7 أبريل، 2024 4:13 ص
Search
Close this search box.

ما هي حقيقة أزمة الكهرباء في العراق ؟ – 3 / الموارد المائية وتأثيرها على سياسة انشاء المحطات

Facebook
Twitter
LinkedIn

يشكل نهري دجلة والفرات وروافدهما المراد المائية الرئيسية في العراق، حيث بلغ المعدل السنوي لواردات نهر دجلة وروافده (الزاب الكبير، الزاب الصغير، العظيم، ديالى) في العام 1975 بحدود (49,4 مليار متر مكعب / سنة) ، في حين بلغ المعدل السنوي لواردات نهر الفرات بحدود (30,3 مليار متر مكعب / سنة)، أي بمعدل إيراد كلي للنهرين وروافدهما بحدود (79,7 مليار متر مكعب / سنة).
في العام   2008أصبح معدل ايراد نهر الفرات بحدود (19,6 مليار متر مكعب / سنة) وبلغ معدل إيراد نهر دجلة بحدود (30 مليار متر مكعب / سنة) أي بواردات كلية (49,6 مليار متر مكعب/سنة) في حين بلغت الاحتياجات الكلية (66 مليار متر مكعب /سنة)، ومن المتوقع زيادة هذا النقص في السنوات القادمة ليكون في العام 2015 ما نسبته 55% فقط من الاحتياجات الكلية البالغة (77.35 مليار متر مكعب/سنة) عند أكتمال انشاء منظومة السدود لمشروع جنوب شرق الاناضول (GAP) فـي تركيا.
أن حوالي 68% من إيرادات حوض نهر دجلة و97% من إيرادات نهر الفرات ترد من خارج العراق (تركيا، سوريا، إيران) ونتيجة لتطور استخدامات المياه في تلك الدول (أنشاء مشاريع الري والتخزين) وبغياب الاتفاقيات الدولية التي تحدد حصة كل بلد من المياه وكون العراق دولة المصب فذلك يجعله في موقف حرج كونه سيتأثر سلباً بتنفيذمشاريع جديدة في الدول المتشاطئة الواقعة في أعلى المجرى.
ان مؤشرات النقص في الموارد المائية تتطلب من الدولة العراقية إعادة النظر في سياسة استخدام المصادر المائية للإغراض الصناعية، ومنها بناء محطات أنتاج الطاقة الكهربائية البخارية, حيث أن أنتاج هذه المحطات يعتمد اساسا على معدلات التصاريف ومستوى المياه في الانهار وأن أي انخفاض في مناسيب المياه او وصولها الى مستوى الحدود التشغيلية الدنيا لهذه المحطات، سيؤدي الى انخفاض كفاءة او ايقاف عمل منظومات تبريد وحدات انتاج الطاقة اضافة الى انخفاض انتاج المياه اللاأيونية اللازمة لإنتاج البخار في مراجل المحطات البخارية, و بالتالي الى انخفاض انتاج الوحدات التوليدية او ايقافها.
بدات صناعة الكهرباء في العراق عاد 1917 ، وظل الإعتمادها في انتاجها على المحطات البخارية حتى نهاية السبعينيات ثم أضيف الى جانبها المحطات الكهرومائية بدأً من الثمانينيات قبل أن تضاف إليها المحطات الغازية ابتداء من السنوات الاخيرة للقرن الماضي، لتصل نسبة مشاركة هذه الاخيرة من الانتاج الكلي الى 49% في العام 2008 .
فبسبب نقص الموارد المائية كما تقدم، شهدت المحطات الكهرومائية  إنخفاضا ملحوظا في انتاجها، ذلك أن إنتاج هذه المحطات يعتمد على معدلات التصاريف ومستوى المياه في أعالي السدود، والامر ذاته بالنسبة الى المحطات البخارية حيث إنخفضت نسبة التصاريف في نهر دجلة بحدود 72% في العام 2008 مما كانت عليه في العام 1995، فيما إنخفضت في نهر الفرات بحدود 30% لنفس الفترة.
وتقدر حاجة المحطات البخارية لكميات من المياه تصل الى (180 – 250) متر مكعب/ساعة لانتاج ميكاواط واحد، أي أن محطة بخارية سعة 1000 ميكاواط تتطلب توفير كميات مياه بمعدل 50 متر مكعب/ثانية ، وتعتبر هذه الكمية عالية نسبة الى التصاريف الحالية لنهري دجلة والفرات.
الرؤى المستقبلية لبناء محطات انتاج الطاقة
ان ظهور مؤشرات انخفاض تصاريف المياه في نهري دجلة والفرات وروافدهما حاليا ومستقبلا، تطلبت تبني سياسة جديدة وواضحة لمستقبل مشاريع انتاج الطاقة الكهربائية وإعتمادها ضمن الخطة العشرية المركزية لوزارة الكهرباء، التي اطلقت في العام 2006 وتوسعت في 2009 بالتنسيق مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة UNDP وارتكزت على المحاور الثلاث االتالية :
المحور الاول : التوسع في استخدام الوحدات الغازية الكبيرة
