18 ديسمبر، 2024 11:51 م

ما يسمى بـ “مؤتمر عمان لدعم الثورة وإنقاذ العراق” .. في الميزان

ما يسمى بـ “مؤتمر عمان لدعم الثورة وإنقاذ العراق” .. في الميزان

تكتنف مهمة قراءة الفعاليات والنشاطات السياسية المختلفة عليها بقوة صعوبات وتحديات جمة ،يتمثل أولها في الوقوف على تمام حقيقة الفعالية والنشاطات في مستوييها الخفي والمعلن ،وثانيها يتمثل في وقوف طرفي أو أطراف التقييم على مسافة متباعدة يندر أن تكون بينهما مساحة مشتركة ،والثالث يصعب أن يتم الفرز بين التحليل والمعلومات مما يدخل عملية النقل المتكرر في متوالية من الأخطاء مما يضيع خطوط الحقيقة بين ركام الوهم.

في السادس عشر من تموز الجاري أجتمع خليط غير متجانس من (عراقيين مقيمين في الخارج وبعض من المقيمين في العراق) بعدد يختلف الحديث عنه من (250) إلى (150) شخصية في فندق الانتركونتنتال بالعاصمة الأردنية عمان بعد محادثات كواليس امتدت لأيام قبل انعقاد المؤتمر ومازال البعض منها مستمرا إلى هذه اللحظة ،وقد جاء اللقاء تحت مسمى “المؤتمر التمهيدي لدعم الثورة وإنقاذ العراق” عبر خليط من رموز للنظام السابق وشخصيات منخرطة بتنظيمات سلفية وممثلي لهيئات اعتبارية ورجال أعمال وشخصيات كانت أو مازالت مشاركة ضمن العملية السياسية ،بالإضافة إلى عدد ممن الشخصيات يجري الحديث عن وجودها خلف الكواليس أو أنها حضرت المداولات التمهيدية ولم تحضر الجلسة الرسمية أو رجال في الظل ينسب إليهم التخطيط والتدبير والدعم لهذا اللقاء.

المجتمعون يدعون أنهم في إطار دعم الثورة الإصلاحية الإنقاذية التطهيرية للعراق من العملية السياسية الجارية ويحاولون إنقاذ العراق مما فيه ،إذ يؤكدون أن الطائفية والإقصاء والعنف مشكلات تواجه العراق ولا بد من العمل على إزالتها انطلاقا من مقولة “إنقاذ العراق”.

تماهيا مع خطاب المؤتمر وتصريحاته وشعاراته بودي أن أقدم مجموعة من التساؤلات أهمها: إذا كان المؤتمرون يتحدثون عن مقت الطائفية ونبذها ،فكيف يفسرون لنا اجتماع رجال من لون مذهبي واحد للحديث عن كل الشعب العراقي الذي لا يختلفون قطعا على تنوعه؟ ومع التنزل أن المكونات العراقية الأخرى لا تعاني من الطائفية والإقصاء فالأمر محصور عند أهل السنة ،فهل يدعون أنهم يمثلون جميع المكون السني ؟وبناء على ذلك ماذا نسمي عشرات أعضاء مجالس النواب ومئات أعضاء مجالس المحافظات والمجالس الاستشارية من المحافظات السنية ،فهل هؤلاء غير ممثلين عن السنة ،فلماذا أنتخبهم الناس ،وإذا كان المؤتمرون ممثلين عن تلك المجموعة من الأعضاء ،فلماذا لم نسمع تخويلا رسميا من هؤلاء لؤلئك ،إلا أن يكون هناك تنسيق في الخفاء فذاك أمر آخر؟

يعترض المؤتمرون على ارتهان العراق لأجندة خارجية ولدور سلبي لأمريكا وإيران ،فماذا يعني أن يتم عملهم بمباركة وإشراف أردني (بحسب الفيضي أحد أهم أقطاب الاجتماع) ،وماذا يعني التمويل السعودي لهذا المؤتمر ،وماذا يعني دخول مؤسسات أمنية لدول على خط التأثير؟

وأيضا انسياقا مع خطابات (لقاء عمان) في دعوتهم لوقف الإرهاب والقتل ،فما هي نشاطات العديد من الحاضرين كممثل حزب البعث السابق وهيئة علماء المسلمين وجيش محمد والنقشبندية وعبد الستار الجنابي وغيرهم ؟ألم يكونوا هؤلاء جميعا مسؤولون عن حمامات الدم التي تعرض لها العراقيون قبل وبعد التاسع من نيسان؟وكيف ينظر المجتمعون إلى نشاطات القاعدة وداعش وغيرها من المجموعات الإرهابية التي عاثت في العراق قتلا وتشريدا وتدميرا؟

مع قطع النظر عن الأسئلة السابقة فلنتماهى أكثر مع هؤلاء ونسألهم ما هو مشروعكم لإنقاذ العراق وما هو خطاب ثورتكم؟ هل تريدون عراق على فصال عراق صدام وزمرته أم تريدون عراق على فصال طالبان ودولة البغدادي؟هل ستقررون فسح المجال للعراقيين أن يعبروا عن رأيهم ويختارون من يمثلهم بأنفسهم أم أنكم سترفعون السلاح عليهم وتجبرونهم على منهجكم؟

أنصح تجار الحروب وعرابي الصفقات المشبوهة والواهمين بعودة الماضي والمراهنين على الأزمات والمحن والمتعيشين على إفقار الشعوب ودماء الأبرياء والمتشدقين بالوطنية زورا وبهتانا والمغرر بهم في سقيفة النفاق والمنتظرين لمعطيات الصراعات الداخلية والمقامرين على الأحصنة الخاسرة ،أن يستفيقوا من غفلتهم ويفكروا مليا بعواقب أعمالهم ويقرؤوا التاريخ جيدا.

أقول بكلمات موجزة على الرغم من التهليل والتطبيل الذي يرافق مؤتمر اليائسين في عمان ،ورغم كل عبارات التجميل التي أضيفت على بياناته وعناوينه يضل بقراءة واقعية “سقيفة تآمر تستغل محنة العراق وتتعيش على دماء أبنائه”.