العنوان الثاني:
«الإستحقاقات المعتبرة الجديدة لمرحلة ما بعد معركة كسر الإرهاب لتحرير الفلوجة، تحتسب لصالح من؟».
“لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ”.
عند كل محنة من محننا وكل نازلة من نوازلنا أحيانا يعيد التاريخ نفسه، فعاد علينا هذه المرة بواحدة من رزاياه ألا وهي رزية فاجعة صلب شهيد الوطن الجندي العراقي الأسير الجريح الشهيد المقتول شنقا”مصطفى العذاري رحمه الله”المعلق سبعة أيام صلبا على جسر الفلوجة، إنما عاد-أي التاريخ- ليذكرنا بيوم صلب عبد الله بن الزبير في “الحجون” اياما عديدة بأمر من “داعشي زمانه الحجاج بن يوسف الثقفي” وما نزلت جثته حتى مر بها عبد الله بن عمر فقال: أما آن لهذا الراكب أن يترجل؟ فبعث الحجاج فانزلها عن الجذع ودفنها، فما أشبه اليوم بالأمس!! وهكذا أعاد لنا التاريخ نفسه بفارق اختلاف الزمان والمكان وبفارق تطابق الوجوه الكالحة والأسماء الشائنة بين دواعش الأمس ودواعش اليوم. وبهذا صارت الاسماء:”العذاري، الجسر، الصلب” رموز شنار تقترن على مدينة الفلوجة، قد يمتد معها هذا الإقتران لمئات السنين أو ربما لآلاف السنين.
سوف يكتب التاريخ كذلك عن الفلوجة بأنها كانت معقلا للتطرف الديني والعهر السياسي والاجتماعي، وحاضنة للإرهاب الداعشي، وملاذا آمنا لكل من هب ودب من مجرمي عصابات القاعدة وداعش من شذاذ الأفاق وتوافه البلدان والأمصار، ومأوى للمجرمين والقتلة وحثالات المجتمعات وملاذا آمنا لأعداء الوطن والدين والانسانية الذين توافدوا عليها زرافات زرافات من كل حدب وصوب.
فقد دنست عصابات داعش أرض الفلوجة من يوم اغتصبتها ووطأت اقدامهم النجسة أرض العراق الطاهرة فيها في الرابع من كانون الثاني 2014، فقامت وبحسب فعلها في المدينة بإستبخاس جميع أشياءها المعنوية والمادية، سيما وإن غنى عصابات داعش مصدره جمع الإتاوات والإستحواذ والسرقات والتبرعات الاقليمية والداخلية، -واستباحة شرف النساء بحجة خطيئة جهاد النكاح هي الظاهرة البارزة في معادلة اغتصاب الشرف العراقي-.
كما لم يستطع الأمريكان من مهاجمتها والدخول إليها بسبب إستعصائها عليهم الأمر الذي جعلها أن تكون مدينة عصية -حيث كانت الحاجة في حينه لتشكيل الصحوات آنذاك قائمة- ولكنها عندما كانت عصية فانها عصية على من كان يريدها ان تكون على هذه الحالة، لأسباب سياسية وفق حسابات وملاكات أمريكية بحتة.
اقطع باليقين لو ان الفلوجة تبقى تحت خيمة الإرهاب دون اتخاذ قرار تاريخي بتحريرها من براثن الظلم والظلام فإن بغداد العاصمة ستكون في خطر داهم ومستدام لأنها لا تبعد عن خاصرتها سوى بضع من الكيلو مترات لاتزيد عن الستين في جميع الأحوال.
فعندما أعلن عن ساعة صفر تحرير الفلوجة من عصابات الشر داعش الاجرامية في الثالث والعشرين من شهر آيار 2016 إستبشرنا خيرا لإستئصال تلك البؤر النجسة، وتطهير المدينة بشكل نهائي من نطف الشيطان، ألا اننا بالظاهر تفاجئنا بعرقلة تقدم القطعات العراقية المتجحفلة المتجهة إليها بعد ان تم تحرير الأراضي المغتصبة المحيطة بها كالنعيمية والكرمة والصقلاوية وبقية القرى والمواقع والقصبات والأماكن التابعة لها! ثم لا ندري ماهي بالضبط الأسباب التي تكمن وراء تلك العرقلة، خلا أسباب أعلن عنها على الملأ كأعذار لا يفهم لها تفسير، ألا أنه يبدو لنا أن تطهير عمقها من براثن الأعفان بات ضرورة حتمية ضاغطة لابد منها، وإنجاز التحرير بمعركة قد تكون دامغة وقاطعة ونوعية أصبح بحكم المؤكد، ويقينا منا بأن هذه المعركة ستكون هي هي وكما يراد لها آن تكون عراقية من جانبنا، فعندما تنتهي مهلة التوقف المفروض من قبل الجانب الأمريكي على العراق، والذي تعزى اسبابه إلى ما وراء الأكمة، وما وراءها أن أمريكا لا تريد هزيمة سريعة لداعش، هذه السرعة تتأتى من عزيمة الجحافل العراقية المشاركة بالمعركة وبفضل قيادات القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي، ولأن السرعة في حسم الموضوع ما من شأنها أن تحرج أمريكا وتخجلها وتشوه سمعة جيشها لاسباب تحيط بملف عملية تحرير الفلوجة باعتباره الجيش الأول على العالم وقد تعرض لأكثر من فشل وانتكاسة عندما حاول احتلالها في فترة احتلالها للعراق بعد سنة 2003، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن انتهاء عملية تحرير الفلوجة بالسرعة المعهودة للعراقيين أصحاب الدم الحار يعني عودة الشعب إلى إدامة زخم المظاهرات للمطالبة بمطالبه المتعلقة بالتغيير واجراء الاصلاحات، -وهذا يعني أن استعار أوار المعارك هو احدى الوسائل التي تلهي الجماهير عن المطالبة بحقوقها المشروعة هذا من نظر بعض المحللين-.
هذا ولا يراودنا ادنى شك من أن المعركة وبعد انتهاء المهلة ستكون حاسمة ورادعة أيضا، ومفصلية وذات بعد تاريخي ودروس كبيرة وعميقة يمكن إستنباطها فتصلح لأن تدرس في الاكاديميات العسكرية لمختلف جيوش العالم، ذلك لأن نتائج هذه المعركة -“معركة كسر الإرهاب كما هو اسمها”- ستترتب عليها استحقاقات جديدة تحتسب لصالح الدور المميز الذي تلعبه القوات المسلحة عامة وقطعات الحشد الشعبي المقدس خاصة في إدارة شؤون المعارك والعمليات العسكرية، الدور الذي سيغير جميع معادلات القوى العسكرية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط لصالح الحشد الشعبي والوسط الذي إنبثق منه مما سيثير حفيظة وحسد الغرماء السياسيين، والأمر المهم الآخر والذي لا يقل أهمية عن سواه أن في حال دحر قوى الظلام المتجحفلة في الفلوجة فهذا يعني كسر شوكة العمق الطائفي المحلي والاقليمي والدولي، ذلك العمق المسخ الساند للمجاميع الإرهابية المدججة بالأحزمة الناسفة وبالمفخخات ليسوقها إلى حتفها المشؤوم وسوء خاتمتها.
العجب كل العجب أن الجميع اتفقوا على أن الفلوجة هي”رأس الأفعى” دون أن يأتمروا لهذا، ولو إئتمروا ليطلقوا عليها إسما غير هذا فلا يتفقوا إلا على هذا، لأنه لا “يرهم” لها الا هذا، ولأنها أيضا ترفض جميع الاسماء إلا هذا، ذلك لأنها تمثل عمق داعش الفكري والعقدي والطائفي والعملياتي واللوجستي بحكم موقعها الجغرافي المميز الواقع على عقد وخطوط مواصلات طرق العراق الدولية مع أغلب دول الجوار، وهي القاعدة السيتراتيجية لمنطلق العمليات الإرهابية المحرمة انسانيا وأخلاقيا ودينيا واجتماعيا، وهي مركز القيادة والسيطرة وعقدة المواصلات السيتراتيجية لدولة داعش الإرهابية المزعومة، كما وتمثل التهديد المزمن والدائم والمباشر لمدينة بغداد وحزامها الأمني، كما وتشكل مركزا مهما لمناورة وإستنزاف القطعات العراقية من حشد وجيش وشرطة وعشائر إستنزافا بشريا وماديا واقتصاديا وثقافيا، لذلك تعتبرها أمريكا وسيلة ضغط على الحكومة العراقية لغايات ومآرب سياسية مستقبلية قد تتعلق بالانتخابات والمصالح الأمريكية المعقدة وبإجندتها المتعلقة بالمنطقة، عليه لا نستغرب أن جعلت أمريكا أولويات التطهير لمدينة الموصل حصرا، لا لمدينة الفلوجة رغم تحذيرات قيادات الحشد الشعبي المقدس الخاصة بهذا الشأن المرسلة لغرف العمليات الحربية الأمريكية والعراقية، وفي كل مرة يأتي الرد ويكأن لسان حالهم يقول على ما اعتقد وبشكل شبه سري بأن هذا الأمر متعلق بحسابات أمريكية ربما تعود لأسباب انتخابية، ونخشى ما نخشاه أن وجلنا يكمن في تحقيق عدة أمور عند تأجيل التحرير تمثل اقصى مخاوفنا في هذه المعادلة وهي:الأول: اطالة أمد الصراع العملياتي وهذا يعني مزيدا من التضحيات البشرية والمادية العراقية التي تثقل كاهل العراق وشعبه.الثاني: الخشية من تعميق الأزمة السياسية والتي قد تؤدي إلى تقسيم العراق لدويلات ثلاث. الثالث: الخوف من توسيع مساحة العجز الاقتصادي بسبب تكاليف الحرب الباهظة للحد الذي لا تستطيع معه الدولة تأمين دفع الموازنة التشغيلية. الرابع: الوجل من ترسيخ رقعة الشرخ الشيعي-الشيعي. الخامس: اعطاء فرصة للعدو لاعادة ترتيب صفوفه وخطوطه الدفاعية.السادس: قد يؤدي التوقف إلى اضمحلال معنويات المقاتلين واللعب بمشاعرهم نتيجة للغفلة والاحباط التي يخلقها التأجيل.
وفي قراءة موضوعية مقتضبة للمشهد السياسي لمجمل مسرح العمليات العسكرية والأمنية نجد أن نشاط النوايا الأمريكية يقبع خلف الأستار والكواليس البعيدة عن الأضواء والعيون، بطريقة أكثر شبها بطرق اختفاء وغش التماسيح عند تنفيذ خططها للانقضاض على الفريسة في الوقت المناسب، قد ينحصر هذا النشاط في اعداد الخطط اللازمة للتعامل مع الوضع الجديد في مرحلة مابعد داعش، ورسم الخرائط الجغرافية والسياسية والإجتماعية للعراق وللمنطقة برمتها.
“وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ”.