تأتي المبادرة الاخيرة لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية التي دعا اليها السيدان عمار الحكيم والمالكي بحضور اطراف من السنة شيوخا ورجالات دين في سياق المحاولة لحقن الدماء العراقية وعدم اراقتها بعد ان تكبد العراق خسائر فادحة في الممتلكات العامة والارواح البشرية ، على اثر الانفجارات المتتالية التي هزت العاصمة بغداد مؤخرا ، لتدخلها في متاهة من الرعب والتوقعات المتشائمة باندلاع حرب اهلية وشيكة الحدوث .
في هذا الجو المشحون بمشاهد الرعب التي شلت حركة العاصمة ، فان المبادرة تأتي متأخرة تماما ، لاسباب كثيرة منها ان العراق قد وصل الى مرحلة الانقسام الطائفي ، الذي وان اختفى لفترة فانه سيعاود ظهوره بقوة غير متوقعة والدليل على ذلك ، ان ما يشهده العراق من احداث دامية اليوم ، يشبه كثيرا تلك الاحداث التي شهدها في العام 2006، والتي كانت تنذر بنشوب حرب اهلية لولا ان طمستها مبادرات من هنا وهناك ، لكنها عاودت ظهورها اليوم ، ولربما ستعاود ظهورها فيما بعد ، في حال نجحت المبادرة الحالية في تقليص حجم التوترات والصراعات بين الاطراف السنية والشيعية والتي وصلت ما وصلت اليه بفعل الانتهازية السياسية التي لم تفكر بادئ الامر في التسويات الوطنية وسد الطرق بوجه امتدادات الشحن الطائفي ، بل وبفعل التفكير بمنطق الاستئثار السلطوي دفعت بالعراق الى هذا الانقسام وغذت امتدادات الشحن الطائفي داخله، ولم تأت المبادرة الاخيرة الا بمثابة اعتر اف من قبل الكتل السياسية بانها هي المسؤولة عما الت اليه الاوضاع العراقية من ترد لا يحمد عقباه والذي قد يهدد المصالح السياسية ويطيح بها .
ان السيدين عمار الحكيم والمالكي يدركان – وخصوصا المالكي – خطورة الوضع الحالي على الواقع العراقي والذي سوف يعصف بمكانتهما السياسية سيما وان المراجعة للأوضاع ستؤكد بما لا يقبل الشك ان المسؤولية الحقيقية في الوضع الحالي للعراق ملقاة على عاتق الكتل السياسية العراقية سيما الحكيم والمالكي الذين اعتبرا في فترة من الفترات اي محاولة للمصالحة الوطنية والوحدة الاسلامية بين الشيعة والسنة بمثابة عمل ارهابي ، ولتوضيح ذلك نذكر ان مبادرات السيد مقتدى في التقريب بين الشيعة والسنة من خلال الصلاة معهم ومد جسور التعاون ، اندرجت عند الساسة امثال الحكيم والمالكي واتباعهما في اطار الاعمال الارهابية ، والتأسيس لقاعدة ارهابية كانت سببا ومبررا كافيا للسيد المالكي في التنكيل بالتيار الصدري واعتقال اتباعه وزجهم في السجون ، في حين ان مبادرات السيد مقتدى في التقريب كانت تمثل الحاجة الفعلية للعراق في ضمان استقراره ووحدته وهي استباق لسد الطرق بوجه الانقسام الطائفي وعدم استفحاله وتضخمه على نحو ما نشهده اليوم .
ان المبادرة في اطار ذلك وقد اشرنا الى انها جاءت متأخرة لا يمكن التعامل معها الا في سياق كونها اعترافا صريحا بان ما ال اليه الوضع في العراق هو تبعة مترتبة على سياسة المالكي والحكيم الذين وضعا انفسهما موضع الطرف المسؤول عن ارواح ابناء السنة والا فكيف يمكن النظر الى المبادرة الا بوصفها تمثيلا لاطراف متقاتلة وبالتأكيد ان من يمثل هذه الاطراف هو الذي سيكون مسؤولا عن الاوضاع فكما ان الاطراف السنية الحاضرة في المبادرة هي المسؤولة عن التفجيرات في المناطق الشيعية فان الطرف الاخر سيكون مسؤولا عن التفجيرات في المناطق السنية ، وتلك معادلة منطقية يمكن الاطمئنان اليها اذا ما نظرنا بدقة لتوقيتات المبادرة .
اخيرا نشير الى ان ارواح الابرياء العراقيين من الطرفين السني والشيعي لا يمكن ان تختزل بشخص المالكي والحكيم ولا يمكن ان تختزل برعاة الارهاب الذين لا يمثلون السنة في شيء بل ان السنة هم ضحايا لمثل هؤلاء كما ان الشيعة ضحايا لسياسات المصلحة المقيتة والانتهازية التي عملت في ما سبق على افشال محاولات وبوادر الوحدة الوطنية في العراق لتعود اليوم وبعد ان عم الخراب للدعوة لمثل هذه الوحدة التي لا نتوقع قيامها حتى على المدى البعيد اذا ما بقيت سياسة العراق تسير بالوتيرة ذاتها وفي ظل حكم الانتهازية التي لا تعبأ لشيء الا في حال تهديد مصالحها ومكاسبها الشخصية .