مبادرة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاسلامي العراقي التي أسماها “أنبارنا الصامدة” تلاقفتها النخب السياسية والقواعد الشعبية بردود افعال بعضها مؤيد واخر معارض شأنها شأن أي مبادرة تصدر بعد كل أزمة يمر بها العراق وماأكثرها. لكن والحق يُقال فأن نسبة المعترضين قد فاقت التوقعات حتى وصفها بعضنا بانها “محاولة لشق وحدة الصف” في محاولة للاستئثار بمراكز ومقاعد مستقبلية بينما وصفها اخرون بانها “مزايدة رخيصة” على حساب الدماء والتضحيات.
أيا كانت القراءات فأن الملفت للنظر في هذه المبادرة شأنها شأن المبادرات السابقة انها تصدر من جانب “قادة الشيعة” رغم انهم هم المستهدفون من الارهاب ولم نشهد أن صدرت مبادرة من الجانب الاخر على هذا النسق او من هذا القبيل! هذا بحد ذاته يعطي انطباعا ويرسل رساله سلبية مفادها أن صاحب المبادرات هو صاحب الحلقة الاضعف في الصراع الدائر بين الشعب والارهاب من جهة وبين الحكومة والارهاب من جانب اخر وان صاحب المبادرة يعيش ازمة حلها يغيب عنه تماما الا بتقديم التنازلات مرة بعد اخرى. وبالتالي فان مثل تلك المبادرات تعطي انطباعا للدول الداعمة للارهاب وصول قادة العراق الى نهاية محتومة مما يبعث الامل لتلك الدول ومجاميعها الارهابية ان بالامكان الضغط اكثر لحصد نتائج اكبر وتنازلات اضخم.
الامر الاخر والذي يؤكد ان مبادرة الحكيم ليس في محلها رغم انها جيدة انها جاءت في وقت تقوم به القوات الامنية والجيش العراقي بضربات موجعة للارهاب وحواضنه وبالتالي فأن أي مبادرة من هذا النوع انما ستفسر على أنها “مكافأة” للارهاب وان مبادرات من هذا القبيل تشكل “طوق نجاة” له للأفلات من قبضة العدالة وهذا ماجعل اغلب القواعد الشعبية تضج بالاستنكار وترفض هذه المبادرة.
مبادرة الحكيم هذه جاءت في وقت وقفت فيه عشائر الانبار فضلا عن عشائر الجنوب والوسط مع مايقوم به الجيش العراقي وهو اجماع لم يحصل من قبل مع اي تحرك للجيش وقادته عبر تأريخه الطويل ومنذ تأسيسه. هذه نقطة جوهرية في الصراع تعطي الجيش والاجهزة الامنية دفعه قوية للاستبسال والتقدم لتخليص البلاد والعباد من القتل والترويع الذي تقوم به تلك الجماعات الارهابية. من هذا المنطلق فان اي مبادرة مستوحاة من “تنازلات” ايا كانت عوانينها فانها ربما ستقلب موازين الصراع وتؤثر في نفسية الجندي من جهة والارهابي من جهة اخرى.
الأمر الاخير في عدم مقبولية مبادرة الحكيم من قبل القواعد الجماهيرية والنخب السياسية انها تؤكد على مبدأ “عسكرة المجتمع العراقي” وذلك من خلال ماتضمنته تلك المبادرة في احد بنودها العشرة والتي تقضي تشكيل “قوات الدفاع الذاتي” التي ستكون ليس عبئا على خزينة الدولة فحسب وانما ستكون وبالا مستقبليا على وجود الدولة العراقية خصوصا ان مثل تلك التشكيلات ستكون مخترقة من قبل المجاميع الارهابية وهذا ماأكدته تشكيلات مماثلة سابقة خصوصا في محافظة الانبار. في ذات السياق والخوف يتأتي حاضرا ومستقبلا من المحافظات العراقية المتبقية التي ستطالب بأنشاء هكذا تشكيلات ولو من باب المساواة والمعاملة بالمثل وهو ما ينبأ مستقبلا بتناحر عراقي-عراقي على اساس مذهبي ومناطقي وبالتالي ستكون “قوات الدفاع الذاتي” في الانبار سببا في تمزيق الدولة العراقية والنسيج العراقي الواحد. أضف الى ذلك ان تشكيل هذه القوات من ابناء العشائر سيؤدي الى تناحر وتهافت على المكتسبات المادية والمناصب بين ابناء العشائر وشيوخها وهذا ماستمتد تداعياته الى المحافظات المجاورة فضلا عن محافظت الجنوب والوسط.
ايّا كانت القراءات لمبادرة السيد عمار الحكيم سواء انها “دعاية انتخابية مبكرة” في ظرف صعيب او انها جاءت تمهيدا مبكرا ورسالة مبطنة لباقي الشركاء حول التنازلات التي سيعطيها مرشح المجلس الاعلى للفوز بمنصب “رئيس وزراء العراق” القادم، فأن الواقع يؤكد لو ان هذه المبادرة قد جاءت في وضع وفي ظرف غير الذي تمر به الحالة العراقية الان وبغير وقت استنفار الجيش العراقي لردع الارهاب لكانت قد لاقت مقبولية منقطعة النظير لما فيها من حلول مستوحاة من تجارب امم وبلدان سابقة ولكنها جاءت في ظرف صعب للغاية وتحد كبير لوجود الدولة العراقية وهيبة الجيش العراقي وجاهزيته للدفاع عن الشعب والدولة لذلك فانها ولدت ميته.
www.zaqorah.com