ما يميز الدولة القانونية عن الدولة الاستبدادية والبوليسية

ما يميز الدولة القانونية عن الدولة الاستبدادية والبوليسية

الدولة القانونية: هي دولة تخضع فيها جميع سلطات الدولة، بما في ذلك السلطات الحاكمة، للقانون في جميع أعمالها. في الدولة القانونية، يكون القانون هو المصدر الوحيد للسلطة، ولا أحد فوق القانون.

والدولة القانونية هي مفهوم يشير إلى خضوع الدولة للقانون بشكل شامل في جميع جوانب نشاطها، بما في ذلك السلطة التنفيذية، السلطة القضائية، والسلطة التشريعية. ويختلف هذا عن الدولة البوليسية، حيث تتمتع السلطة التنفيذية بسلطة مطلقة في اتخاذ القرارات والإجراءات تجاه الأفراد وفقًا لما تراه مناسبًا لتحقيق الأهداف المحددة لها، دون الالتزام الصارم.

 وكان نظام الدولة البوليسية هو السائد في الملكيات المطلقة في القرنين السابع والثامن عشر وبعض كبرى الإمبراطوريات في القرن التاسع عشر، حيث كان للحكام أو السلطات الحق في فرض إرادتهم على الأفراد دون القيود القانونية التي تحد من سلطتهم. وفي هذا السياق، يعتبر الانتقال من الدولة البوليسية إلى الدولة القانونية خطوة تدريجية، تحدث في العديد من الدول على مراحل، حيث لا تكون الدولة القانونية سائدة في جميع المجالات، وحتى هذه اللحظة نجد الكثير من التداخل من عناصر كلا النظامين، حيث ان الكثير من الدول لم تخضع للقانون الا في بعض مظاهر نشاطها دون البعض الآخر. ومع ذلك يمكن القول الثورة الفرنسية لسنة 1789 وما تبعها من اعلان الحقوق، يعتبر الحدث الأبرز الذي حقق الانتقال من نظام الدولة البوليسية الى نظام الدولة القانونية، لان الثورة الفرنسية قد هدفت إلى إنهاء كل ما خلفته من إجراءات بوليسية، وأقامت نظاما جديدا على أسس جديدة.

وقد ساعدت الثورة الفرنسية على إحداث تغيير جذري في النظام السياسي والاجتماعي وأدت إلى إلغاء النظام الاستبدادي القائم، وبناء نظام قانوني جديد يقوم على المبادئ الحديثة للحقوق والحرية ومع إعلان حقوق الإنسان والمواطن مثلت علامة فارقة في تحقيق الدولة القانونية.

ولعل أهم ما يميز الدولة القانونية هو أن السلطات الادارية لا يمكنها أن تلزم الأفراد بشيء خارج نطاق القوانين المعمول بها. وذلك يعنى تقييد الإدارة من ناحيتين: فمن ناحية لا تستطيع الإدارة، حينما تدخل في معاملات مع الأفراد، أن تخالف القانون أو تخرج عليه، ومن ناحية أخرى لا تستطيع أن تفرض عليهم شيئًا إلا إعمالاً لنص القانون أو بموجب قانون، فعلى رجل الإدارة إذن قبل أن يتخذ أي إجراء ضد أحد الأفراد، أن يبين له القانون الذي استمد منه سلطة اتخاذ ذلك الاجراء، وبعبارة أخرى ليس على الإدارة فقط أن تمتنع عن مخالفة القانون، بل يجب عليها فوق ذلك ألا تتصرف إلا بموجب نص قانوني.

في الدولة القانونية حيث لا تستطيع الإدارة أن تتخذ أي إجراء تجاه الأفراد إلا وفقا لقواعد قانونية موضوعة مقدما، تحدد حقوق الأفراد وتعين وسائل تحقيق الأهداف الادارية، كما أن نشاط الدولة محدود بتحقيق الخير العام للمجموع فالسلطة مقيدة من حيث أهدافها ووسائلها على السواء.

سمات الدولة القانونية

1. سيادة القانون: القانون هو السائد فوق الجميع، سواء كانت الدولة أو الأفراد.

2. الفصل بين السلطات: هناك توازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لضمان عدم تداخل السلطات.

3. حقوق الإنسان: يتم احترام حقوق الأفراد وحريتهم في التعبير والتنقل والتجمع.

4. الشفافية والمساءلة: كل قرارات الدولة والمواقف العامة تتم بطريقة شفافة ويجب على المسؤولين أن يكونوا خاضعين للمساءلة.

التمييز بين الدولة الاستبدادية والدولة البوليسية:

الدولة الاستبدادية

ففي الدولة الاستبدادية تعسف الإدارة بالأفراد حسب هوى الحاكم او الأمير وتستبد بأمورهم. ويتم التعسف من قبل الإدارة في اتخاذ قراراتها بناءً على هوى الحاكم أو الأمير، حيث يكون الحاكم في الدولة الاستبدادية مطلق التصرف وغير مقيد باي قيد، لا من حيث الوسيلة ولا من حيث الغاية، أي أنه يعمل كل ما يحلو له ولو كان فيه إساءة إلى الجماعة التي يتولى أمرها. وان الحاكم المستبد لا يبغى إلا مصلحته الشخصية.

سمات الدولة الاستبدادية:

1. تركز السلطة: تُتركز السلطة في يد شخص أو مجموعة صغيرة، ولا يوجد فصل حقيقي بين السلطات.

2. قمع المعارضة: يُمنع أو يُقمع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية.

3. القيادة المطلقة: يتحكم القائد أو الزعيم في جميع جوانب الدولة ولا يوجد آلية للمحاسبة.

4. التضييق على الحريات: تُقيد الحريات الشخصية، مثل حرية التعبير والتنقل.

 

الدولة البوليسية

أما الدولة البوليسية فليس للأفراد حقوق قبل الدولة، و للإدارة سلطة تقديرية مطلقة في اتخاذ الإجراءات التي تحقق الصالح العام للجماعة. وبهذا تفتقر إلى الحقوق الفردية بشكل عام، وتمنح الإدارة سلطة غير محدودة في اتخاذ الإجراءات التي تهدف إلى تحقيق مصلحة الجماعة بأكملها، وذلك على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة، أي أنه تستهدف السلطة في الدولة البوليسية مصلحة المجموع. وان الحاكم وإن كان غير مقيد من حيث الوسيلة، فهو مقيد من حيث الغاية، لأن حريته في اتخاذ ما يراه من الإجراءات مشروطة بالغاية في هذه الإجراءات مصلحة الجماعة وليس مصلحته الشخصية.

سمات الدولة البوليسية:

1. الرقابة الشديدة: تراقب الحكومة عن كثب المواطنين من خلال أجهزة الأمن والشرطة.

2. التقييد على الحريات: يتم تقييد حريات الأفراد في التعبير والاحتجاج.

3. التحكم بالمعلومات: قد تتحكم الحكومة في وسائل الإعلام أو تفرض الرقابة على الأخبار والمعلومات.

4. استخدام القوة: تُستخدم الشرطة أو الأجهزة الأمنية لقمع أي احتجاج أو معارضة للنظام.

 

الاستنتاج:

الدولة القانونية هي دولة تحكمها القوانين، حيث تخضع جميع السلطات، بما في ذلك السلطات الحاكمة، للقانون في جميع أعمالها. في هذا النظام، لا أحد فوق القانون، وتكون السلطة الوحيدة للقانون نفسه. يختلف هذا عن الدولة البوليسية التي تتمتع فيها السلطة التنفيذية بسلطة مطلقة دون التقيد بالقانون.

الدولة الاستبدادية هي نظام سياسي يركز على تركيز السلطة في يد حاكم واحد أو فئة قليلة، حيث يتم قمع جميع أشكال المعارضة والحقوق الأساسية، وتُمارس السلطة بشكل غير ديمقراطي وبطريقة قمعية.

 الدولة البوليسية تركز على حماية النظام الداخلي باستخدام القوة الأمنية في مواجهة التهديدات، وقد لا تكون السلطة الاستبدادية بالضرورة سمة بارزة، ولكن هناك تجاوزات للحقوق في سبيل ضمان الأمن.

أحدث المقالات

أحدث المقالات