تساوقا مع التأزم السياسي المستمر في البلاد وتوقيتا مع الانسحاب الأميركي الذي وضع العراق بمواجهة نفسه والآخرين تتضاعف الأهمية لطرح مبادرات وطنية تأتي على حل الاشكاليات والملفات العالقة التي تورد الخلاف والخصام والتصارع بين الفرقاء داخل العملية السياسية ، وهكذا دعوات تحقق القدر الادنى من التماسك الوطني ووحدة الصف الاجتماعي وتقوي الاحساس بالراهن والمستقبل السياسي العراقي الذي اصبح محط رهان القوى الاقليمية والدولية والاجندات المعادية التي تنتظر حدوث صراعات دموية تسقط التجربة السياسية وتعيد البلاد لمربع القتل والحرب الطائفية والانقسامات المتوارية خلف واجهات الدول المجاورة وبما يعني تدمير الوطن والمواطن العراقي على حد سواء .
في الأفق السياسي يتردد الحديث عن مبادرة سيطلقها السيد نوري المالكي رئيس الوزراء وزعيم حزب الدعوة الاسلامية والبعض بدأ بخطوات أجرائية لتبني وتأسيس منهجي لدعوى السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري ، الدعوتان تأتيان في وقت أصبح فيه التصادم بين بعض الفرقاء واقع حال للاسف الشديد ،والحرب الاعلامية وتعليق العمل في البرلمان والتهديد بالانسحاب من السلطة التنفيذية أجراءات تنذر بالمزيد من الفرقة وتشتيت وحدة الصف الوطني في وقت تشتد الضرورة لتأكيدها وتأجيل الملفات محط الاختلاف والتعارض ، لذا فمن المفيد جدا ان تتوافق طروحات االسيد الصدر مع مضامين مبادرة السيد المالكي وبسرعة أجرائية قادرة على انتشال الواقع المتأزم وايقاف التدهور السياسي وتداعياته الشعبية وتقديم الحلول التي ذهب البعض للبحث عنها في أربيل عاصمة كردستان العراق .
ان المصلحة الوطنية ولحظة الاختبار التاريخي التي يمر بها الوطن تستدعي من كافة الوطنين الاحرار من السياسيين وقادة الدولة والاحزاب واصحاب القدر والقرار ان يترفعوا على المناكفاة والاتهامات والشتائم وكل مايورد الخلاف والصراع ويتماهوا مع حقيقة الولادة التاريخية الجديدة للعراق وهو يخلو من الاحتلال والدكتاتورية وان يضعوا خارطة طريق للخروج من الأزمات وبناء الثقة بالنفس وبالاخر وادراك حقيقة التشارك في الحقوق والواجبات والمصير لكل العراقيين بأختلاف اطيافهم المذهبية والطائفية والعنصرية ،من أجل بناء أمن الوطن وابنائه وابعاده عن كل التخندقات التي تدفع به الى الحرب ضد او مع الآخر في وقت يحتاج فيه الوطن لتعويض خساراته التاريخية وبناء قواعده الصناعية والتنموية والاجتماعية والثقافية التي هدمت جراء الانظمة الدكتاتورية وسلطة الاحتلال والفساد .
ان الواجب الوطني يحتم اليوم أن تسارع القوى السياسية الى اقامة مؤتمر وطني يجمع القوى المتنافرة وهي القائمة العراقية مع قائمة دولة القانون الى جانب القوى والاحزاب المشاركة بالعملية السياسية ، ويتم تبني ميثاق عمل مشترك يقوم على تنقية الأجواء وفك العقد وترشيد الاختلاف والخلافات ووضع معالجات تنتصر لمصلحة الوطن والظرف التاريخي مع ايقاف فوري لكل الاجراءات المتخذة في حومة التنازع والصراع في الايام الاخيرة ، والدفع بأتجاه تفعيل السلطة التشريعية بأنتاج المزيد من القوانين التي تنظم العمل السياسي والاقتصادي وتعالج فكرة الاقاليم الدستورية طالما أصبحت حجر عثرة وطنية بين ابناء الوطن الواحد وسببا لاستداء الخلافات والشحن الاهلي الذي ينذر بمخاطر ماعاد الناس يتحملوا المزيد منها ، العراق اليوم يستصرخ كل ذي ذمة وضمير وشرف وطني ان يتنبه للمخاطر التي تحيط بالوطن وتتهيأ لاستلابه وتقطيعه ووضعه في دوامة حرب لاينتهي منها الا بالمزيد من الخراب والتدمير .