الكردي الهمام صلاح الدين الايوبي والقضاء على الدولة الفاطمية الشيعية، فقد عاصر الكليني (250 ـ 329) الدولة الفاطمية (300 ـ 567).  والسبب الثاني لأن غالبية الكرد95% من اهل السنة، لذلك طعنوا في اصلهم، وهكذا فعلوا مع السود واهل السنة والفرق الشيعية غير الإثنى عشرية، كالزيدية والعلوية وغيرها.

كالعادة حاول الشيعة محاولة غبية ويائسة لالصاق حديث مشابه نسبوه الى عمر الفاروق ورد في كتاب ادبي لكاتب اصفهاني وكالعادة بلا سند، ولم يرد في أي مرجع آخر” ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأكراد جيل الجن كشف عنهم الغطاء! وإنما سموا الأكراد لأن سليمان عليه السلام لما غزا الهند، سبى منهم ثمانين جارية وأسكنهم جزيرة، فخرجت الجن من البحر فواقعوهن، فحمل منهم أربعون جارية، فأخبر سليمان بذلك فأمر بأن يخرجن من الجزيرة إلى أرض فارس، فولدن أربعين غلاماً، فلما كثروا أخذوا في الفساد وقطع الطرق، فشكوا ذلك إلى سليمان فقال: أكردوهم إلى الجبال! فسموا بذلك أكراداً“. ( محاضرات الأدباء للراغب الاصفهاني/160).

اما السيد محمد بن المهدي الشيرازي، فقد زاد الطين بله، أراد الترقيع، لكنه زاد الفتق بقوله” ناقشت الرواية التي تقول: (أنهم قوم مـن الجن قد كشف الله عنهم الغطاء)، وقـد اختلف العلماء في معنى الرواية، وبرأيي أن الأكراد ـ في هذه الرواية ـ هو جمـع (كَرَدَ) وهـو مشتق من كَرَدَ إلى الجَبَل أي ذهب إلى الجبل (جاء في المنجد: كَرَدَ ـ كرداً … العدو ـ طرده كارد مطاردةً: طارده ودافعه. المنجد في اللغة/60 من هنا، فان المقصود من الأكراد فـي الرواية ليس الطائفة الكردية بل المقصـود كل الناس الذين يقطنون المناطق الجبلية ونحوهم المنقطعون عن الأحكام الشرعية “.(موسوعة الفقه62/68)، فقد جعل كل ساكني الجبال من نسل الجن!

الخاتمة

الفصل في هذا الموضوع يتجسد في الحديث التالي. ورد الحديث عن جابر بن عبد الله ” يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ”. (شعب الايمان للبيهقي/5137) . (حلية الاولياء لابي نعيم3/100).