بمناسبة فعّاليات أسبوع القدس في ايران التي تتزامن مع استذكار ايران بداية الحرب العراقية – الايرانية في الثمانينات من القرن الماضي ، أعلن الرئيس الايراني حسن روحاني يوم الاحد المصادف 22/9/2019 انه سيعلن في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعين التي ستبدأ مناقشاتها العامة في الرابع والعشرين من هذا الشهر عن مبادرة هرمز للسلام ، تحالف السلام والأمل ، وأشار الى ان مضمون هذه المبادرة هو مشروع للتعاون بين ايران ودول المنطقة لأرساء الأمن في الخليج ( الفارسي ) وبحر عمان ومضيق هرمز . وان ايران تمد يد الصداقة والاخوة لجميع جيرانها ، وانها مستعدة للصفح عن اخطائهم السابقة في هذه المنطقة . وسرعان ما جاء الرد من الرئيس الامريكي ترامب بأنه على استعداد للأطلاع على هذه الخطة . وعلى الرغم من ان المبادرة الايرانية تأتي في سياق المبادرات الامريكية والاوربية المتعلقة بتعزيز الأمن وحرية الملاحة عبر مضيق هرمز بعد التوترات الاخيرة الناجمة عن استهداف سفن ومنشئات نفطية في بعض دول الخليج العربية خلال الفترة القصيرة الماضية ، فان العناصر الاساسية للمبادرة لاتحتاج الى عناء كبير لمعرفتها ، وهي لاتعدو من ان تكون تكرارا لماجاء في تصريحات سبق وان وردت على لسان المسؤولين السياسيين والعسكريين الايرانيين حسب سخونة الاحداث وبرودتها في المنطقة ، ركّزت على انّ مسؤولية أمن الخليج من مهمات دول المنطقة ، وعلى ضرورة ابعاد الوجود الاجنبي وبخاصة الوجود الأمريكي لأنه مصدر التوترات وعدم الاستقرار ، وان ايران على استعداد للتعاون مع دول المنطقة لضمان أمن تدفق امدادات الطاقة .
اذن ما هو الجديد في هذه المبادرة . الجديد فيها هو التوقيت ، لأنها تتزامن مع تسريبات متناقضة عن لقاء مرتقب بين الرئيس الامريكي ترامب والرئيس الايراني حسن روحاني على هامش اجتماعات الجمعية العامة ، وانها ، أي المبادرة ، اعلان عن استعداد ايران للحوار مع امريكا تحت غطاء توجيه الخطاب الى المجتمع الدولي . اذ لايعقل ان يكون الخطاب موجها للسعودية وبعض دول الخليج العربية، فقد سبق وان اعلن السيد ظريفي وزير خارجية ايران في أكثر من مناسبة عن رغبة ايران في مد يد السلام الى السعودية والتعاون معها من اجل تحقيق السلام والامن في الخليج ، ولكن مثل هذه الدعوات لم تجد اذنا صاغية ، لأنها في نظر السعودية كمن يوجّه السلاح على جبهة خصمه ويدعوه في الوقت نفسه الى العيش بسلام .
فرص نجاح هذه المبادرة بالشروط التي اعلن عنها الرئيس الايراني محدودة جدا ، بل تكاد ان تكون معدومة . ولأعتبارت متعددة ، يبدو انها ولدت وهي تحمل نعشها بيدها . دعونا ننظر الى الحقائق التالية :
ان ثلث نفوط العالم تمر عبر الخليج ومضيق هرمز ، ومسألة أمنها ذو بعد دولي ومسؤولية دولية تتجاوز كثيرا حدود مسؤولية الدول الخليجية المتشاطئة ودول المنطقة. واذا ما أتفقنا على أن أمن الطاقة يتعلق بالدول المستهلكة قدر تعلقه بالدول المنتجة ، كما تتحمل مسؤولية أمنها أيضا الشركات المصنعة لها والمتعاملة معها والشركات الناقلة لها والدول التي تمر عبرها ،وبين كل ذلك شبكة واسعة من المنتفعين منها ، فان ذلك يدعونا الى الاستنتاج بأن ضمان أمن الطاقة في الخليج ومضيق هرمز هو مسؤولية دولية على الرغم من ان المضيق يقع في المياه الاقليمية لأيران وعمان . وهذا ما يسوّغ وجود الاساطيل والقواعد الاجنبية في منطقة الخليج ، أو على الأقل هذا ما تدّعيه . وما تقدم ينقلنا الى الحقيقة الثانية .
