لا شك إن الإعلام الحرفي القلمي ، فقد الكثير من وهجه الشكلي ، فالقلم روح و الإلكترون آلة ، و ما بين الأثنين مسافات من التمايز على صعيد الآني و الإستراتيجي ، و بالتالي لا يمكن للقلم أن يتلاعب أو يزيف لحظته الإنغماسية في صلب الهدف ، و على العكس من الآلة ، فبمقدورها التلاعب و التزييف و الإنقلاب ، وقتما من يشاء ذلك ! 0
و من أعلاه ، فإن القلم لا يمكنه النضوب روحيا” و عمليا” ، لأن مناهل إمداده متوافرة إتصالا” ذاتيا” ، و على العكس من الآلة ، فهي تؤدي واجبها الميكانيكي ، بيد أن هذا الواجب يظل عرضة للمتغيرات الآنية ، و التدخلات الخارجية التي ليس لها صلب بموقف الكاتب ، الأمر الذي أدى الى مشاهد إنقلابية و غير متوازنة في إستقراء المباديء و إستطلاع المواقف ، وهو نفس الأمر الذي يتيح ( لغرض في نفس يعقوب ) ، تحريف النقل عن المنقول من خلال الناقل ، كما هو حاصل ويحصل في المشهد العراقي إعلاميا” ، ومن منصة الإعلام الإلكتروني في قسم منه وليس في المشهد الكلي 0
أسوق هذا الإستعراض التمهيدي ، كي أدخل الى صلب موضوعي ، الذي أصبح في حقيقته ، يشكل معاناة وإحراجا” و كيدية للسياسيين المبدئيين ، الذين راحت بعض الجهات عبر وسائلها ، تشويه مواقفهم من خلال الإدعاء بأنها تنقل مواقفهم أو حتى الإدعاء بأنها مواقع أو مدونات أو صفحات تعبر عن موقف هذا السياسي أو ذاك في مواقع التواصل الإجتماعي ، خدمة لأغراضها ولا أقول أهدافها الشريرة و المعادية و الحاقدة الى حد دس السم بالعسل 0
و خلال زيارتي الى بيروت مع أسرتي مؤخرا” ، علمت إن السياسي العتيد والمفكر السديد حسن العلوي ، مقيم بالقرب من محل أقامتي ، وتعرفون بالفطرة أن العراقي يحن الى العراقي عندما يكون بعيدا” عن وطنه أو بلده أو أهله وناسه ، وأنا وبحكم عمري السبعيني ، لم أعد أضع إسفينا” بيني من جهة ، وبين من أعده مخالفا” لآرائي ومواقفي من جهة أخرى ، لكون الغربة مؤقتا” تتجاوز كل المواقف بالنسبة لي ، لأن العراقية تنصهر في دمي ولحمي ونفّسي ، لذلك زرت العلوي مع أفراد أُسرتي ، حتى تكون الزيارة ذات طابع عائلي ، وحتى أبعد عن كلينا ( أنا والعلوي ) حساسية التباعد في المواقف ، مع إني لا أختلف معه في المباديء ، و المباديء هذه تكون لب موضوعي هذا 0
عندما إنفردت بالعلوي في هذه الزيارة ، كنت حريصا” على عدم إثارته في المواقف الخلافية ، وإنما تحدثت عن المباديء عموما” ، لكنه جرجرني الى المباديء الشخصية تحديدا” ، فتركت له الحديث دون مقاطعته ، حتى أتوصل الى مايروم تحقيقه من غرض أو هدف أو مغزى ، و أشهد إن الرجل أفحمني ، عندما قال مبدئيا” ، له وماعليه 0
لكن ما دفع فضولي الى الإنغماس في حديث المباديء ، هو تناول العلوي دور بعض مواقع التواصل الإجتماعي ، ممن يستخدمها بعض الجهات السياسية وبغرض مسموم ، وبإحترافية شريرة الى أبعد الحدود المجردة ، من كل أخلاقيات التنافس بل وحتى سياقات الخصومة السياسية ، فمثلا” قال العلوي في هذا الصدد ، أنا مبدئي واحد ، أقوله في الضراء وبإسمي الصريح معارضة لنظام صدام ، عندما خرجت من العراق قسرا” وبطلب من صدام نفسه ، فأنا ( والقول للعلوي ) لم أُداهن أو أتستر أو أتخفى وراء أسم آخر أو قناع زائف في زمن المعارضة السابقة ، كما فعل جواد المالكي ، آسف نوري المالكي ، أو كما فعل بيان جبر ، وآسف أيضا باقر صولاغ .. ولا أريد الإطالة في هذا المنحى ، فالأمثال تطول ولنحصرها بما ذكرت 0
ويستطرد العلوي ، أنا حسن العلوي قلت في الضراء أنا معارض لنظام صدام ، وأيضا” قلت في السراء أعترض على عملية إعدامه … لأن المبدأ مكيال واحد وليس مكيالين ، وعندما تكون مبدئيا” ، عليك أن تعبر عن موقفك دون مواربة أو طمطمة أو لفلفة أو سفسطة ، وبالتالي من يفقد صدقيته في الموقف ، فهو يترجم بإعترافه ، فقدانه للمبدأ ! 0
وهنا تدخلت كي لا أترك له الحديث المبدئي ، وقلت له : ولكنك في هذا الجانب قمت مؤخرا” بمهاجمة الشخصية المهمة في التأريخ السياسي السعودي المعاصر عبدالعزيز التويجري ، من على موقعك في ( تويتر ) ، بينما سبق لك وأن ألفت عنه كتاب ، فبماذا تقول عن هذا التعارض ولا أقول التناقض ، إذا ما تحدثنا عن المباديء ؟ ! 0
فأجاب العلوي وكأنه ينتظر إنتهاء السؤال بفارغ الصبر : أولا” أنا لا أملك أي موقع أو مدونة أو صفحة في مواقع التواصل الإجتماعي ، على الرغم من إنتحال أسمي في بعض هذه المواقع ، لكوني أصلا” لا أتعامل بوسيلة الأنترنت ، وهي بالتالي خارج دائرة فعالياتي وإهتماماتي الإعلامية على المستوى الشخصي ، وأن الموقع الذي أشرت إليه في سؤالك ، ليس عائدا” لي ، ولم أخول أحدا” بإنشاء لي مثل هذا الموقع ، و صحيح إنه في أحيان يعرض مواقف هي من صلب مواقفي ، بيد إني لم أصرح بها لهذا الموقع 0
ويستطرد العلوي ، وثانيا” من هذا الواقع فهو يُقولني ما لم أقله ، حيث راح في أحيان أخرى يهاجم بعض الشخصيات العربية والعراقية ، ونقلا” عن لساني حسب إدعائه وزعمه ، بينما أنا أكن كل الإحترام والتقدير لها ، كما حصل مع التويجري الذي عندما ألفت عنه كتابا” ، لم أنطلق من فراغ ، فهذا الرجل ( عبدالعزيز التويجري ) ، أعده من الصحابة الذين عاشوا قبل 1400 عاما” ، من ذلك الزمن المضيء بمكارم الأخلاق وسمو التعامل ورقي العلم والمعرفة … وبالتالي فعبدالعزيز التويجري ، ليس شخصية مهمة في التأريخ السياسي والثقافي السعودي وحسب ، وإنما هو شخصية عربية مزحومة بالتاريخ العروبي ، التأريخ الذي يتغنى بأمجاد العرب ، المحملة بكل عناوين الفخر والكرم والشجاعة والحلم ورجاحة العقل ونباهة الذكر 0
لذلك إنقل عني بأمانة إعتزازي السرمدي بهذا الرجل الأثيل الأصيل ، والذي أخال الشاعر يعنيه عندما قال :
الناس أما مورد أو وارد / فبرزت فيهم موردا” لا واردا
لم ترض بالصيد المقدم نفسه / فقنصتهن هواربا” وشواردا