إعتمد انتاج الطاقة الكهربائية في العراق خلال العقود الزمنية الماضية  على المحطات البخارية لوفرة المياه في حوضي دجلة والفرات، وساهمت هذه المحطات بنسبة مشاركة 70% في العام 1990 من الانتاج الكلي، واعتمدت لتغطية الحمل الاساس في انتاج الطاقةفي المنظومة الكهربائية، الى جانب وحدات غازية صغيرة سريعة التشغيل لتغطية الطلب خلال ساعات حمل الذروة.
وبسبب انخفاض تصاريف المياه في حوضي دجلة والفرات وكمياتها، إضافة الى تطور تكنولوجيا المحطات الغازية وارتفاع نسبة كفاءتها وتغيير فلسفة تشغيلها، تم منذ بداية هذا القرن اعتماد المحطات الغازية المتوسطة والكبيرة كحمل اساس في انتاج الطاقة، حيث وصل انتاجها للطاقة المجهزة للشبكة الوطنية في العام 2008 ما نسبته 49% من الانتاج الكلي.
 واعتمدت الوحدات الغازية كبديل افضل من المحطات البخارية العاملة على الوقود الغازي, حيث وصلت كفاءتها الى 36%  للدورة البسيطة و 58%  للدورة المركبة، أضافة الى انخفاض الكلفة النوعية الاستثمارية بشكل كبير لتصل الى 700 ألف دولار/ميكاواط للدورة البسيطة و 500 ألف دولار/ميكاواط للدورة المركبة, وإنخفاض كلف تشغيلها، علاوة على سرعة انشائها, وعدم حاجتها الى منظومات التبريد كما هو الحال في المحطات البخارية. 
وبسبب شحة الموارد المائية الحالية كما بينا، جاءت خطة وزارة الكهرباء العشرية في العام 2006 بالتنسيق مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة UNDP لتطوير قطاع الكهرباء متوافقة مع هذا النهج  في بناء محطات أنتاج الطاقة باعتماد المحطات الغازية كحمل اساس في انتاج الطاقة، والتي من المؤمل ان يتم من خلالها إضافة قدرة انتاجية بمقدار 12000 ميكاواط والتي تعمل على كافة انواع الوقود المتوفر خلال الأعوام 2009 –  2013  من الدورة البسيطة لسد النقص في أنتاج الطاقة و 6000 ميكاواط من الدورة المركبة كمرحلة ثانية خلال الاعوام 2014 -2016   لتأمين متطلبات زيادة الطلب على الطاقة عند تامين تجهيز الغاز الطبيعي لهذه المرحلة.
المحور الثاني : تقنيـــــات بديلة لمنظومة التبريد الحالية.
اعتمد انشاء المحطات البخارية في العراق سابقاً على منظومة التبريد المفتوحة ذات الممر الواحد (Open Cycle),  وذلك لتوفر كميات كبيرة ورخيصة من ماء التبريد الذي يكون مصدره عادة من مياه الأنهار . ويتطلب انتاج طاقة 1000 ميكاواط في محطة بخارية كميات مياه تبريد من النهر بحدود 50 متر مكعب في الثانية وهي تعادل نصف  كمية تصريف نهر الفرات في الناصرية , وهذه الكميات تعاد الى النهر ثانية متلوثة حراريا مسببةً تلوثا بيئيا, وان انتاج طاقة 1000 ميكاواط في المحطات البخارية يتطلب انتاج كمية بخار بمقدار 3000 طن/ساعة، ولاستمرار تدني مستويات التصاريف في نهري دجلة والفرات والمؤشرات المخيفة للايرادات المستقبلية، أصبح من الضروري أستخدام أنظمة أخرى بديلة لتبريد وحدات المحطات البخارية وتجنب استخدام مياه الانهر للاغراض الصناعية.
نظام التبريد ذو الدورة المغلقة (Closed Cycle) أبراج التبريــــد
يعرٌف برج التبريد على أنه مبادل حراري يحدث من خلاله تماس مباشر او غير مباشر مابين الهواء والماء لإكمال عملية انتقال الحرارة، ولانجاز عملية تبريد الماء في منظومة تبريد المحطات البخارية في الاجواء الحارة كما في العراق لابد من أستخدام أبراج التبريد الميكانيكية (Mechanical Draft)  من خلال مراوح كبيرة الحجم  مثبتة على الابراج تقوم بدفع الهواء من الاسفل الى الاعلى بتماس مباشر مع ماء التبريد، وبالرغم من ملائمة هذا النوع من الدورات المغلقة في الاجواء الحارة كما هي في العراق على خفض درجة حرارة ماء التبريد في عملية التبادل الحراري في منظومة التبريد في المحطات البخارية, فان هنالك بعض السلبيات المقبولة في نظام التبريد ذو الدورة المغلقة سواء للمحطات البخارية او المحطات الغازية للدورات المركبة  او حتى المحطات الكهرونووية وكما ياتي:
 
