10 أبريل، 2024 7:26 م
Search
Close this search box.

ما هي حقيقة أزمة الكهرباء في العراق ؟ – 2 / السياسة النفطية في العراق وانعكاسها على انتاج الطاقة الكهربائية

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان واحدة من أهم مقومات نجاح خطط مشاريع انتاج الطاقة الكهربائية، هي توفير الوقود بأنواعه (النفط الخام، الوقود الثقيل والخفيف – الكازاويل – والغاز الطبيعي) فهو شريان الحياة بالنسبة إليها، حيث يتم إمداد المحطات الكهربائية به عبر شبكة انابيب خاصة، توزَع جغرافيا لأعطاء عمليات النقل المرونة الكافية من مصادره في الشمال أو الجنوب وبالعكس.
ولضمان عملية انتاج وتجهيز الطاقة الكهربائية، يتم اختيار مواقع محطاتها جغرافيا بناء على عوامل عدة منها على وجه الخصوص قربها من :
1 – مسارات خطوط الشبكة الناقلة للوقود.
2 – مصادر المياه.
3 – أماكن توفيرالايدي العاملة.
4 – مراكز الاستهلاك.
5 – شبكة الضغط العالي والفائق للطاقة الكهربائية.
عندها يكون الموقع مثاليا لديمومة تشغيلها وللتقليل من الضائعات فى نقل الطاقة الكهربائية الى مراكز الاستهلاك.
خطة وزارة الكهرباء العشرية
اعتمدت وزارة الكهرباء في خطط بناء محطات انتاج الطاقة الكهربائية في كل محافظة لتغذيتها وتصدير الفائض منها الى محافظة اخرى من خلال ربطها بالشبكة الوطنية وذلك لتجنب حالة الانطفاء التام في محافظة ما عند انفصال التجهيز من الشبكة الوطنية لاسباب فنية أو أمنية أو أي طاريء آخر، وتضمنت الخطة التي تم اصدارها في شهر  تشرين الثاني من العام (2006) لعشر سنوات قادمة بأشراف البرنامج الانمائي للامم المتحدة والبنك الدولي ومؤسسات طاقة عالمية لإعادة بناء المنظومة الكهربائية وفق أسس إستراتيجية (وليس ترقيعية) وتم تطويرها وتوسيعها الى عام (2030). ويأتي إعتماد هذه الخطة بعد ثلاثين عام من إعتماد الخطة الاولى الموضوعة في العام (1976).
وفي ضوء هذه الخطة، وبحسب دراسة جدوى فنية واقتصادية تم تقديمها إلى لجنة الطاقة وهيئة المستشارين، تم التوقيع على عقود مشاريع محطات انتاج الطاقة الكهربائية بسعة (15) ألف ميكاواط، معتمدة اساسا على المحطات الغازية والغازية المركبة تحديدا، و بنسبة اقل على المحطات البخارية التي طالما تسببت شحة المياه في نهري دجلة والفرات (الى ما دون الحدود التشغيلية) الى انخفاض انتاجها أو إيقافها بالكامل.
 وتضمنت الخطة  ايضا بناء مشاريع نقل وتوزيع الطاقة وكما ياتي:
–  إنشاء (70) محطة تحويل الطاقة الكهربائية لشبكات الضغط العالي والفائق.
– إنشاء (120) محطة توزيع الطاقة الكهربائية .
– إنشاء ثلاث مراكز للسيطرة بتكنولوجيا متقدمة.
– إنشاء ثلاث مراكز تدريب متخصصة حديثة لتهيئة كادر وطني مؤهل لتشغيل وصيانة المنظومة الكهربائية الوطنية.
وقد تم استعراض الخطة المذكورة في مجلس الوزراء، ومن ثم إستعراضها في مجلس النواب في شهر شباط من العام (2007) لغرض المصادقة عليها والمباشرة بتنفيذها، وأوضحنا للسادة النواب آنذاك أن تنفيذ هذه الخطة يتطلب إلزاما بتوفير تخصصيات مالية بمقدار (27) مليار دولار (للتذكير ان هذا المبلغ لمتطلبات خطة أمدها عشر سنوات) يخصص منها مبلغ (18) مليار دولار للأربع سنوات الاولى ( 2006-2010 ).
لكن الوزارة لم تستلم من هذه التخصيصات سوى مبالغ بمقدار(6,9) مليار دولار!!. وهي موزعة – كما يعرف ذوو الشأن – على قطاعات الانتاج والنقل والتوزيع، حيث تم توقيع عقود تلك المشاريع، و فتح اعتماداتها بمبالغ محددة حسب  كلفة المشروع و فترة انجازه. وأشيع الكثير حول التخصيصات المالية الخاصة بوزارة الكهرباء، وذكرت أرقاما فلكية لا أساس لها من الصحة على الإطلاق !!، بل وجد فيها العديد من السياسيون مادة خصبة تصلح للمناكفات في صراعاتهم، ويبدو الأمر كما لو أن وزارة الكهرباء تعمل بمفردها وليس بموجب تخصيصات مبوبة في الميزانيتين التشغيلية والإستثمارية، ولا بمتابعة دقيقة للتنفيذ المادي والمالي للمشاريع من قبل وزارة التخطيط، ولا تقدم تقدم الحسابات الختامية السنوية الى وزارة المالية وديوان الرقابة المالية. حيث إن المبالغ المصروفة من الخطة الاستثمارية والمثبتة لدى وزارة التخطيط من العام (2003) ولغاية (31/12/2012) بلغت (17) مليار دولار، خصص نصفها لمشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية (قدرات إنتاجية بمقدار 15000 ميكاواط) والنصف الآخر لمشاريع نقل وتوزيع الطاقة. بينما يشكل معظم التخصيص في الموازنة لتشغيلية الى رواتب واجور لأعداد غفيرة من المنتسبين (على الرغم من عدم الحاجة الى نصفهم!)، ويستنزف ما تبقى  من هذه الموازنة لإستيراد الوقود الخفيف (الكازأويل) والمضافات الكيمياوية لتحسين نوعية الوقود الثقيل، بحيث اصبح إستيرادهما عبئاً ثقيلا على الموازنة التشغيلية، في وقت يتطلب فيه التعجيل بإستثمار الغاز الطبيعي المستخرج من الحقول الغازية.
وزارة النفط ومتطلبات مشاريع الكهرباء
هناك نقطة في غاية الأهمية، فبالرغم من التنسيق المسبق مع وزارة النفط بأعداد (الخطة الوقودية) التي تلزمها بتجهيز مختلف انواع الوقود لمشاريع انتاج الطاقة الكهربائية, إلا أن التجهيز لم يكن متوافقا ومتزامنا مع متطلبات مشاريع الكهرباء، نتيجة تأخر وزارة النفط في انشاء البنى التحتية في القطاع النفطي الخاصة بتوفير انواع الوقود ومنها :
– بناء مصافي جديدة.
– إنشاء شبكات جديدة لخطوط الانابيب.
– إستثمار الغاز المصاحب (لعمليات إستخراج النفط الخام) الذي يحرق يوميا بكميات كبيرة.
–  إستخراج الغاز الحر من مكامنه.
فلايزال انتاج المشتقات النفطية للمصافي العاملة لا يلبي الحاجة التشغيلية لمحطات انتاج الطاقة، وبخاصة الوقود الخفيف (الكازأويل )، بل وحتى انتاج الوقود الثقيل  الخاص بتجهيز محطات انتاج الطاقة الكهربائية في المنطقة الوسطى, لأن ما تنتجه مصافي المنطقة الوسطى من هذا الوقود لايزيد عن (5) آلاف طن/يوم ، علما ان حاجة هذه المحطات من الوقود الثقيل بحدود (9) آلاف طن/يوم، وهو ما أدى الى عدم استقرار انتاج المحطات في المنطقة الوسطى.
 وبإلتزام من وزارة النفط ضمن محاضر اجتماعات موثقة بتوفير الوقود بأنواعه (النفط الخام، الوقود الثقيل، الغاز الطبيعي، زيت الغاز) ومصادقتها في لجنة الطاقة الوزارية، تم التوجيه من مجلس الوزراء ومن اللجنة المذكورة بتوقيع عقود مشاريع تجهيز المحطات الغازية مع شركتي (جي إي) الامريكية و(سيمنس) الالمانية في شهر كانون الاول (ديسمبر) من العام (2008).
 وتم إعداد مواصفات هذه المحطات آخذين بنظرالإعتبار إمكانية تشغيلها بكافة أنواع الوقود المجهز من وزارة النفط، بالرغم من رداءة التشغيل بالوقود الثقيل أو النفط الخام كونه غير اقتصادي وبكفاءة إنتاجية اقل, ولعدم توفر الوقود الرئيسي وهو الغاز الطبيعي حاليا، بإنتظار إكمال استثماره من الغاز المصاحب (الذي لايزال يحرق بكميات تصل الى (1000) مليون قدم مكعب/يوم)، وكذلك تطوير الحقول الغازية ضمن جولات التراخيص التي إعتمدتها وزارة النفط، وهذا ما تم استعراضه في لجنة الطاقة ومجلس الوزراء ومجلس النواب.
وعلى الرغم من تأخر تنفيذ خطة وزارة النفط بإنشاء البنى التحتية الخاصة بتوفير الغاز لمشاريع محطات انتاج الطاقة الكهربائية المزمع إنجازها في العام (2014) الى العام (2016), فقد تم اعداد التصاميم لمواقع مشاريع المحطات (بحسب ما هو متوفر من أنواع الوقود المجهز من وزارة النفط لكل موقع) لإنجازها من قبل شركات متخصصة تم اختيارها بمعيار تاهيلي لتنصيب وحدات (شركة (جي إي) البالغة (56) وحدة بسعة (125) ميكاواط لكل منها بعشر مواقع  موزعة في المحافظات, ووحدات شركة (سيمنس) البالغة (16) وحدة بخمس مواقع، منها (10) بسعة (165) ميكاواط، وتعمل بكافة أنواع الوقود ( نفط خام، وقود ثقيل، غاز، زيت الغاز)، ومنها (6) وحدات كبيرة بسعة (265) ميكاواط  لكل وحدة وتعمل على الغاز لتوفره من حقلي الرميلة وكركوك وحسب تحديد وزارة النفط لتنصيبها في هذين الموقعين.
وإضطرت وزارة الكهرباء كذلك الى إجراء تحوير لـ (منظومات الوقود) للمحطات الغازية القديمة التي إنشأت قبل العام (2003) والتي كانت تعمل على نوعين من الوقود (الغاز الطبيعي والكازاويل) لكي تعمل على الوقود الثقيل، وقد كلف ذلك التحوير مبالغ إستثمارية كبيرة، وأخرى تشغيلية إضافية لإستيراد مضافات كيمياوية لمعالجة هذا الوقود وتحسين كفاءة تشغيله، وإنعكس ذلك ايضاعلى إرتفاع الكلف الاستثمارية للمحطات الغازية الجديدة لتشغيلها على كافة أنواع الوقود المتوفر من وزارة النفط !!، وينعكس أيضا على كلف الانتاج التشغيلية لهذه وتدني كفاءة إنتاجها.
ولعدم تنفيذ وزارة النفط إلتزاماتها بتوفير الغاز أو بدائله من الوقود الخفيف المنتج من مصافيها، إضطرت الى استيراد المشتقات النفطية لصالح وزارة الكهرباء من (الكازاويل) بمقدار (4 – 3) مليون لتر/ يوم ، لتشغيل المحطات الغازية الجديدة، وهذا ما تسبب بخسارة العراق من موازنته مقدار (4) مليار دولار سنويا، منها (1) مليار ناتجة عن إستيراد وقود الديزل لصالح الكهرباء، و(3) مليار ناتجة عن الانخفاض القسري لإنتاج المحطات الغازية بسبب عدم كفاءة التشغيل بالوقود الثقيل كبديل عن الغاز مع إستخدام المضافات الكيمياوية لمعالجته للتقليل من تأثيراته السلبية على توربينات الوحدات التوليدية للمحطات، هذا إضافة الى إرتفاع كلف إدامتها من أجل التقليل من زمن تقادمها.
أن مجلس الوزراء سبق له أن وافق في العام (2008) على إنشاء ثلاث مصافي في (كركوك والعمارة وكربلاء) بسعة (150) ألف برميل/يوميا، وتكليف شركة (شو) الأميركية التي قامت بإعداد التصاميم مقابل (150) مليون دولار، لكن الذي حصل أن وزارة النفط لم تستقطب أي من الشركات العالمية لتنفيذها لعدم وضوح آلية التنفيذ، ونتيجة لذلك تم إعادة تحديث الخطة الوقودية بين وزارتي الكهرباء والنفط بهدف تأمين المشتقات النفطية لتشغيل مشاريع الطاقة الكهربائية التي خطط لأكمالها في العام (2013).
الغاز المصاحب لانتاج النفط الذي يهدر يوميا
هناك حقيقة يحاول الكثيرون عدم الافصاح عنها، فبحسب الخطة الاستراتيجية للطاقة التي تم اصدارها مؤخرا في العام (2013) فأن ما سيتم تحقيقه من إستثمار كامل الحقول الغازية مضافا إليه إستثمار جميع كميات الغاز المصاحب ولغاية (2020) سوف لن يغطي الحاجة الكاملة لتشغيل محطات انتاج الطاقة الكهربائية بحسب نسبة نمو الانتاج السنوي، وهو ما يجعلنا نقف مندهشين أمام إبرام إتفاقيات دولية والتصريح إعلاميا حول إمكانية تصدير الغاز من خلال خط الانبوب العربي الى أوروبا في السنوات القليلة القادمة!!.
ويقدر الإحتياطي الموثوق للغاز الطبيعي الحر في المكامن الغازية في العراق بحدود (110) ترليون قدم مكعب، موزعة في حقول (عكاز، المنصورية، الخشم الأحمر، كورمور، السيبة، جمجمال)، وبمعدل إنتاج يومي بمقدار (1500) مليون قدم مكعب/يوم، والذي يكافيء إنتاج (5000) ميكاواط من الطاقة كهربائية، هذا بالإضافة الى الغاز المصاحب ليصل انتاجه في العام (2016) بمقدار (2000) مليون قدم مكعب/يوم وهو ما يكافيء إنتاج (6000) ميكاواط من الطاقة الكهربائية، ناهيك عن الإحتياجات الصناعية من بتروكيمياويات وأسمدة وصناعة الغاز السائل المنزلي.
ولايزال الغاز المصاحب في الحقول النفطية الجنوبية وفي كركوك يحرق بكميات تصل الى (1000) مليون قدم مكعب يوميا، والذي يكافيء إنتاج (3300) ميكاواط ولحين إكمال إستثماره في العام (2016) بحسب بيانات وزارة النفط.
 و قد تقدمنا في حينها بعدة مقترحات في العام (2007) لإستثمار حقول (المنصورية والسيبة وعكاز) الغازية لصالح وزارة الكهرباء بالنظر لأهمية تأمين تشغيل المحطات على الغاز الطبيعي بإتاحة وكفاءة عاليتين، لكن وزارة النفط لم توافق على مقترحنا، بل ولم تتم الموافقة واعتماد الدراسة المقدمة من قبل وزارة الكهرباء في العام (2010) بعد التفاوض مع الجانب الإيراني لغرض إستيراد الغاز منه عبر الخط الإيراني الإستراتيجي الذي يمر عند مسافة (12) كم من الحدود العراقية، لتجهيز محطتي الصدر والمنصورية الغازيتين لفترة خمس سنوات ولحين البدء بإنتاج حقل المنصورية.
اللافت للنظر أن وزارة الكهرباء – وبعد مرور ثلاث سنوات – قد اضطرت مؤخرا لإستئناف التفاوض مجددا مع الجانب الايراني والتعاقد معه لتجهيز تلك المحطتين!!.
وكانت وزارة الكهرباء قد أثارت هذه المؤشرات الإستراتيجية منذ العام (2007) في لجنة الطاقة، وطلبت في حينها التركيز على المنطقة الوسطى من خلال تطوير حقلي المنصورية وشرق بغداد الغازيين، وإنشاء مصافي صغيرة في محطات الكهرباء لتوفير المشتقات النفطية الأساسية لغرض تشغيلها.
وقد أخذت وزارة الكهرباء على عاتقها إنشاء مصفى لصالحها في محطة المسيب بسعة (40) ألف برميل/يوم، ويعمل الآن بطاقة (25) ألف برميل/يوم لمحدودية تجهيزه بالنفط الخام بسبب محددات سعة نقل الخط الإستراتيجي الذي إنخفضت من (1) مليون برميل/يوم الى (250) ألف برميل/يوم  لقدمه ولخروج بعض محطات الضخ عن العمل منذ العام (2003).
ونكرر القول أن توفير الطاقة الكهربائية يتطلب أولا توفير الوقود لمحطات الكهرباء وبخاصة الغاز الطبيعي، وسيتضح ذلك عندما يتم اكمال المحطات التي يتم تنفيذها حاليا، والمحطات التي سيتم تنفيذها لاحقا خلال السنوات القليلة القادمة.
الإستثمار في قطاع الكهرباء    
كانت وزارة الكهرباء قد وضعت خطتها فيما يخص النشاط الإستثماري منذ العام (2009) وعملت بشكل جاد على تهيئة النموذج الإستثماري الملائم بمشاركة شركات عالمية، كما قدمت الوزارة مع اللجنة الإقتصادية في مجلس الوزراء كافة التسهيلات من (ضمانات شراء الكهرباء المنتج من قبل المستثمر، وتوفير المعدات اللازمة، والأرض، وعدم السداد لمدة سنتين لحين اكمال المشروع)، وعرضت ثمانية مواقع إستثمارية (تم تقليصها لاحقا الى أربعة) بسعة كلية مقدارها (2750) ميكاواط في المنطقة الجنوبية.
ولكن بعد كل تلك الجهود، إمتنع المستثمرون عن المشاركة بسبب عدم توفر الوقود الملائم (الغاز الطبيعي)، وإرتفاع كلف الوقود المستورد (الكازأويل) كبديل للغاز الطبيعي، إضافة الى إرتفاع الكلف التشغيلية للوقود الثقيل، وكلاهما يرهق الموازنة الكلية للكهرباء بسب عدم إستثمار الغاز الطبيعي بالكميات المطلوبة.
تجربة أقليم كردستان في مجال الاستثمار
هناك مقارنة تستحق الذكر، فقد إعتمدت حكومة أقليم كردستان بداية على إستثمار حقل (كورمور) الغازي في أربيل (الذي سبق تطويره من قبل وزارة النفط العراقية)، قبل أن تكلف أحد المستثمرين العراقيين الكرد بإنشاء محطتين غازيتين، الأولى في اربيل بسعة (500) ميكاواط، والثانية في السليمانية بسعة (750) ميكاواط، ومن المنتظر إستكمال العمل بمحطة دهوك الغازية، وهذا يعني أن توفير الوقود الغازي هو الأساس الذي يشجع المستثمرين على بناء المحطات الغازية وفق مبدأ منتجي الطاقة المستقلين وبإعتماد السياسة الإستثمارية (بناء – تملك – تشغيل).
إضافة الى ما تقدم، عمد الاقليم على توفير البيئة الإستثمارية لكافة القطاعات وليس قطاع الكهرباء وحسب، ولم يعتمد في سياسته الإستثمارية على القانون رقم (13) للعام (2006) المعدل في (2009)، وهذا ما يستدعي هيئة الإستثمار الوطنية في بغداد الى مراجعة هذا القانون بما يتناسب ومتطلبات المستثمر، لكونه – أي القانون رقم (13) – مقيدا للنشاط الإستثماري في مجال الطاقة، ولهذا نجد أن حكومة الأقليم وبرلمانه قد نجحا في تنشيط السياسة الإستثمارية التي إعتمدها.
أما مركزيا فلايزال قطاع الإستثمار متأخرا جراء القيود والمراقبة السياسية لكل مشروع إستثماري ومنها مشاريع قطاع الكهرباء.
الصناعات النفطية وسياسة وزارة النفط 
ركزت وزارة النفط في استراتيجيتها على تطوير قطاع استخراج النفط الخام وزيادة انتاجه لغرض الوصول الى اعلى طاقات متاحة من خلال جولات التراخيص الثلاث الاولى وعقود المشاركة في الاستكشاف والتطوير في جولة التراخيص الرابعة، ولم تولي الوزارة اهتمامها في الصناعة النفطية المتمثلة بالمشتقات النفطية وصناعة الغاز، والتي تمثل امن الطاقة القومي والاستراتيجي، ويتوقف عليها اساساً صناعة الطاقة الكهربائية وصناعة البتروكيمياويات والصناعات الاستراتيجية الاخرى. واذا ما استمرت السياسة النفطية بأستراتيجيتها الحالية فإنها ستتسبب في إستمرار معاناة قطاع الكهرباء في نقص إمدادات أنواع الوقود لسنوات قادمة، لذلك على الدولة أن تنهض بالقطاع النفطي من خلال التفعيل الجدي لقانون الإستثمار الخاص بالمشتقات النفطية وتشجيع الشركات المتخصصة للمساهمة في تطويره.
على الرغم من تأخر تنفيذ المشاريع الإستراتيجية لإنتاج الطاقة الكهربائية (كما بيناه في مقالنا السابق) فان واقع إنتاج المشتقات النفطية وتوفير الغاز الطبيعي حاليا لا يلبي تأمين تشغيل مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية.
إن سياسة الصناعة النفطية الصحيحة تكمن أساسا في تطوير صناعة المشتقات النفطية وصناعة البتروكيمياويات وليس إستخراج النفط من مكامنه وزيادة إنتاجه من خلال عقود تراخيص لشركات عالمية والاعلان عبر وسائل الاعلام عن تحقيق أرقام (كان العراق قد حققها قبل ثلاث عقود من الزمن) !.
من خلال مشاركاتنا في مؤتمرات الطاقة العالمية ولقاءاتنا مع كبريات الشركات المتخصصة وجدنا أن هناك توجسا من المشاركة في بناء وتطوير صناعة المشتقات النفطية، لشعورها بعدم جدية قطاع النفط العراقي في سياسة تطوير هذه الصناعة، وإقتصارها على تبني السياسة الاستخراجية للنفط الخام وإستنزاف مخزونه وترجمته الى موازنة ريعية بدلا من تحويل الجزء الاكبر من ايراداته الى التوسع في انتاج المشتقات النفطية والصناعات الاستراتيجية لضمان أمن العراق القومي في قطاع الطاقة في منطقة ملتهبة سياسيا.
وتأمل الشركات العالمية المتخصصة في الصناعة النفطية المشاركة في بناء قطاع الصناعة النفطية العراقية الذي لايزال متأخرا وغامضا وخجولا، وليبقى انتاج الطاقة الكهربائية مرتبكا واسيرا لسياسة الصناعة النفطية في العراق.
يتبع
 * وزير الكهرباء السابق

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب