بعد الازمة السياسية الأخيرة بين لبنان و دول الخليج العربي بات التساؤل أينما ذكر اسم جورج قرداحي يتبعه تساؤل عن ما الدافع وراء تصريحاته الأخيرة باتهام السعودية والدول المتحالفة معها بأنها تقود عدوان على اليمن ؟ . رغم ان الكل يعلم ان التحالف السعودي (دولي) و يدعم الحكومة الشرعية في اليمن ، هذ التساؤل جاء بسبب اتهام قرداحي السعودية بعدم شرعية التحالف لردع المتمردين الحوثيين ضد الحكومة الشرعية اليمنية بدفع و تغذية وتمويل و تسليح من ايران ، ايران التي تريد و تحلم احكام قبضتها على المنطقة بمحاصرة السعودية ، حيث من الشمال (العراق و سوريا و لبنان) ومن الجنوب اليمن .
لقد حضيت تصريحات قرداحي بأهتمام كبير نتيجة الشهرة التي تمتع بها هذا الإعلامي وسيرته الشعبية بين جماهير العربية التي ما كان ليحققها لولا عمله في مجموعة ال MBC الإعلامية السعودية التي عمل بها لسنوات طويلة وخصوصا برنامج من سيربح المليون. علما ان هذا التصريح تزامن مع توليه منصب وزير الاعلام في الحكومة اللبنانية الجديدة التي شَكَلَهْا ميقاتي بعد عملية توافقات متعثرة و عسيرة لأشهر طويلة عانى معها الشعب اللبناني و لا يزال من أزمات سياسية خطيرة و أزمات اقتصادية اخطر و اخطر مع استمرار الانشقاقات و الاختلافات السياسية و المذهبية و التكتلات التي تصاحبها ، ومن الجدير بالذكر ان القوى الإسلامية (وهي المؤثر الأكبر في ساحة الصراعات السياسية اللبنانية) المنشطرة الى سنية و شيعية قد انجذبت لها قوى مسيحية زادت من الفرقة الاحتماعية و السياسية في لبنان حيث نلاحظ ان القوى المسيحية قد تقسمت الى ثلاث مجاميع تاركة مراجعها الدينية وجماهير القوى المسيحية اللبنانية في حيرة من امرها (وهذه تمثل المجموعة الثالثة) ، اما المجموعة الأولى فهي المجموعة المسيحية الموالية للسُنّة الإسلامية والمتوافقة مع تيار المستقبل السني ثم المجموعة الثانية من القوى المسيحية الموالية للشيعة والمتوافقة مع حسن نصرالله و حزب الله الشيعي التي يبدو ان جورح قرداحي هو احد تابعيها وموالي لحزب الله المعروف بتبعيته الإيرانية . هذه الصورة المتكتلة الناشزة نتجت لأن المذاهب الدينية الإسلامية لم تعد دينية وانما أصبحت أحزاب سياسية لها تابعيها و مؤيديها في لبنان و المنطقة العربية ولها اهداف الوصول الى السلطة و امتلاك القوة و المال و السيادة على الأرض . اذن و بموجب ذلك كان لزاما على جورج قرداحي ان يفي بالتزاماته امام اولياءه في اول فرصة له على الساحة السياسية و بشكل مؤثر أدى الى خلق ازمة سياسية قد تكون متعمدة لبلده لبنان وعلاقاتها مع الدول العربية وخصوصا الخليجية المؤثرة في دعم لبنان والمنطقة العربية و التي تشكل عاملا مساعدا و مؤثراً قوياً على اقتصاد لبنان ، فليس مخفيا ان هناك قوى بشرية لبنانية كبيرة جدا تعمل في دول الخليج التي تدر ملايين الدولارات شهريا الى عوائلهم في لبنان . والسؤال لا زال قائما ، ما الدافع الذي دعى قرداحي لأثارة هذه الازمة التي أصبحت ازمة سياسية لدول المنطقة العربية مع لبنان ؟.
من باب الحيادية فهناك احتمالين
الأول / ان قرداحي لا يفهم في السياسة و العلاقات الدولية وقد كبا او هفا هفوة كبيرة وبهذه الحالة عليه الاعتذار رسميا و ان تتبنى حكومته هذا الاعتذار و قد تعزله من وظيفته . وهذا شأن لبناني .
الثاني / ان القوى السياسية التي تقف وراء قرداحي قد امْلت عليه افتعال هذه الازمة و استغلال شهرته لتحقيق فائدة سياسية معنوية للتوابع المذهبية الشيعية في اليمن المتمثلة بالمتمردين الحوثيين الذين هم موطأ قدم ايراني في منطقة الخليج العربي .
واذا كان الاحتمال الثاني هو الأكثر قبولا فأن نتائج هذه الازمة المفتعلة ستكون محسوبة النتائج مسبقا وانها رغم الاضرار الاقتصادية الكبيرة على الشعب اللبناني فأن الاضرار السياسية لن تقل أهمية عن الاقتصاد ، فالاوضاع الاقتصادية في الشارع اللبناني في ادنى حالاتها ولن يزيدها تدنيا اكثر مما هي فيه عند افتعال ازمة سياسية جديدة بتصريح قرداحي يقابله نصر معنوي هزيل للحوثيين و رعاتهم في ايران .
ويجب الإشارة هنا الى ان لبنان وعلى اثر هذه الازمة ستزداد بعدا عن الوسط العربي نتيجة الخلافات و الاختلافات وهذا الحال سيتيح فرصة لإيران ان تزداد قربا من لبنان و يزداد نفوذها الداخلي و يعلو رصيدها من المؤيدين لإيران في الداخل نتيجة الفراغ الذي ترتب عن عزل لبنان عربيا مما ترك الباب مفتوحاً لها لاشغال هذا الفراغ وهو ما تبتغيه ايران وتعمل على تحقيقه بكل الوسائل لتكون لبنان ارض مضافة لها بعد العراق و سوريا . واذا صح هذا التحليل فان تصريحات قرداحي ستكون متعمدة لأفتعال الازمة وابعاد لبنان عن الصف العربي كما حصل في العراق و سوريا .