18 ديسمبر، 2024 4:44 م

ما وراء قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي (2-4)

ما وراء قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي (2-4)

التيار الصدري بلباس وطني وطاقية طائفية

مثلما أشرنا في القسم الأول من المقال أنَّ كلا المشروعين قانون “مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي” واعتبار “عيد الغدير” عطلة رسمية هما للتيار الصدري. 

 التيار الصدري يحاول النهوض من ركام انتكاسته السياسية، ويحاول استرداد زمام المبادرة والعودة الى المشهد بقيافة جديدة وعنوان جديد، تنسي اتباعه هزيمتهم السياسية، وتطمس ذاكرة ذوي ضحايا أكتوبر التي قتلتهم مليشيات الصدر (القبعات الزرق) في ساحات الانتفاضة في الناصرية النجف والبصرة وكربلاء وبغداد، لإجهاض انتفاضة أكتوبر بعد الفشل في ركوب موجتها أو احتوائها، من اجل تم تنصيب مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء. 

وجدير بالذكر إنَّ الكاظمي هو من سمح باقتحام عناصر التيار الصدري للمنطقة الخضراء والبرلمان وتطويق المحكمة الاتحادية، في حين قتلت القوات الأمنية بالتنسيق والتعاون مع المليشيات، العشرات من المتظاهرين أيام انتفاضة اكتوبر ٢٠٢١٩ لمجرد محاولة عبورهم الجسور، للتجمع أمام المنطقة الخضراء، تعبيرا عن احتجاجاتهم ضد الظلم والفساد والبطالة.  ومثلما حدث مع ميليشياته جيش المهدي عندما فاحت رائحة جرائمها الطائفية والقتل على الهوية بين عامي ٢٠٠٥- ٢٠٠٨، فاضطر الصدر إلى تغيير اسمه الى مليشيات “سرايا السلام”، ومن جهة أخرى نراه يسعى للجمع بين المشروع الطائفي من جهة والمشروع القومي المحلي (الوطني)، فعاد عبر مشروع سياسي جديد سماه (التيار الوطني الشيعي). وبمشروعه هذا، سدد التيار الصدري ضربة قاضية للأوهام التي كانت تبرئه من الطائفية، وتجزم بأنَّ مشروعه (وطني خالص) أي قومي محلي بامتياز. 

وبقدر ما يمثل هذا المشروع بالنسبة للتيار الصدري مسعى للتعاطي مع المستجدات الحاصلة في المنطقة، فإنَّه وبالقدر ذاته يمثل محاولة لإعادة ترتيب أوراق الإسلام السياسي وإعادة إنتاجه بشكل عام، وترتيب أوراق الطائفية بشكل خاص، والنفخ بروحها التي أزهقتها انتفاضة أكتوبر-تشرين ٢٠١٩، لجمعها بيده. والمفارقة المضحكة، أنَّ “الطائفية” و”الوطنية” هما نقيضان، ولا يمكن الجمع بينهما، إلا انه في الحالة الصدرية يمكن تبنيها، لسحب البساط من تحت أقدام الموالين لإيران الرافعين لشعار الدفاع عن “مظلومية الشيعة”، ومن جهة أخرى التناغم مع ما يذهب إليه العراق أو تدفع به الولايات المتحدة الأمريكية للعودة الى (الحضن) العربي مضاف له (الحضن) التركي في المنطقة.

ويعتبر مشروع التيار الصدري المناهض لإيران، أقرب الى أحد أجنحة الإطار التنسيقي الذي يتصاعد فيه دخان البنادق، ويمثله المالكي والخزعلي والعامري، بعيدا عن كل الأوهام التي ينثرها هنا وهناك، التي تتمثل بتعالي صوت بكائه وصرخاته غير الثورية على أهالي غزة.  فتلك الصرخات لا تتجاوز أن تكون أكثر قوة وصدى من أصوات جماعات (المقاومة والممانعة)، وهي لا تتعدى سوق المزايدات السياسية في موسم سوق عكاظ الفلسطيني. وقد بات الجناح الثلاثي المشار إليه (المالكي والخزعلي والعامري)، يضيق ذرعا من تصرفات الجناح الذي ربط مصيره مع مصير المشروع القومي الإيراني الذي يختبئ تحت عناوين وشعارات؛ تحرير فلسطين والمقاومة والممانعة والشيطان الأكبر والاستكبار العالمي. 

وبمباركة وموافقة الثلاثي، ذهب السوداني الى واشنطن وعقد الاتفاقيات الاقتصادية، بما فيها العقد الذي ابرمه لشراء السلاح الأمريكي بقيمة ٧٠٠ مليون دولار، مما يعني زيادة عدد الخبراء العسكريين والمستشارين الأمريكيين في العراق، في الوقت الذي تم التطبيل فيه إلى أنَّ الزيارة ستؤدي إلى إنهاء الوجود الأمريكي في العراق. وليس هذا فحسب بل عقد السوداني اتفاقات اقتصادية استراتيجية في مجال الطاقة مع الجانب الأمريكي، والأدهى من ذلك أشار البيان الختامي المشترك في نهاية الزيارة إلى تأكيد إتمام ربط العراق بشبكات الكهرباء بالخليج والأردن دون الإشارة لا من بعيد ولا من قريب الى إيران. ولم يقف عند هذا الحد بل أن واشنطن أوعزت لتركيا بتقوية نفوذها الاقتصادي والسياسي في العراق، وأخذ زمام المبادرة بدلاً منها، فأمريكا باتت مشغولة بغزة وأوكرانيا والتمدد الصيني عبر المحيط الهادي، وقد أعطت الضوء الأخضر لأردوغان الذي زار العراق مؤخرا بالتوغل العسكري بالأراضي العراقية بعمق ٤٠ كلم، تحت عنوان تصفية الجماعات الإرهابية المتمثلة حزب العمال الكردستاني المدعوم من ميليشيات الحشد الشعبي والاتحاد الوطني المدعومين من إيران. 

وعلى الصعيد الاقتصادي، أبرمت عشرات الاتفاقيات الاقتصادية بين العراق وتركيا، وأبرزها ما سمي بطريق التنمية، الممول ماليا من قطر والامارات وتركيا، الذي يعني بالأخير تقوية النفوذ لكل القوى الإقليمية المنافسة لإيران في منطقة تعتبرها حديقة خلفية لها.

وهذا ما دفع الميليشيات الموالية لإيران ألا تقف موقف متفرج تجاه كل هذه الاتفاقيات، فعادت بقصف القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد مرتين في العراق ومرة في سورية، مما دفع الجانب الأمريكي بمطالبة الحكومة العراقية بوضع حد لها، كما تم قصف حقل غاز قرب مدينة السليمانية التي تتواجد فيها شركة دانا للغاز الإماراتية العملاقة، كما تقوم تلك المليشيات بالإعلان بين الحين والأخر عن قصفها لإسرائيل وبغض النظر عن صحتها، ومساعي حثيثة في إشاعة الفوضى لإحراج حكومة السوداني من خلال اتساع حملات اغتيالات واسعة لأهداف رخوة إذا صحت العبارة، مثل اغتيال النساء وغيرهم من لا حول له ولا قوة.