حسب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ، المادة السابعة عشر منها ، فان لجميع السفن مهما كان نوعها حق المرور البريء عبر المضائق الواقعة تحت السيادة الاقليمية للدول، ( و يعرف المرور البريء، بان يكون عبور السفن متواصلا وسريعا ولايحق لها التوقف الآّ للتزود بالوقود أو لأمر طاريء يهدد سلامة السفينة أو سلامة الدولة الساحلية ، وأنه بريئ لأنه لا يضرّ بمصالح تلك الدولة وسلامتها ) ، ولا يحق لدولة السيادة عرقلة واعاقة عبور السفن مادام ذلك لايضرّبسلامتها وأمنها ونظامها الداخلي، وانّ هذا المرور هو حقّ للسفن العابرة وليس منّة أو رخصة من الدولة صاحبة السيادة . وعليه فلا يحقّ لأيران ان تعرقل الملاحة في الخليج وعبر مضيق هرمز. وايران تعرف ذلك وسبق وان هددت مرارا بأغلاق المضيق ولم تجرأ على فعله .
انّ منطقة الخليج وبحر عمان وبحر العرب والمحيط الهندي وما جاورها من اعالي البحار مزدحمة بالوجود الاجنبي والاساطيل البحرية ، وأيران تعرف جيدا الاسباب السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية لمثل هذا الوجود وبخاصة في منطقة الخليج،الاّ انها لاتملك القدرة ولا الحق القانوني على منع مثل هذا التواجد .
ان سلوك ايران خلال السنوات الاخيرة ، وبشكل خاص بعد التوصل الى اتفاق بشأن برنامجها النووي ، هو سلوك لايمكن ان يوصف الاّ بانّه سلوك مزعزع لأستقرار المنطقة وأمنها ، وانها استفادت من تخفيف العقوبات ومن الاموال التي توفرت لها بموجب هذا الاتفاق لتوسيع نفوذها وتهديد استقرار دول المنطقة والدول الخليجية بوجه الخصوص ، وان ايران الثورة ما زالت ماضية في تصدير ثورتها الى الخارج لأسباب عقائدية ، الأمر الذي افقدها مصداقيتها في نظر دول المنطقة ودول الخليج العربية بشكل خاص . وهذه النظرة تتطابق مع وجهة النظر الامريكية ، وكذلك مع وجهة النظر الاوربية الى حد ما . وعلى هذا الاساس فان دول المنطقة والولايات المتحدة الامريكية لاتثق بنوايا ايران الثورة وتشكّك بها ولا تعوّل عليها ولا ترى في سلوكها ما يرمي فعليا الى ضمان أمن الملاحة وحريتها في الخليج العربي ومضيق هرمز .
ان عدم الوثوق في مصداقية ايران ترسم علامة شك كبيرة لدى دول الخليج العربية ، وربما ترى في المبادرة محاولة لأزاحة الدعم الدولي عنها والأستفراد بها تحت غطاء النوايا السلمية بعد أن وجهّت صواريخها نحوها وحاصرتها بتشكيلات عسكرية تابعة لها، وهذا ما تعرفه هذه الدول حق المعرفة ،وليس من المعقول ان تقع بمثل هذه السهولة في مثل هكذا مصيدة .
وعليه فان هذه المبادرة محكوم عليها بالفشل مسبقا ،لأنها غير مقبولة من دول الخليج العربية وغير مقبولة من امريكا وغير مقبوله من الغرب ، فمع من تتحاور ايران اذن !
ولأن هذه المبادرة بمثل هذا الشكل وبمثل بتلك الشروط فانها تحمل نعشها بيدها ، ولا تصلح سوى ان تكون تعبيرا عن استعداد ايران للحوار مع الشيطان الاكبر .