• ارتفاع الكلفة الاستثمارية لمنظومة التبريد المغلقة 0,5  مليون دولار لكل ميكاواط، وارتفاع كلف التشغيل والصيانة البالغة ثلاثة أضعاف كلفة التشغيل والصيانة لمنظومات التبريد المفتوحة ذات الممر الواحد.
•  استهلاك كبير للطاقة في تشغيل المراوح  1,5 – 2 ميكاواط لكل مروحة هواء والتي تصل الى 20 مروحة.
• ارتفاع نسبة المفاقيد المائية التشغيلية جراء التبخير وبحدود 2,25 طن ماء مصنع/ساعة لانتاج 1 ميكاواط, الذي يتطلب كميات كبيرة من المواد الكيمياوية لانتاجه.
المحور الثالث : المحطات الغازية ذات الدورة المركبة
بعد التقدم الكبير في تكنولوجيا المعادن والتقنيات الحديثة في أكساء أجزاء المسارات الحارة لتوربينات الوحدات الغازية واعتماد تكنولوجيا تبريدها بالهواء، استثمرت هذه التكنولوجيا لاستخدام الغازات الحارة الخارجة من  توربينات الوحدات الغازية للدورة البسيطة وامرارها على مراجل خاصة لإنتاج البخار بكميات وضغوط وحرارة مناسبة لتوبينات بخارية  لغرض انتاج طاقة كهربائية مضافة بحدود 50% مـن سعات الوحدات الغازية للدورة البسيطة وبدون وقود، وتسـمى هـذه المحطات بـ (المحطات الغازية ذات الدورة المركـبة).
الإستنتاجات والتوصيات
• على ضوء شحة الموارد المائية الحالية ومؤشراتها المستقبليةً سيصل النقص في ايرادات حوضي دجلة والفرات الى 33 مليار متر مكعب/سنة عام 2015 وذلك عند أكمال منظومة سدود مشروع جنوب شرق الاناضول   (GAP)فـي تركيا  حيث ستغطي الايرادات  55% من الاحتياجات الكلية المتوقعة والبالغة 77 مليار متر مكعب /سنة.
• في ضوء استمرار الدول المتشاطئة في استثمار مياه الانهر مع غياب الاتفاقيات الدولية في تنظيم حصصها من المياه, فان ذلك سيؤدي الى الاستنزاف في الواردات وتردٍ كبيرفي نوعيتها، وقد يشهد عام 2040 جفاف نهر دجلة ويكون نهر الفرات قد سبقه, في حين سيكون عدد سكان العراق بحدود 75 مليون نسمة.
• المباشرة بتنفيذ مشاريع السدود المخطط لها مسبقا (سدود طق طق والبغدادي ومنداوة وباكرمان) واستئناف العمل في مشاريع السدود المتوقفة مثل (سد بخمة وسد بادوش) لاضافة سعات خزنية وتنظيمية بمقدار 33 مليار متر مكعب/سنة وهذه الطاقة الخزنية الاضافية ستعوض النقص المتوقع من الواردات، اضافة الى انتاج طاقة كهربائية بمقدار 2000 ميكاواط.
• أعاده النظر في أستخدام منظومات التبريد للمحطات البخارية العاملة حاليا ذات الممر الواحد واستبدالها بمنظومات تبريد الدورات المغلقة الميكانيكية.
• أعتماد الدورات المركبة لمشاريع المحطات الغازية كحمل أساس في انتاج الطاقة الكهربائية لارتفاع نسبة كفاءتها لتصل حاليا الى 56% من خلال اعتماد منظومات تبريد الدورات المغلقة الميكانيكية.
• اعداد دراسات جدوى فنية دقيقة بدعم دولي (من بينه منظمة كيوتو) لبدائل عن الطاقات التقليدية المعتمدة في تشغيلها على المياه أو الوقود الاحفوري. 
• تفعيل اتفاقية الربط الكهربائي بين الدول الثمان (العراق, مصر, الاردن, تركيا, سوريا, لبنان, فلسطين, ليبيا) وربطها مع المجموعة الخليجية شرقا والمغاربية غربا والاوربية شمالاً لتعويض النقص في انتاج الطاقة من مصادر اخرى بكلف استثمارية وتشغيلية منخفضة وفي فترات حمل الذروة في الاستهلاك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( يتبع )

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب