19 ديسمبر، 2024 12:01 ص

التنافس شيء جميل يخلق بروز وتألق الاقوى من الشيئين المتنافسين .. وهي كلمة معناها قريب الى غلبة احد المتصارعين بالفوز على شيء ما جراء هذا الصراع .
مخلوقاته سبحانه وتعالى جميعها تخضع الى هذا التنافس ضمن حيز هذا الوجود الذي يحس به الانسان ..وهو احد مخلوقاته وموجوداته عزّ وجلّ بل اكرم ما خلق ويخلق ضمن هذه المعمورة . قاعدة خضوع هذا التنافس يعتمد على عقيدة الشخص اذا كان موحدا على قناعة ادراكه بأن هذا الواحد الخالق هو عادل بين مخلوقاته في توزيع او تقسيم أي هبات لهذه المخلوقات .. لأن اذ لم يكن عادل اختلت وجود ومعيار موجوداته “فسبحان الذي تنزه عن مجانسة مخلوقاته”1 .
لكل شيء راس او قمة او افضلية .. فما هو افضل التنافس ؟ مثلا هل هو تنافس تاجر مع تاجر لربح صفقة تجارية ؟ او طالب علم مع قرينه للحصول على اعلى درجات الامتحان ؟ وهما منهومان لا يشبعان 2.
وافضل التنافس ما دلنا عليه عزّ وجلّ التنافس مع العدو للانتصار عليه .. العدو الذي ليس من جنس البشر الطيني ولا جنس الملك النوراني انه من ” مارج من نار ” يرانا ولا نراه .. ننساه ولا ينسانا ..نغفل عنه ويتربص بنا ذلك من ابلس وطرد من رحمة الباري وقال تعالى عنه (( ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعوا حزبه ليكونوا من اصحاب السعير ))3 .المنافسة بين الخير والشر من ارقى الرياضات بين موجودات .. سبحانه وتعالى لأن الخير مطلق كله منه عزّ اسمه والشر ليس منه بل سلطه على مخلوقاته وفوضه الى ابليس وذريته واعوانه وان موعدهم النار وبئس المصير .. لأن الجنة التي وعد بها المؤمنون والمتقون الفائزون على اساليب الشيطان واغوائه هي احد اسباب حسده الى ادم وزجته التي طٌرد منها لتكبره عن امر .. تعالى بالسجود الى ادم فسجدت الملائكة سجود امر العبودية وابى الشيطان لأن غروره بجبلة نفسه واخذه بالقياس بان ذرات لهب النار افضل باعتقاده من ذرات الطين لجبلة جنس البشر.
فسبحان الذي جمع المتضادات في اكرم مخلوق له الا وهو ابونا ادم عليه و على نبينا محمد (صلى عليه واله وسلم ) السلام .. فعندما تتصارع القوى الاربع في الانسان :قوة نظرية عقلية ,وقوة وهمية خيالية ,وقوة سبعية غضبية , وقوة شهوية بهيمية 4 وينتصر الاول على القوى الثلاث الاخيرة تسمو الروح البشرية الى الكمال والتفاني في عمل الخير وتتغلب على الجبلة التثاقلية التي صنعت منها الاجساد الحيوانية والنباتية وكل الجمادات الاخرى في هذه المعمورة فتصبح ارقى من الملائكة التي لا تخطيء و لا تذنب ابدا بسبب صيرورتها النورانية وتصبح جميع موجودات .. سبحانه وتعالى طوع هذا البشر تكوينا وشرعا وهذا ما كان الى حبيب .. المصطفى واهل بيته الاسوة الحسنة لجميع بني البشر .
وعندما تتغلب احد الثلاث من القوى على الاولى فتصبح نفس امارة بالسوء تارة او لوامة تارة اخرى بسبب غلبة تلك القوى في النفس البشرية وبمساعدة الشيطان لها .. او تكون نفس راضية مطمئنة اذا تذكرت رحمة .. هذه الرحمة التي ما انفكت عن بني البشر اذا ما تذكر الاخير الكلمة السحرية التي تقهر الشيطان واعوانه الا وهي الاستعاذه ب.. سبحانه وتعالى .
وهذا السمو والتكامل البشري ايهما افضل في التنافس له ان يدخل الجنة او يزحزح من النار ام بشيء ارقى من ذلك ايضا وهو رضى خالقه والقرب من كماله المطلق في الدنيا قبل الاخرة وهي مخ العبودية وحقيقتها التي قال عنها سيد الموحدين5 (عليه السلام) ” الهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك”
حقيقة ..”افضل العبادة معرفة ..” ولكن درجة الوصول الى هذه المعرفة تبقى اجتهادات فردية بعد انقطاع الوحي باستشهاد خاتم النبوة وغياب الامام المعصوم ( الحجة ابن الحسن العسكري عجل الله فرجه الشريف وسهل مخرجه ) لأن عدالة .. سبحانه وتعالى لحد الان لم تطبق في الارض المستخلفة 6 والمورثة 7 الى عباده العارفين القليلين عددا.. وشدة فتن8 الشيطان بعوام البشر وكثرة حزبه .. لذا افضل العبادات والاعمال بعد معرفته جلّ جلاله هو انتظار الفرج 9 لأنه السبيل الوحيد لصهر ملكات الانسان المؤمن بالعقيدة الغيبية لخالقه وهذا الانتظار مهم لتكامل عدد ونفوس البشر التي تؤاخذ على عاتقها تحقيق العدالة الربانية التي ارادها في هذه المعمورة .
فافضل العبادات اليه سبحانه وتعالى معرفته حقيقة المعرفة .. وان كانت الرياضات العبادية والتعبدية للوصول الى هذه الحقيقة صعبة , لذا اسهل افضل العبادات هي انتظار الفرج الايجابي لا السلبي لصاحب الفرج بقية .. في ارضه والعدل المنتظر الحجة ابن الحسن (عج) .

1- دعاء الصباح لأمير المؤمنين علي ابن ابي طالب ع .
2- قول لأمير المؤمنين (( منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا)).
3- سورة فاطر اية 6.
4- كتاب جامع السعادات للنراقي ج 1 ص 50.
5- المقصود به الامام علي ابن ابي طالب امير المؤمنين عليه السلام
6- قوله تعالى (( اني جاعل في الارض خليفة …….الخ )) سورة البقرة اية 30.
7- قوله تعالى (( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون )) سورة الانبياء اية 105.
8- جزء من دعاء الافتتاح في مفاتيح الجنان (( اللهم نشكو اليك قلة عددنا وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا…..الخ)).
9- ((.. قال أمير المؤمنين عليه السلام انتظروا الفرج و لا تيأسوا من روح الله فان احب الأعمال إلى الله عز و جل انتظار الفرج …. و المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله)) , بحار الأنوار ج 52 ص 123 رواية 7 باب 22