19 ديسمبر، 2024 4:47 ص

ما هي الثوابت والضروريات الدينية؟!

ما هي الثوابت والضروريات الدينية؟!

الثوابت والضروريات هي الشعار الذي يرفعه البعض لتكميم الأفواه ولمحاربة كل من يناقش بعض القضايا الدينية، إذ كثيراً ما يتم مهاجمة من يناقش أو ينكر بعض القضايا الدينية بأنه قد تعرض للثوابت والضروريات، فما هي هذه الثوابت والضروريات؟ لأنني أعتقد بأننا بحاجة إلى تحديد المراد منها بدقة قبل أن نصدر حكماً على أحد بأنه قد تعرض لها.

فلو طرحنا هذا السؤال: (ما هي الثوابت والضروريات الدينية؟) وأردنا الحصول على إجابة عليه، فإننا سنجد أن هناك تناقضاً كبيراً بين ما سنحصل عليه من إجابة وبين الواقع الفعلي الذي نعيشه، فنحن نفهم من مصطلح الثوابت والضروريات أنه يعني كل ما تسالم عليه علماء الدين أو المذهب، فما تسالم عليه المنتسبين للدين سمي مسلمات دينية، وما تسالم عليه المنتسبين للمذهب سمي مسلمات مذهبية، وهذا الأمر بديهي جداً ولا يحتاج إلى إثبات. والأمور التي تسالم عليها المنتسبين للدين الإسلامي واضحةً للغاية ولا تحتاج  للتوضيح، غير أن الأمور التي تسالم عليها المنتسبين للمذهب (الإمامي) ربما تكون غير واضحة لدى البعض نظراً لبعض التشويشات التي لحقتها في الآونة الأخيرة، ولهذا سنتعرض لبيانها بشكل موجز.

إن من ضمن الثوابت والضروريات التي تسالم عليها علماء الشيعة الإمامية الأصول الاعتقادية الأساسية، وهي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، فمن ينكر أصلاً واحداً منها كالإمامة مثلاً يعد منكراً لأحد الضروريات والثوابت، بل ويعد خارجاً عن المذهب، وإن لم يكن خارجاً عن الإسلام كما لو أنكر بعض الأصول الأخرى، كالتوحيد والنبوة مثلاً التي يستلزم إنكار أحدهما الخروج عن الدين الإسلامي، وذلك لأنهما يُعدان من ضمن الأصول الإسلامية والمذهبية على العكس من أصل الإمامة الذي هو من الأصول الأساسية للمذهب فقط.

كذلك يمكن أن نقول بالإضافة إلى الأصول الاعتقادية الأساسية السابقة أن إنكار بعض المسلمات الفقهية كالصلاة والصيام والحج وغيرها يعد أيضاً إنكاراً لبعض الثوابت والضروريات الأساسية، كما يمكن أن نضيف إلى ما سبق أي أمر آخر اتفقت عليه الطائفة، إذ يمكن عده أيضاً من ضمن الضروريات والثوابت، ولكن ينبغي الالتفات إلى أن إنكار ما هو ضروري لا يعني الخروج عن المذهب في كل الحالات، إلا إذا استلزم إنكاره تكذيباً للنبي الأكرم (ص) أو لأحد المعصومين (ع)، وهذا الأمر يُبحث في محله.

السؤال الآن: هل يمكن أن نقول أن كل ما خرج عن البيان السابق لا يمكن أن يعد من ضمن الضروريات والثوابت؟! وبعبارة أخرى، هل يمكن أن نقول بأن من يناقش أو ينكر ما خرج عن الأصول الاعتقادية الأساسية (كالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد) وما خرج عن المسلمات والمسائل الفقهية (كالصلاة والصيام والحج وغيرها) وما خرج عما اتفقت عليه الطائفة من الأمور والمسائل الأخرى أنه تطرق للثوابت والضروريات؟!

بالتأكيد لا، لأنه وبحسب البيان السابق لا يعد تطرقاً للثوابت والضروريات، ولكن ويا للأسف أن هناك الكثير من الأمور والمسائل التي يعتبرها البعض من ضمن الثوابت والضروريات مع أنه لا يمكن بحال من الأحوال إدراجها ضمنها لو دققنا جيداً.

وكشاهد لكلامنا هذا نجد أنه ما إن يتفوه أحد بكلمة يناقش فيها بعض القضايا الاعتقادية الجزئية أو بعض الحوادث والوقائع التاريخية أو بعض الأدعية والزيارات إلا ويهاجم بالقول بأنه قد تعرض للثوابت والضروريات، ولا أدري كيف يكون كذلك إذا لم تكن هذه المسائل من الأصول العقائدية الأساسية أو من الضروريات والمسلمات الفقهية أو من الأمور المتفق عليها بين جميع علماء الطائفة؟!

والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء المهاجمون أنفسهم عندما يتعرض مُتعرض للثوابت والضروريات واقعاً نرى أن ردة فعلهم أقل بكثير من ردة فعلهم على أبناء جلدتهم ممن ينسبون لهم التعرض – سواءً بالتشكيك أو بالإنكار- لبعض الثوابت والمسلمات.. ألا ساء ما يحكمون !

والأغرب والأعجب من ذلك كله، أن يتصرف بهذا التصرف ويتكلم بهذا المنطق من يدعي تبحره في العلوم والمعارف الدينية، ومن يدعي تمكنه من علوم اللغة العربية والمنطق، ومع ذلك نجده لا يستطيع التمييز بين الثوابت والضروريات وبين غيرها، بل ولا يستطيع أن يُعرف الثوابت والضروريات تعريفاً منطقياً صحيحاً يراعي فيه القواعد المنطقية المعروفة، رغم أن التعريف أحد المواضيع الرئيسية التي تدرس في علم المنطق.. فيا للعجب!!

ختاماً نقول: إن مصطلح الثوابت والضروريات يُعاني من الغموض والابهام، ولهذا نحن بحاجة ماسة لتعريفه تعريفاً دقيقاً تُراعى فيه المعارف الدينية والضوابط المنطقية، وذلك لكي لا يُتلاعب به ويوظف توظيفاً سيئاً كما هو حاصل فعلاً، فهناك من تلاعب به واتخذه شعاراً يحارب تحت لواءه كل الأصوات التي لا يتفق معها في الرأي، وذلك بهدف إسكات صوتها وإخماد أنفاسها، وهذا الأمر كما لا يخفى في غاية الخطورة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات