11 أبريل، 2024 10:07 ص
Search
Close this search box.

ما وراء الطائرة الإيرانية الأحدث “كوثر”

Facebook
Twitter
LinkedIn

تمـهيــد
إغتبطت وسائل الإعلام الإيرانية لدى عرضها صوراً لطائرة نفاثة مقاتلة أُطلِقَت عليها تسمية “كوثر”صبيحة اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك الذي وافق (21/آب/2018) بعد مقدّمات طالت أشهراً، وركزت على كونها ((من صنع محلّي وبإمكانات إيرانية صرف)) بالإعتماد على صناعاتها العسكرية التي أحرزت تقدّماً كبيراً في هذا الشأن.
فما هذه الطائرة؟ وما إمكاناتها المفترضة؟؟ وهل ستغيّر شيئاً في موازين القوى؟؟؟
مشاهد إستجلبت الأنظار
ما أن نظرتُ للمعروض من الصور الصامتة والفيديو لبدن المقاتلة “كوثر” وقد جلس الرئيس “حسن روحاني” مزهواً في مقصورة الطيار حتى وجدتُها تتشابه تماماً مع المقاتلة ذات المنشأ الأمريكي “تايكر F-5” التي أنتجتها شركة “نورث روب” العملاقة عام (1959) قبل حوالي (ستة) عقود.
وددتُ قطع الشك باليقين فهرعتُ لأتصفّح كتابي الموسوم “أحدث الطائرات الحربية المستخدمة في العالم” -الذي أصدرتُه أواسط الثمانينيات- كي أتيقّن من ظنّي، وحالما طابقتُ الـ”كوثر” مع الـ”F-5″ فقد رأيتهما مطابقتَين (ONE BY ONE) بدءاً من الأنف (NOSE) إلى المقصورة (COCKPIT) والجناحَين (WINGS) وفتحَتَي (شفط) الهواء (AIR INTAKE) على جانبَي البدن وشكل الزعنفة (RUDDER) وحتى أبوبَي النفث (JET PIPE) في أقصى مؤخرة الطائرة.
خدمة الـ”F-5″ لدى الطيران الإيراني
في خضمّ التحالفات الإستراتيجية التي ظلّت قائمة بين نظام “الشاهنشاه محمد رضا بهلوي” والحكومات الأمريكية المتعاقبات منذ تنصيبه على العرش فور خلع أبيه في (آب/1941)، فقد شكّلت الصناعات العسكرية الأمريكية المصدر الأعظم لإحتياجات “إيران” من أثقل الأسلحة وأحدثها وتطوير قواتها الجوية والبحرية والبرية، فبعد تزويدها بطائرات أمريكية نفاثة أُستُخدِمت في “حرب كوريا” (1950-1953) جاءت أواسط الستينيّات لتُجَهّز القوة الجوية الإيرانية -أسوة بالعديد من الدول الصديقة- بطائرات “مقاتلة/هجوم أرضي- GROUND ATTACK/FIGHGTER” من هذا الطراز الحديث للغاية في حينه (تايكر F-5) والذي أُقحِمَ لتوّه في “حرب فييتنام” ميدانياً عام (1965)، فإقتنت “إيران” العشرات منها قبل أن تتوضّح لطياريها وقادتها سلبيّات هذه الطائرة وأدائها المتواضع سواء دفاعاً عن ذاتها بمقذوفتَي جو-جو بمدى ضئيل (سبعة كيلومترات) ومحدودية حمولتها (ثلاثة أطنان) وقصر مداها (314 كلم) والذي قد يفيد أقطاراً ذات مساحات محدودة، ومعلومات عن تراجع القوة الجوية الأمريكية عن إضافة أعداد أخرى للعدد الضئيل المتوفّر لديها، وعدم إقدام الطيران البحري الأمريكي -المحمول على حاملات الطائرات- على شرائها… في حين ظلّ الأمريكيون يستثمرون هذه المقاتلة لعدة سنوات لأغراض الدعاية الشرائية وترغيب (ست عشرة) دولة صديقة إقتنت منها المئات كونها الأحدث والأسرع من الصوت وذات مناورة جيدة إضافة لرخص أثمانها، فلم تخسر مصانع “نورث روب” شيئاً بل ربحت مئات الملايين من موازنات الدول غير المصنّعة للسلاح.
لم تنتظر “طهران” كثيراً فسارعت إلى “واشنطن” مطالِبة تزويدها بطائرتَين ممتازَتَين أحدَثَين للحفاظ على تفوقها الجوي في أجواء الشرق الأوسط برمّتها، لا سيّما وأنها لا تشكّل خطراً على “إسراائيل” من حيث الوشائج التي تربطهما ببعضهما، وكونها متاخمة بحدود برية شاسعة قبالة “الإتحاد السوفييتي والعراق” المعاديَين للغرب، فأُستُجيبَ لتجهيزها بالـ”فانتوم- F-4″ خلال النصف الأول من السبعينيات ثم “توم كات/ F-14” عام (1977-1978) ما دامت المليارات متوفرة بين أيديها وفائضة عن حاجاتها الأساس، فضلاً عن تحالفها الوطيد مع “واشنطن” وعموم الغرب.
الـ”F-5″ لدى الجمهورية الإسلامية
بعد نجاح ثورتها الإسلامية في (شباط/1979) لم تستغنِ “إيران”عن الـ”F-5″ إلى جانب الأفضَلَين (F-4، F-14) لدى قوتها الجوية، وكانت مضطرة لهذا الإجراء وبالأخص بعد فرض المقاطعة الأمريكية والغربية لتزويدها بالسلاح، ناهيك عن أوضاعها الإقتصادية وضبابية المواقف السياسية مع دول الخليج العربي و”العراق” قبل إندلاع الحرب بينهما، والتي أُقحِمَت فيها الطائرات الثلاث المذكورات بشكل رئيس سواء للدفاع عن الأجواء الإيرانية أو لقصف الأهداف في أعماق “العراق”… ولكن المُلاحَظ أن خسائر الـ”F-5″ كانت أضعاف ما أصابت الأخرَيات بفعل المقاتلات العراقية والدفاعات الجوية التي غطّت سماء العراق بشكل فعال للغاية.
ولكن الذي يستجلب النظر أن الـ”F-5” -كما حال معظم طائرات القوة الجوية والهليكوبترات وسفن البحرية والغواصات والأسلحة الثقيلة لدى الدفاع الجوي والقوات البرية لدى عموم القوات النظامية وتشكيلات الحرس الثوري الإيرانية ما زالت من تلك المُنتَجة لدى الولايات المتحدة، والتي أُستُورِدَت في عهد الشاه لغاية (1978)… لذلك فالتساؤل الذي يفرض ذاته على المتابع:- ((كيف إستطاعت “إيران” الحفاظ على تلك الأسلحة الثقيلة وإبقاءَها في الخدمة الفعالة وإجراء عمليات صيانتها وإدامتها طيلة أربعين عاماً؟؟ ومن أي مصدر إستحصلت قطع غيارها؟؟ لا سيّما أن عداءات مُعلَنة وقطيعة مشهودة تفرض أوزارها بين “طهران وواشنطن”، ولا أحد سوى المصانع الأمريكية تستطيع إنتاج قطع الغيار الأساسية أو تسمح لغيرها إجراء الصيانات العامة المعقدة المسمّاة (OVER ALL”!!!))
هل تغيّر “كوثر” ميزان القوى؟؟؟
لستُ بصدد الإستخفاف من الصناعات العسكرية الإيرانية مطلقاً، فقد أثبتت جدارتها وتقدّمت كثيراً خلال العقدَين المنصرمَين، وبالأخص في مجال الصواريخ البالستية.
ولكن بعد الإطلاع على مواصفات الطائرة “تايكر F-5” ومنظرها الخارجي المشابه لبدن المقاتلة الإيرانية “كوثر”، نكون على يقين أنهما متطابقان بما لا يقبل الشكّ… لذلك قد تتبادر إلى الذهن النقاط الآتية:-
أن وزير الدفاع الايرانيّ “العميد أمير حاتمي” ومسؤولون آخرون قد بالغوا في القول بأن المقاتلة “كوثر” طائرة من طراز جديد ومن “الجيل الرابع”، بل هي في مظهرها الخارجي طائرة أميركية نفاثة أسرع من الصوت أُستُخدِمَت منذ أوائل الستّينيّات وجُهِّزَت بها القوة الجوية الإيرانية بالعقد نفسه في عهد الشاه “محمد رضا بهلوي” في العقد ذاته.
ولربما عُبِّرَت هذه المعلومة على شخص الرئيس “حسن روحاني” الذي -ربما- لم يجلس طوال حياته السياسية في مقصورة طيار مقاتل أو قاصف، ولم ينظر عن قرب إلى شاشات وآلات وأجهزة وقنابيص مثبتة قبالة الطيار وعلى جانبَيه، بل ولم يلمس بدن طائرة في ما مضى من عمره.
ولو كنتُ بموقع الخبراء الذين خطّطوا لإنتاج هذه الطائرة لإنتقيتُ -على الأقل- نموذجاً لطائرة غير مستخدمة لدى “إيران”، أو أجرَيتُ -على الأقل- تحويراً للعديد من الأجزاء الظاهرة من بدن هذه الطائرة كي لا يستجلبوا لغطاً لا يليق بحق الصناعات العسكرية الإيرانية.
وأكبر الظن أن الغرض من الإعلان عن طائرة الـ”كوثر” أنه لم يتعَدَّ الإعلام والحرب النفسية الإيجابية إبتغاء رفع معنويات الشعب الإيراني وقواته المسلّحة ومحبّي “إيران” والمعجَبين بـ”ولاية الفقيه” القائمة في البلاد، وبالأخص في ظروف العقوبات الأمريكية الحالية والمزمعة في قادم الأيام بغية الإضرار بالمصالح الإيرانية وإقتصادها، بحيث تظهر “طهران” بموقف المتجابه حيال “واشنطن” وحلفائها، وذلك من خلال التحدّي المشهود بمواصلة الإنتاج الحربي رغم الظروف الإقتصادية الصعبة.
يحتمل كثيراً أن المقاتلة “كوثر” جُهِّزَت بمعدات ألكترونية رقمية (ديجيتال) حديثة وسهلة المنال من أيدي المتعاونين مع مؤسسة الصناعات العسكرية الإيرانية، ولربما زِيدَ مداها بعض الشيء بحيث بلغ (400-450) كلم عوضاً عن (314) كلم… ولكنها –في كلّ الأحوال- يستحيل إعتبارها مقاتلة من “الجيل الرابع”، إنما تُعَدّ من “الجيل الثاني” الذي إنبثق في أواخر الخمسينيّات وأُستُخدِم في غضون الستينيّات.
وواقع الحال إذا حدث وأنْ إشتبكت هذه الطائرة مع مقاتلات أمريكية، فإنها تُسقَط قبل أن يستطيع طيارُها رؤية الطائرة المعادية حتى على شاشة الرادار كما وقع بحق المقاتلات العراقية خلال حرب الخليج الثانية (1991)… فالأمريكيون طوّروا طائراتهم بشكل مرعب بتزويدهم لإياها برادارات ذاتية بعيدة المدى (200 كلم) ومقذوفات جو- جو مسيّرة في غاية الدقة بلغت مدياتها (40-60-90-150) كلم على التوالي، بينما لا يزيد المدى الأقصى للمقذوفة (SIDE WINDER) -التي يفترض حمل إثنتَين منها على طرفَي جناحَي الـ”كوثر”- عن (7-12) كلم فقط.
وقد يتساءل البعض عن ذكري لهذه السلبيات المحيطة بالـ”كوثر” مقارنة مع التقدّم الملحوظ في إنتاج “إيران” للصواريخ أرض-أرض البالستية بمديات مختلفة، فأُجيبه:-
# الصاروخ البالستي (غير المسيّر-UNGUIDED) سلاح -رغم إسمه المضَخَّم لدى وسائل الإعلام العالمية- سلاح بسيط غير معقّد، وقد أمست صناعته في متناول دول ذات إمكانات متوسطة، وهو (سلاح منطقة) لا يمتلك الدقة في إستهداف موقع محدّد، بل يُطلَق كما تُطلَق قنبلة المدفعية وقنبرة الهاون إعتماداً على الخرائط أو التصاوير الجوية.
# الصواريخ أرض-أرض الإيرانية -وقبلها الصواريخ العراقية المصنَعة خلال الثمانينيات- أساسها صواريخ أنتجها “الإتحاد السوفييتي” في عقدَي الخمسينيات والستينيات قبل أن يستغني عنها ويطوّر الأحدث ثم الأحدث ويضخّ بالقديمات إلى الدول المغرَمة بإقتناء السلاح الثقيل، فإن ((أساسها الأساس)) هو الصاروخ الآلماني (V-2) الذي أُستُخدِمَ عام (1944) لقصف العاصمة البريطانية “لندن” خلال الحرب العالمية الثانية.
# أما الطائرة -أية طائرة، وبالأخص “مقاتلات التفوّق الجوي الإعتراضية”- فإن صناعتها معقّدة للغاية لإحتوائها محركاً معقّداً في كل تفاصيله ومنظومات هيدروليكية لتحريك أجزاء من الجناحَين والدفة والروافع والعجلات إلى جانب أجهزة لاسلكية ومعدات ملاحية ومنظومات معقّدة لإطلاق المقذوفات كي تسهّل على الطيار قيادة طائرته والمناورة بها والإشتباك عن بعد أو قرب مع طائرات الخصم والتخلّص من شرورها، فضلاً عن “كرسي القذف” الذي يستثمره الطيار للتخلّص من طائرته إذا ما أصيبت أو عند الطوارئ… لذلك فإن كبريات الدول الصناعية المتقدّمة -والتي لا يزيد تعدادها على أصابع الكَفّين- هي التي تتجرأ في الخوض بتصاميمها وصناعتها بمبالغ باهظة، أما الدول الأخرى -التي تفتخر بإنتاج الطائرات- فهي عادة تستثمر فرص التجميع من هنا وهناك أو تصنّع البعض من أجزائها ليس إلاّ.
# لذلك ليس من المعيب على الصناعات العسكرية الإيرانية أن تعلن أنها جَمَّعَت الطائرة “كوثر” ممّا متوفَر لديها من المقاتلات (تايكر F-5) وطوّرت أداءها وجهّزتها بمعدات أحدث لتكون طائرة مقبولة للخدمة في تشكيلات القوة الجوية الإيرانية.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب