تكملة لمقالنا السابق، نتناول المحور الثاني عشر في الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهو:
رزق المحامي واتعابه:
بالنظر لكون مهنة المحاماة تعتبر مهنة حرة ومستقلة فان الأتعاب التي يؤديها الموكلون تعتبر المصدر الوحيد لدخل المحامي، والذي غالبا ما يخصص لضمان أداء المتطلبات المالية لحسن السير العادي للمكتب، وكذا لتغطية مصاريف عيش المحامي بشكل لائق.
ومن انحس المشاكل التي يواجهها المحامي هي تحصيل اتعاب المحاماة، فالزبون حالما ينال مراده من الدعوى يجحد المحامي حقه في اغلب الأحيان، مما يضطره الى طلب تحصيلها بإحدى طريقتين احلاهما مر، فإما تتم المطالبة بشكل شخصي وهو غير محمود في المحاماة وممقوت في ذات الوقت، واما يلجأ الى القضاء، وهذا مما تأباه نفس المحامي واعراف المهنة؛ لأنها تجعل الزبون الذي كان ينعم بحماية المحامي خصماً له، وفي موضوع الاتعاب بالذات، ولربما يسمع المحامي من آيات الجحود والنكران وينسب له من الضرر والنقصان ويمعن في الجور فيّكلّ له سائر التهم.
والامتناع عن دفع اتعاب المحاماة مرض اجتماعي خطير ليس مرده التخلف فقط وانما فساد الذمم والاخلاق ايضاً، ومن المشاكل الخطيرة التي يتعرض لها المحامي (مجانية الاتعاب) مجاملة للأصدقاء والمعارف والاقارب، وعلى المحامين ان يحاربوا هذه العله السقيمة ويبتعدوا عنها.
هناك صعوبة في تحديد قيمة الاتعاب، فيتعين على المحامين الاجتهاد في وضع معايير موضوعية لتحديد الأتعاب، استحضارا لتزايد مطالبة الموكلين بفهم بنود القيمة التي يطلب منهم سدادها، وحاجتهم للشعور بأنهم يحصلون على نتيجة وقيمة مناسبة مقابل الأموال التي يدفعونه.
ان الأساس الرئيسي الذي يحسب بموجبه المحامون أتعابهم يتمثل في الرجوع الى مقدار الوقت الذي استغرقوه في تقديم الخدمة القانونية الى الموكل، وفي أكثر دول العالم المتقدمة يتم حساب اتعاب المحاماة بالنظر لعدد الساعات المستهلكة في شؤون كل موكل، وفي الولايات المتحدة الامريكية تصل أتعاب المحامي من 150 الى 600 دولار للساعة الواحدة.
من أهم المعايير التي وضعها القانون والفقه المقارنيين، في تحديد اتعاب المحاماة هي:
– المجهود الذي يبذله المحامي.
– الوقت المستغرق في القضية.
– أهمية وصعوبة القضية وخطورتها، وحداثة وصعوبة المسائل ذات العلاقة.
– الوضعية المالية للموكل ومكانته سواء سياسيا او حكوميا او اجتماعيا.
– أقدمية المحامي ومكانته وشهرته والمهارة اللازمة لتسيير الدعوى.
– قيمة الشيء المتنازع فيه.
– النتيجة المحتمل تحققها.
– أتعاب المثل المحددة في القضايا المتشابهة.
– تقديم خدمة غير اعتيادية او تتطلب كفاءة خاصة.
– الظروف الخاصة كفقدان قضايا أخرى، وطابع الاستعجال وغيرها.
لكن وبالرغم من هذه المعايير، فقد وجب التنبيه الى ان المحامي عند تقديره للأتعاب ملزم بمراعاة التوسط والموضوعية لكيلا تتحول مهنة المحاماة الى وسيلة للإثراء على حساب الموكلين ويضفي عليها طابع الربحية والروح التجارية، خاصة، وأن المحامي ملزم بالتقيد في سلوكه المهني بمبادئ الاستقلال والنزاهة والكرامة والشرف بصريح المادة(39) من قانون المحاماة النافذ، وفي نفس الوقت، فمن واجب المحامي تفادي كل الطرق والسلوكيات التي قد تجعل من عمله مجانيا او مقابل أتعاب هزيلة؛ تؤدي الى إلحاق الضرر بكرامة المهنة.
ان قانون المحاماة النافذ لم يجعل الكتابة ركنا شكليا في الاتفاق على أتعاب المحاماة ولم يحدد طبيعة هذا الاتفاق: هل هو شفوي أو كتابي؟
لا يجوز أن يغيب عن الذهن في معرض تحديد الأتعاب أن مهنة المحاماة هي جزءٌ أساسي من عملية تحقيق العدالة، وليست سلعة للاتجار، فأوجبت أن تكون اتفاقية أتعاب المحاماة المبرمة بين المحامي وموكله، خطية واضحة الدلالة، فلا يجوز الانحراف عنها بتفسير يناقض مدلولها، وعلى المحامي عدم تضخيم خدماته أو انتقاصها في معرض تحديد أتعابه، كما لم تجز له استغلال عدم خبرة موكله أو ضعفه من أجل الحصول على أتعابٍ باهظةٍ تفوق الخدمات التي قام أو يمكن أن يقوم بها، وعدم اعتبار مقدرة الموكل الماليّة مبرراً لاستيفاء أتعابٍ تتجاوز الخدمة التي تقدم له، أما إذا كان معسرا، فيجب أن تكون الأتعاب بأقل حدٍّ ممكن، أو أن تقدّم الخدمات بلا مقابل.
ونشير الى أن الاتفاق الشفوي حول الأتعاب عادة ما يصعب إثباته خاصة في حالة إنكار أحد طرفيه وجود هذا الاتفاق، وفي هذه الحالة فان عبء الإثبات يقع على عاتق الطرف الذي يدعي وجود هذا الاتفاق، وهو ما يمكن للمحامي تفاديه باللجوء ما أمكن الى إبرام اتفاق كتابي مع الموكل بخصوص تحديد الأتعاب في أفق وضع حد للمنازعات التي تنشأ بشأن تحديد الأتعاب.
استدراكاً وتصويباً لما ذكرناه: يجب الانتباه؛ بأن المحامي ليس له ان يتعهد بتحقيق نتيجة في أي اتفاق (شفوي او كتابي) لان عمل المحام بذل عناية وليس التزام بتحقيق غاية وكما هو ثابت قانوناً.
طريقة مقترحة في احتساب أتعاب الدعاوى:
من أهم ما يعاني منه المحامي المبتدئ هو طريقة احتساب الأتعاب بشكل عادل، وبدون أن يؤثر ذلك على سمعته من حيث أن يوصف بأن أتعابه مبالغ فيها فيؤثر ذلك على إقبال العملاء عليه، أو أن يوصف بأن أتعابه متدنية فيوصف بعدم إدراكه لأهمية القضية أو عدم معرفته بصعوبتها.
ان الطريقة الأنسب في عملية تقدير الأتعاب، هي:
أولاً: تصنيف أعمال المحامي.
ثانياً: تحديد الطريقة المناسبة في تقدير أتعاب كل صنف.
ثالثاً: تحديد الطريقة المناسبة لتحصيل أتعاب كل صنف.
فخلصنا إلى تصنيف الأعمال إلى:
1-أعمال تحريرية فقط 2-أعمال تحريرية وميدانية. 3-أعمال شفوية فقط.
ولذلك كله: انتهيت إلى ما يلي:
اولا-القضايا التي يترافع فيها المحام ويترتب عليها تحقيق أموال أو قيمة مادية لموكله تحتسب الأتعاب على أساس:
الف-احسب نسبة 10% من المبلغ المطالب به وما ينتج عنه أقسمه على جزئيين مقدم ومؤخر، مثال:
– يطالب موكله بمبلغ مليون دينار، نسبة 10%= 100000دينار، يطلب منه مقدم 50الف دينار ومؤخر 50 الف دينار، أو أقسمه إلى ثلاثة أقسام 50 ألف دينار مقدم، ودفعة 25الف دينار، ودفعة أخيرة 25 ألف دينار.
باء-في كل الأحوال لا يقل الحد الأدنى = 30000 ثلاثون ألف دينار كمقدم كمثال.
ثانيا-قضايا جنائية: لا يترتب عليها أي مبالغ مالية وغالبا تكون متعبة وفيها مشقة ولذلك تقدر الأتعاب على أساس قوة الموضوع ونوع الاتهام، وتقدير عدد المراجعات والجلسات تقديرا، أكثر بقليل من المتوقع، وفي كل الأحوال يُدفع النصف مقدماً، والباقي يقسم على دفعات، وفي القضايا الجنائية، يجب أن تكون آخر دفعة قبل نهاية القضية بمرحلة واحدة لتضمن حقك.
ثالثا-الدعاوى الإدارية: تُقدر الأتعاب على أساس عدد الجلسات ونوع القضية ومكانة الموكل، وأرى أن الإداري أقل تكلفة من غيره من القضايا، وتحسب القيمة الإجمالية ثم يدفع النصف مقدماً ودفعة أو دفعتين مؤخر.
رابعا-تحرير العقود: في تحرير العقود على مشاريع أو شركات أو مقاولات، على المحام ان يقوم باحتساب نسبة 1% واحد بالمائة من قيمة العقد، ويدفع دفعة واحدة.
خامسا-كتابة اللوائح والطلبات والمذكرات: تكون حسب نوع القضية ونوعية اللوائح هل هي لائحة دفاعية او استئنافية او تمييزية وفيما إذا كانت الدعوى مدنية او جنائية وغيرها؛ فلكل لائحة لها معايير يمكن تطبيقها لأجل تقدير الاتعاب، وحسب الجهد المبذول والمحام وخبرته.
سادسا-الاستشارات الشفوية وحضور الاجتماعات:
ألف-الاستشارات الشفوية: أنظر لما سوف يحققه الزبون من رأيي من فائدة، وأطلب قيمة للاستشارة.
باء-حضور الاجتماعات: أقوم بتقديرها على أساس أجرة الساعة فيما يخص الاجتماعات وأطلب مبلغاً مقطوعاً مباشرة دون أن أدخل الزبون في مسائل حسابية.
نخلص مما سبق وصفه في اعلاها، ان المحام يتقاضى اتعابه وفقا للعقد الرضائي المبرم بينه وبين موكله، فالمسالة تقديرية تخضع لإرادة الطرفين، لكن لا بد من ضوابط ونصوص يجب إدخالها في مشروع قانون المحاماة الجديد، لأجل تصويب هذا الجانب بما ينسجم واطر واخلاقيات مهنة المحاماة ومعانيها الجليلة، ونرى هناك ضرورة بإدخال النصوص الاتية مع الإبقاء على النصوص التي لم نتطرق اليها بسبب محددات المقال:
المادة ( )
للمحامي الحق في تقاضي أتعابا من موكله، بما يتناسب وأهمية الدعوى والجهد المبذول فيها، وذلك عما يقوم به من أعمال في نطاق مهنته، وله حق استيفاء الرسوم والمصاريف والنفقات التي يدفعها في سبيل مباشرة الدعوى أو الأعمال التي وكل عنها وعليه في جميع الأحوال أن يسلم موكله إيصالا بما قبضه.
المادة ( ):-
اولا / يحرر المحامي لموكله عقداً يتضمن بيان أتعابه والشروط المتفق عليها ويوقع العقد منه ومن موكله، وعليه تسليم الموكل نسخة من ذلك، وفي حال عدم وفاء الموكل بأتعاب المحاماة، يجوز للمحامي طلب حبس الأوراق أو الأموال من المحكمة المختصة بما يعادل أجور أتعابه.
ثانيا / يعتبر تقاضي أتعاب باهظة أو مبالغ فيها أو غير مناسبة مع حجم ونوع وطبيعة الخدمات القانونية عملا مخلا بشرف المهنة أو تصرفا يحط من قدرها ويجوز لمجلس السلوك المهني أن يحاسب المحامي تأديبيا.
المادة ( ): –
اولاً/ إذا عزل الموكل محاميه بدون سبب مشروع بعد مباشرة العمل الموكل فيه يكون الموكل ملزماً بدفع كامل الأتعاب المتفق عليها، كما لو كان المحامي قد أنهى العمل لصالح موكله، وإذا حصل العزل قبل مباشرة العمل الموكل فيه، يستحق المحامي أتعاب عن الجهد الذي بذله تمهيداً للمباشرة في العمل بما لا يزيد عن 25% من قيمة الأتعاب المتفق عليها.
ثانيا/ يبرم المحامي مع موكله اتفاقا واضح الدلالة، يحدد بموجبه قيمة الأتعاب المتفق عليها وكيفية الوفاء بها، وإذا لم يوجد اتفاق مكتوب يصار إلى تحديدها عن طريق لجنة خاصة مشكلة في نقابة المحامين لهذا الغرض، وعلى اللجنة أن تتولى الوساطة بين المحامي وموكله، فإذا لم يقبل الطرفان ما تعرضه عليهما، فصلت في موضوع الخلاف خلال ستين يوماً على الأكثر بقرار مسبّب، وإلا جاز لكل من الطرفين أن يلجأ مباشرة إلى المحكمة المختصّة، أمّا إذا قبل الطرفان ما تعرضه عليهما حُرّر محضر بذلك يوقع عليه الطرفان مع رئيس اللجنة، وتكون تقديراتها ملزمة لذوي الشأن ويعطى الاتفاق المبرم أو تقدير الأتعاب من قبل اللجنة قوة السند التنفيذي.
ثالثا/ تختص المحكمة المختصة المنظورة أمامها الدعوى ابتداءاً بالفصل في أي خلاف بين المحامي الموكل فيها وبين موكله، بشأن العقد المبرم بين الطرفين، وفي حالة عدم وجود اتفاق بالأتعاب تتولى المحكمة تقدير ما يستحقه المحامي من أتعاب بالنظر إلى ظروف الدعوى وقيمتها وحجم الجهد المبذول فيها والنتيجة التي حققها وبعد الاستئناس برأي نقابة المحامين وبما يتفق مع أتعاب المثل وقرار المحكمة يقبل التمييز فقط وينظر بصورة مستعجلة.
رابعا / تعتبر بدل أتعاب المحاماة من الديون الممتازة على ألا يمس هذا الامتياز الحقوق التي ينص القانون على اعتبارها ممتازة
خامسا/ مع مراعاة أحكام هذا القانون يسري على عقد المحامي مع موكله أحكام الوكالة المنصوص عليها في القانون المدني.
سادسا/ على مجلس القضاء الأعلى تسديد اتعاب الانتداب بمجرد حضور المحامي المنتدب وانتهاء دوره سواء في التحقيق او المحاكمة.
المادة ( ):-
يستحق المحامي أتعاب المحاماة وفقا لما يأتي: –
اولاً – أن لا تزيد الأتعاب المتفق عليها بين المحامي وموكله على 25% من قيمة العمل موضوع التوكيل إلا إذا كان الغرض من الدعوى الانتفاع من الحكم الذي يصدر بشأنها بأكثر مما تتضمنه الدعوى فيستحق أتعابه بالنسبة لمجموع المبلغ.
ثانياً -يستحق المحامي أتعابه عن القضايا التنفيذية وغيرها التي تقتضي تحصيل الحق.
ثالثاً -تكون الأتعاب القانونية المحكوم بها من قبل المحكمة حقا مباشراً للمحامي يستحقها إضافة للأتعاب الاتفاقية إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك.
رابعاً -الأتعاب القانونية لا تدخل ضمن أتعاب المثل إلا إذا وجد اتفاق يقضي بغير ذلك.
المادة( ): –
أولا/ يستحق المحامي الأتعاب المتفق عليها مع موكله إذا انتهت الدعوى صلحاً أو تحكيماً مع مراعاة الفترة الزمنية والجهد المبذول في الدعوى سواء كان الصلح بعلم المحامي أو عن طريقه أو بدون علمه، وإذا لم يتم الاتفاق على تحديد الأتعاب تفصل المحكمة المختصة بذلك.
ثانياً / وإذا تفرع عن الدعوى موضوع الاتفاق، دعاوى وأعمال لم تكن ملحوظة عند الاتفاق يحق للمحامي أن يطالب بأتعاب عنها.
أخيراً، على المحامي تجنب الاختلاف مع موكله على الأتعاب بالقدر الذي يتلاءم مع مقتضيات احترام الذات، ومع الحق في استيفاء تعويضٍ معقول عن الخدمات، ولا يجوز اللجوء إلى إقامةالدعوى على الموكّل إلا لمنع الظلم، أو فرض الإرادة أو الاحتيال.