قبل ايام كتبت على صفحة الفيس بوك بضعة اسطر عن مجموعة كتب اشتريتها في زيارتي الاخيرة الى فيينا ، وكان بينها كتاب باللغة الالمانية يتحدث عن الشامانية (schamanismus ) ويكتب بالانجليزيةshamanism وقد استهواني ما كتب على الغلاف الخارجي عن مضمون الكتاب ، واعترف انني لم اكن اعرف عن هذه التسمية الا القليل جدا ، وعندما ذكرت لاصدقائي شيئا يسيرا عن الشامانية ، وانني انوي ترجمة هذا الكتاب الى العربية ، وصلتني عشرات الطلبات تريد معرفة اكثر عن هذا الموضوع ، مما دفعني الى تثقيف نفسي عن الشامانية ، التي هي ” علم ” او ” معرفة ” متوارثة عن علاج الامراض والشفاء منها ، بل هي حسب المصادر اقدم وسائل العلاج التي عرفها البشر – فالشامانية تجمع جميع تجارب البشرية عبر الاجيال المتعاقبة في استغلال قوى الشفاء الكامنة في الطبيعة ـ فتستخدم مكونات التراب والماء والهواء والنار لصالح الانسان ـ وتسعى للكشف عن القوى الكامنة في النباتات والحيوانات والاحجار وتوظيفها لخير البشرية …
الشامانية نشأت من الاعتقاد ، والخبرة ، من ان المرض هو نتيجة عدم التناغم بين الانسان والطبيعة والكون . ويستخدم ممارس الشامانية ، ويسمونه الشامان ، يستخدم معارفه لاعادة التوازن بين الانسان والطبيعة . وكلمة شامان مأخوذة من اللغة الصربية وتعني استخدام النار والحرارة , وتطبيق ذلك على الانسان تعني تحويل الطاقة المؤثرة عليه ، اذ ان النار ليست فقط قوة ـ بل هي طاقة ايضا . ان النار بالنسبة للشامان الصربي هي اعظم قوة لاحداث التحول . وتكون عند الشامان القدرة للتغيير ..
الشامانية ترى ان كل شيء ينبض بالحياة ، وان وجود الانسان له اشكال غير محدودة ،وفي كل واحد من هذه الاشكال تكمن قوى خلاقة هي المغزى الداخلي للحياة ، لذا ينبغي التعامل مع كل اشكال الوجود ، نباتنا ، او حيوانا ، او احجار ، بمنتهى التقدير ، وحيث ان جوهر الحياة هو نفسه في كل شيء ، لذا فان كل الاشياء مرتبظة ببعضها ..
ان الشامان لا يعتبر المساحات الفارغة التي تحيط بالبشر ،وبالاشياء ،مجرد فراغ ، لا يعتبرها لاشيء ، انه يرى المساحات الخالية بين البشر وبين الاشياء ، يراها كيانات ذات صفات وخصائص تماما مثل الاشياء المادية المرئية ، ونحن نعرف ان العناصر الفيزياوية ليست صلدة ، بل هي متكونة من ذرات وهذه بدورها ليست كتلة واحدة متماسكة بل هي مكونة من الكترونات تدور حول نواة الذرة .
ويقوم الشامان بالتعرف على هذه المسافات بين الاجسام واكتشافها ، ومن خلال هذه المعرفة يملك الشامان القدرة على رؤية ما لا يراه الاخرون ، انه توسع في مداركه ووعيه يمكنه من رؤية العوالم غير المادية ، غير الفيزياوية ..
الشامان يستطيع التنقل ، التجول ، بين العوالم ،عوالم تتعايش مع عالمنا المادي ، عوالم تبقى خافية عنا . وكما ان عالمنا المادي له مستويات مختلفة ( بشر- حيوانات – نباتات – معادن ) فان للعالم الاخر ايضا مستويات متعددة وذبذبات مختلفة للطاقة
ان الشامانيين يستطيعون توسيع حدود مداركهم ، وان يتجولوا في هذه العوالم ، ويستطيعون تغير حالات الوعي عندهم باستخدام تقنيات ذاتية كامنة تمكنهم من التشخيص ، والتكهن ، ووصف وسائل العلاج ، وتحقيق الشفاء ، بل والتنبؤ والافصاح عن معلومات خفية..
ان من خصائص الشامانية ، ان لكل شيء موقعه ، ولك قوانينه ، للعالم الفيزياوي والعالم اللافيزياوي ، قوانين الارض وقوانين الكون ..
ومما يثير الاهتمام ان منظمة الصحة العالمية اعترفت عام 1980 بالشامانية كوسيلة لعالج الامراض النفسية بمستوى علاج الطب التقليدي ، وهذا ما ادى الى زيادة الاهتمام بوسائل الشامانية لعلاج العديد من الامراض ، كما جعل بعض الاطباء يستفيدون من وسائل الشامانية لشفاء بعض المرضى
واود ان اختم هذا الموضوع المقتضب ، هذا المدخل التعريفي بالشامانية ، بهذه القصيدية الشامانية :
قد تتصور انني مجرة صخرة
استقر ساكنة على الارض ..
انا لست كذلك ..
انا بعض هذه الحياة
انا اعيش للاخرين …انا هنا لمساعدتهم