منذ بداية التظاهرات في العراق ٬ بدى ان اهم ما يشغل الحكومة هو هتاف المتظاهرين في كل مدن العراق ” إيران برة برة بغداد تبقى حرة ” وكذلك رفع راية العلم العراقي فقط وعدم السماح برفع صورة شخصية او راية حزب من الأحزاب الإسلامية والمليشيات العديدة التابعة للحرس الإيراني. وقد جاءت أولى المحاولات الناعمة للدخول على زخم التظاهرات والتحكم بشعاراتها من مقتدى الصدر الذي جاء أنصاره وهم يحملون صوره وراياته لكن الثوار رفضوا هذا الامر مطالبين برفع العلم العراقي لكل من يدخل ساحة التحرير ليصبح الامر تقليدا في كل الساحات من الجنوب الى بغداد وتلقائيا تصدر معه شعار “بالروح بالدم نفديك يا عراق” كل الشعارات التي رددها المتظاهرون. بيد ان ذلك لم يمنع الصدر من محاولات أخرى للدخول لساحة التحرير فأرسل من اتباعه عددا باسم القبعات الزرق بحجة حماية المتظاهرين والسهر كما يقولون على سلامتهم. ورغم عدم ممانعة المتظاهرين للقبعات الزرق التي اعتبرت علامة مميزة لحزب مشارك بالعملية السياسية وهو ما لا يقبله الثوار الا انهم غضوا الطرف عن ذلك وبحذر. لكن سرعان ما ظهر للثوار ان هؤلاء لم يتمكنوا من الالتزام بوعد حماية التظاهرات حينما دخلت المليشيات باتفاق مع القوات الأمنية ونقاط تواجد اتباع الصدر لساحات التحرير والوثبة وجسر السنك التي حصلت فيها المجزرة الأخيرة لتذبح وتقتل أكثر من خمسين شابا من المتظاهرين بوحشية صدمت الشباب المتواجد الذي نجى بعضا منه في هذه الأماكن. وعندما تبين جليا للمتظاهرين ان تواجد القبعات الزرق لا فائدة ترجى منه ٬ انسحبوا من التحرير وليعودوا اليها مرة أخرى بعد ان رأوا. عزيمة المتظاهرين القوية التي لا تلين في الاستمرار والمطاولة في التظاهر والاحتجاجات تحت كل الظروف حتى تحقق كل المطالب في انهاء العملية السياسية. كل هذه المحاولات لم تحصد الفشل فقط بل انها أعطت للعراقيين قوة وعزم جماعي لمساندة كثيفة لساحات التحرير تمثلت بهبوط عشرات الاف من سكنة العاصمة لدعم استمرار التظاهرات ووصول الاف أخرى من المحافظات التي اعتبرت ان مساندة ثوار العاصمة امر أساسي لنجاح هذه الثورة مرددين “احنا حزامك يا بغداد”.
ان فشل القوة الناعمة في وضع اليد على التظاهرات وركوب موجتها تمخض عن عمليات في منتهى الوحشية واقتراف أربع مجازر متتالية ضد الشباب المتظاهر حيث هجمت عليهم المليشيات المدججة بالفؤوس والسكاكين والرشاشات لتحصدهم وهم نيام وتلقي بعضهم من اعلى كما في مجزرة السنك. بينما كان مسلسل اختطاف الناشطين وقتل المسعفين يحدث يوميا بمعدل ثلاثة اشخاص يوميا على اقل تقدير دون الكلام عن الاف المعتقلين والمخطوفين المعروفة أماكن حبسهم في سجون هذه المليشيات التي فضحها الناشطون أنفسهم ٬ سجون ليس للدولة أي رقابة عليها ولا أي وزارة او مؤسسة ٬ صفيت في هذه الاثناء غالبية المسعفات اللواتي تواجدن منذ بداية التظاهرات فقتلت تسعة منهم مع اغتيال طبيب من مجموعة أطباء الإسعافات التي تشكلت لعلاج الجرحى. لكن القتل والوحشية اصطدمت بجدار عزيمة وإصرار وإرادة المتظاهرين ومن ورائهم أبناء شعبنا الذين وكلما ازدادت وسائل الإرهاب الحكومي والمليشاوي ازدادوا تأييدا للثورة وشبابها وهبطوا تلقائيا ألوفا مؤلفة سندا وعضدا يقسمون بالعراق من اجل تخليص شعبنا من الطغمة التي تتفرج على موت وابتلاع بلد بكامله لتسلمه للمحتلين.
وبدت عملية دخول السفارة الامريكية من قبل المليشيات وقادتها للثوار انها عملية للالتفاف على الثورة وانهائها ٬ غرضها كسب عطف الشارع وخلق فوضى ومواجهة بين اتباع المليشيات وشباب ساحة التحرير تمكنهم من سحق التظاهرات وانهائها ٬ واعتبروا هذه العملية مجرد مسرحية ابتزاز إيراني مع المحتل الأمريكي. وبدل ان تكون عملية التحشيد المفتعلة امام السفارة الامريكية شيطنة للتظاهرات٬ فأنها سمحت بفرز من يثور من اجل العراق شعاره ” مو ويانا الذيل اللي دخل الخضراء” واخر محدود يتظاهر من اجل أيران ويرفع شعار “قائدنا سليماني ” و”امريكا برة برة ايران تبقى حرة” ويرفع رايات مليشيات الحرس الإيراني دون العلم العراقي.
خلال ستة عشر عاما من التفاهمات في العراق ٬ لم يعكر صفو العلاقات الامريكية – الإيرانية في العراق أي حادث يذكر بل ان كل ما جرى من تدمير وخراب فيه حصل تحت انظار ومسامع الولايات المتحدة وقبولها وفقا للاتفاقات المبرمة بينهما قبل الغزو. ومنذ بداية التظاهرات لم تبد الولايات المتحدة أي امتعاض ولم تظهر أي اعتراض على ما تقوم به المليشيات سوى تحذيرات خجولة تدخل في باب عدم احراج الديمقراطيات بسبب اعداد القتلى السلميين الذين وصل عددهم الى 1500 قتيل و23000 ألف جريح وبضعه الاف معقوق عدا المسجونين والمختطفين وهم بالآلآف والذي لم يردع المليشيات من الاستمرار في إرهاب المتظاهرين الي اليوم.
الحادث الوحيد المسجل بين الطرفين كان قبل سنوات حينما دخلت إيران الى حقول الفكة النفطية واستولت عليها خلسة لاستثمارها ووضع اليد عليها ٬ اذ أتى الرد الأمريكي سريعا في اقل من ساعتين يأمر ايران التي خرجت صاغرة عائدة خلف الحدود بصمت. هذه المرة لم تتوقع إيران بعد ايعازها للمليشيا العراقية بدخول السفارة الذي اعتقدت انه مقدمة للعملية الانقلابية في المنطقة الخضراء ٬ الرد الصاعق الذي فاجأتها به الولايات المتحدة بعملية قتل الجنرال سليماني مهندس الخراب في المنطقة ومعه أبو مهدي المهندس أحد أذرعه في العراق ورئيس مليشيا حزب الله قرب مطار بغداد. الرد لم يكن تحذيرا ولا مكالمة لإنهاء تصرفات غير مقبولة. بل صواريخ قصمت ظهرها ٬ صوبت بدقة لوضع حد لتطلعات نهمة لابتلاع العراق بانقلاب ينفذه سليماني لوضع اليد على السلطة بالكامل ومن ثم تعيين رئيس وزراء ينفذ بالحذافير مطالب القمع الوحشي لثورة تشرين التي تفجرت ضد الوجود الإيراني وارعبت الفقيه وأركان الحكم التوسعي في طهران. كما أساءت طهران تقدير رد فعل الرئيس ترامب بسبب قرب الانتخابات هذا العام ومحاولة الحزب الديمقراطي زعزعته بالإقالة. في حين رأى ترامب في هذه العملية تأكيدا لبرنامجه الانتخابي في “إعادة مجد أمريكا “وحماية مصالحها في العالم وظهوره بمظهر الصرامة والحزم والدفاع عن مصالح بلده ومكانته في العالم.
اما شباب التحرير وساحات التظاهرات في بقية مدن العراق فقد عاهدوا انهم لن يملوا ولن يكلوا من البقاء في الساحات رافعين هتافات “ايران برة برة بغداد تبقى حرة” “ولا أمريكا لا ايران” متمسكين بالمطالب في انهاء العملية السياسية واسترداد العراق وإعادته لأهله لا غير.