7 أبريل، 2024 3:29 م
Search
Close this search box.

ما يصيب المسلمين في الهند و السوريين هو من صنع أيديهم!

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم يركب أحدٌ أحداً كما ركبت الأقليات الدينية و الفئوية السواد الأعظم من المسلمين، أي السنّة الذين يشكلون 90% من عموم المسلمين في العالم. والأمر كذلك بالنسبة للشيعة، في المناطق التي يشكلون فيها الأكثرية مثل إيران، حيث فئة صغيرة من العمائم مشطت الآخرين. كانت مادة و حجة هذا الركوب تُستمد من جملة أفكار وتيارات، ارتضى السواد الأعظم أن يتحول إلى ظهر مطواة وقوي لحملها. وركّبَت الأقليات الدينية والفئوية أربعة أرجل لهذا الظهر الذي جلست فوقه، تضربه بالسياط يمينا و شمالا، لكي يجري بسرعة أكبر، يحمل الحمولة موعوداً بمحطة الراحة التي لم تأت، ولن تأتي!
هذه الأفكار و التيارات هي “القومية، الوطنية، الإشتراكية، المواطنة، الإستقلال الوطني، التحرر القومي، الديموقراطية، التعددية، العلمانية، النهضة، الحداثة، فصل الدين عن الدولة، جيش وطني محايد، دولة المستضعفين الخ” من الأفكار و المفاهيم التي لم ير منها معظم شعوبنا، غير الكذب و القهر و الخداع و الإستبداد. لا يهم هنا الخوض في هذا، بل كيف استطاعت الأقليات الدينية و الفئوية من ركوب السواد الأعظم، إلى حد تحجيمه وإنزاله منزلة أدنى من منزلة الأقليات. أي أن السواد الأعظم في جميع بلداننا، يشتركون في عدة مشاعر وخصال مكتسبة، مثل الخجل من الهوية والذات، و الشعور بالنقص أمام الذين يركبونهم بإسم تلك المفاهيم، بالرغم من كونهم من الأقليات التي كانت تتوارى في زوايا الأكثرية في أمس قريب! والقصد هنا، أن فرد السواد الأعظم أمسى يخجل من إثارة موضوع الهوية الدينية و المذهبية و الفئوية للذين تسلطوا عليه، لأن الطلاء الخارجي لهؤلاء المتسلطين (أو القناع) كان طلاءا خادعا يدعي الوطنية و القومية و العلمانية، مع أن الجوهر الذي يخفي نفسه خلف هذا الطلاء أو القناع، هو عنصر التعصب للهوية الدينية والمذهبية والفئوية. هذا بالنسبة إلى العالم السنّـي، وهو نقطة النقاش في هذا المقال.
كانت الهند تضم باكستان و بنغلاديش قبل عام 1947 حيث وقع الإنفصال. حاليا، عدد سكان الهند هو مليار و ثلاثمائة مليون نسمة. يشكل المسلمون وفق تقديرات غير رسمية أكثر من ثلاثمائة مليون، ورسميا أكثر من 200 مليون نسمة. بينما عدد السكان في باكستان هو 220 مليون نسمة، و عدد السكان في بنغلاديش هو 165 مليون نسمة. و لو ظل المسلمون مع الهند دون الإنفصال، لكانت نسبتهم اليوم مساوية تقريبا لنسبة الهندوس أو دون فارق كبير، مع قوة و زخم كبيرين كانا كفيلين بمنع ما يتعرض له المسلمون اليوم، الذين وإن كان عددهم في الهند كبيرا، لكنهم أقلية بالنسبة إلى الهندوس. كان محمد علي جناح (وهو من الإسماعيلية البهرة وهي من أشرس و أعدى الطوائف ضد السّـنة تأريخيا منذ الحشاشين وقبلهم) الأب المؤسس لباكستان و أول رئيس لها، و هو يسمى عند الباكستانيين بالقائد الأعظم (وفق إستغباء الذات، صنع الباكستانييون له دعاية مجانية، وهي أن جناح تحول إلى سنّـي، مع أنه عكف طويلا على دراسة مذهب الشيعة الإثني عشرية، وادعى دوما أنه مسلم علماني! و إستغباء الذات، نجده عند الأكثرية السورية التي ارتضت أن تكون قطعانا طائعة لحافظ الأسد الذي كان يصلي أمام الكاميرات بصلاة السنّـة، مع أنه كان نصيرياً وفياً لفئته الأقلوية، و خصوصا عائلته، و الشلل المتحالفة معه داخل و خارج سوريا!). ومنذ محمد علي جناح، و لسنين طويلة، تعاقب على رئاسة باكستان و رئاسة الوزراء فيها شيعة و خصوصا الإسماعيلية البهرة. وكان هؤلاء المتسلطين مثل خواجة نظام الدين، أسكندر ميرزا، لياقت علي خان، ذوالفقار علي بوتو و بينظير بوتو من الأقلية الأرستقراطية، و أغلبها من الشيعة و خصوصا الإسماعيلية؛ على صلة وثيقة ببريطانيا و أمريكا و درسوا في جامعاتها.
كانت رموز الأغلبية السنية تمارس دور الطبال لإستقلال باكستان (تعني البلد الطاهر نكاية بالهند كبلد مشرك أو كافر!). من هؤلاء الرموز يأتي أبو الأعلى المودودي (أحد منظري الجماعات الإسلامية المعاصرة)، و الشاعر المشهور محمد إقبال. فماذا حدث؟ استقلت باكستان بمباركة الإنجليز، وأخذت الجانب الأفقر من الدولة، بينما أخذت الهند جميع الموارد و الأراضي الغنية. ثم تسبب إستقلال باكستان بتعزيز قوة و أكثرية الهندوس في الهند، و إلى تحويل مسلمي الهند إلى أقلية ضعيفة و منبوذة. وفوق هذا نمت و ترعرعت العداوة و البغضاء بين الباكستانيين و البنغاليين الذي استقالوا لاحقا عبر نضال دموي وحرب أودت بعشرات الآلاف من الضحايا في عام 1971، بينما كشمير ذهبت أدراج الرياح، بالرغم من دخول باكستان في حروب استنزافية مع الهند في سبيلها. ومع أن باكستان استقلت من الهند على أساس التمييز الديني الإسلامي، لكن الباكستانيين تحولوا إلى جماعة عنصرية و عدوانية ضد البنغاليين، و ضد البلوش، وضد الأفغان الذين عوملوا من قبل الباكستانيين بنظرة دونية وإحتقار. ومع أنه من المفترض أن تعامل باكستان معاملة الأخوة الإسلامية (التي بسببها انفصلت عن الهند) مع جميع المسلمين الذين يختلفون عرقيا مع الأكثرية الناطقة بالأردو، مثل البشتون، الطاجيك، البنغاليين، البلوش الخ، بدأت على العكس تستعلي عليهم، و تعاملهم معاملة السيد مع العبد! بل إن هذه النظرة المعادية أصبحت تأخذ مجراها، في العلاقات و المشاعر، بين مسلمي الهند و الباكستانيين! والغريب أن باكستان أمست لاحقا مرتعا لبريطانيا و أمريكا. و عن طريقها، و بدعم و مساهمة دول الخليج، تمت صناعة ما يُسمى بالجهاد الأفغاني ضد الروس، الذي تحول إلى وباء فتاك دمّر العالم الإسلامي و شوهه عالميا، ومازالت آثاره تمضي بيننا كالنار في الهشيم. هذا في وقت ظلت الجمهوريات المسلمة في الإتحاد السوفيتي تحافظ على شخصيتها و هويتها الدينية بإستقرار وحكمة، بعيدا عن الفورات الجنونية المصطنعة مثل التي حدثت في أفغانستان عام 1979.
وعلى سنّـة الباكستانيين، بل وحتى قبلهم بزمن طويل، قام الأتراك يدفنون هويتهم و يقطعون جذورهم، ويسلّمون أمرهم إلى خليط معادي لتأريخهم من الأقليات العرقية و الدينية. وكان أتاتورك واحدا من هؤلاء، بل أحد الآباء المؤسسين لتركيا الحديثة التي تحولت إلى جحيم حقيقي للسواد الأعظم من المسلمين، وخصوصا الكُرد، الذين تعرضوا إلى أبشع أنواع الظلم و الإضطهاد على المستوى الديني و القومي. أما سوريا، وبالرغم من كون السّـنة أكثرية الشعب بنسبة تفوق 85%، إلا أن الأقلية العلوية التي لا تشكل أكثر من 5% تحكم الأكثرية منذ أكثر من خمسين عاما، بإسم القومية و الوطنية. وأمثلة العالم الإسلامي، و دوله الإقليمية القومية الهزيلة، ليست سوى تكرار مأساوي لهذا الواقع الأليم الذي حدث في باكستان، حيث تقوم الأقليات العرقية ذات التوجه الديني المغاير و الأقليات الطائفية بركوب الأكثريات، بإسم التحرر القومي و الوطني (أحزابها تحمل عناوين الشعب، الوطن و الشعارات البراقة الأخرى!). وكانت هذه الحال مرتبطة ارتباطا مباشرا، بكون هؤلاء المتسلقين أو المستحوذين على حكم الأكثريات جزءا من مخططات بريطانيا. وجميعهم تلقى ثقافته و دراسته في بريطانيا، ولاحقا أمريكا. وبسبب الإرهاب و التعيـير الذين واجهتهما الأكثريات، خاف السواد الأعظم و خجل من أن يثير سبب استحواذ هذه الأقليات على مقاليد الحكم، في بلدان يشكل فيها المسلمون السنّـة الأكثرية. هذا ما سنّه أتاتورك في تركيا، وصلاح جديد و حافظ الأسد في سوريا، و محمد علي جناح و أسكندر ميرزا و ذوالفقار علي بوتو في باكستان، وكذلك الأقليات الفئوية في العراق و في إيران و في مصر الخ. و الأقليات الفئوية، هي مزيج من الجماعات القبلية أو التي تنتمي إلى تيارات فكرية معادية للأكثريات، والتي تستمد قوتها عبر توظيف آيديولوجيات سياسية في هياكل حزبية مزيفة، ظلت تمشط الطريق نحو السلطة ثم تبني جدرانا كونكريتية عازلة حولها، بهدف البقاء فيها من أجل ترسيخ التوريث العائلي والفئوي. ولكن هذه الأقليات الحاكمة، حين أمست على محك الإختيار بين التنازل للأكثرية أو إعمال المجازر فيها، اختارت الطريقة الثانية فقامت تبيد الأكثرية بوحشية جنونية سقطت فيها كل الأقنعة التي صُبغت بالألوان البراقة للشعارات الزائفة تلك. هذا ما حدث في سوريا، و في العراق، وفي إيران، وفي اليمن، وفي مصر. وهذا ما يكشف بعض سر حنين شعوبنا إلى الماضي الملكي، قبل قيام الجمهوريات العسكرية الفئوية التي تسترت وراء شعارات مخادعة. الإستثناء الوحيد هو الشعب التركي الذي ليست لديه محطة ماضية منذ أتاتورك، يحن إليها، لأن النظام الراهن، هو الذي قام على أساس المصالحة مع الهوية والذات والتأريخ الذي يشكل جوهر الشعب التركي.
الجهات التي ساهمت وساعدت في نمو وتسهيل هذا الواقع المريض في بلداننا، وهذه المهمة التي كسرت ظهر شعوبنا، هي الجماعات والحركات الإسلامية التي أتِخذَتْ كمطايا في توطيد هذا الواقع. الجماعات و الحركات الإسلامية، خدمت بطريقة و أخرى، القوى الغربية و القوى المتسلطة برقاب الشعوب المسلمة. وهذا مافعله التيار الخميني وتوابعه بالشعب الإيراني، والتيارات و الميليشيات الشيعية بالشعب الإيراني و العراقي (وأكبر ضحاياهم كانوا من الشيعة في البلدين). لذلك، يتحسر أغلب الشيعة الإيرانيين اليوم على زمن الشاه. أما أضرار و دمار الجماعات و الحركات المسمى بالإسلامية (المسمى بالسنّـية: الجماعات الوهابية و ما تفرع من الإخوان المسلمين)، فلم يصب معظمها إلا الشعوب المسلمة، التي مازالت تئن من جراحاتها المثخنة بين الردى و عذابات ما بعد الخراب و التدمير الذين اشتركت فيهما جهات كثيرة و قوى مختلفة، لم تتورع أيضا في إستغباء الأكثريات بعناوين ومفاهيم ذهبت أدراج الرياح.
هذا الموضوع شائك و طويل لا يمكن البت فيه إلا بسلسلة طويلة من المقالات، أو تأليف كتاب، عسى أن نقدر على ذلك مستقبلا.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب