في الوقت الذي يحاول فيه البعض أن يصور مايحدث اليوم في العراق على أنه صراع طائفي إلا أن الحقيقة مايحدث فيه هو صراع سياسي يتكأ على مفردات وأجندات طائفية بين قوى وأحزاب سياسية وظّفت الإنتمائات الطائفية لأبناء الشعب العراقي في صراعها مع بعضها البعض من أجل الوصول الى أهداف سياسية تتمثل بالإستحواذ على السلطة السياسية والموارد الطبيعية للعراق. إلا أن إنجراف بعض العوام بوعي أو بدون وعي كالإمعات وراء الخطاب الطائفي لهذه القوى والأحزاب هو الذي نقل هذا الصراع من شاشات الفضائيات الى شوارع بعض المحافظات .
إن الدليل على هذا الكلام هو ما يحصل يوميا من اعمال ارهابية بحق شعبنا اخرها في قضاء المقدادية من قبل مجاميع مسلحة سائبة لن يتم لجمها من قبل الحكومة لاسباب معروفة ،في مقدمتها المشروع الطائفي المدعوم خارجيا وبادوات داخلية، ولم يكتفي هذا المشروع بلغة (الرصاص والموت) بل تعدى ذلك الى الخطاب الإعلامي الذي تتبناه أغلب هذه القوى (السياسية المسلحة) في كثرة إستخدام مفردة (الشراكة) بين مكونات الشعب العراقي وهي مفردة خطيرة جداً إذا تمعنا فيها جيداً لأنها تصور العلاقة بين أبناء الشعب العراقي على أنها (صفقة تجارية) وهذا غير صحيح وتدحضه قرون التعايش السلمي بين شرائح ومكونات هذا الشعب وصلات القربى والنسب والجيرة والصداقة التي تربط بين أبنائه منذ مئات إن لم نقل آلاف السنين. إلا أن هذه المفردة وفي نفس الوقت تعبر بصدق عن طبيعة العلاقة بين القوى والأحزاب السياسية التي تستخدمها والتي تُتاجر بالفعل وبشكل سافر بإنتمائات ومآسي شرائح الشعب العراقي التي تدّعي تمثيلها للإستحواذ على أكبر عدد ممكن من أسهم (مؤسسة العراق التجارية) بكل خيراتها من نفط ومياه ومعادن ومعالم سياحية أثرية ودينية والتي يجري اليوم بالفعل صراع دموي بين بعض هذه القوى في سبيل السيطرة عليها كما في البصرة.
هذه القوى لاتنظر الى العراق على أنه (وطن واحد) يعيش فيه شعب واحد ولو كانت كذلك لإستعملت مفردة (التعايش) لأنها الأنسب والأصح لوصف الحالة التي كانت ولاتزال وستبقى موجودة بإذن الله بين أبناء هذا الشعب إلا أنها لم ولن تفعل هذا لسبب بسيط وهو أن ذلك سيكون بمثابة إنتحار لها كونه سينهي دورها الذي تدّعيه اليوم على أنها ممثلة لهذه الشرائح وأن هدفها هو البحث لها عن شراكة مع الشرائح الأخرى من أبناء العراق المتعايشين أساساً مع بعضهم البعض.
لقد إستخدم السياسيون( الشيعة والسنة) الدين كسلاح لتبرير كل ما يقومون به من فساد واضطهاد وجرائم تبريرا لفشلهم في ادارة الدولة.
فالمشروع الذي تعمل هذه القوى السياسية (الشيعية والسنية) على تحقيقه في العراق هو ليس مشروعاً وطنياً لبناء دولة مواطنة يتعايش فيها الجميع ولهم فيها نفس الحقوق والواجبات بل هو مشروع يهدف لتحويل العراق الى كانتونات طائفية وعِرقية تقودها وتتحكم بها هذه القوى وتسكنها مجاميع بشرية أحادية الإنتماء يراد منها أن تكون بمعزل عن بعضها البعض ثقافياً وإجتماعياً وسياسياً والأهم إقتصادياً ولايربط بينها سوى إنها ضمن كيان إسمه العراق ربما يصار في المستقبل الى إلغائه .
لذا فالخيار الافضل للوضع العراقي هو:-
اقامة الدولة المدنية ،دولة تحترم وتحمي وتساوي بين افراد المجتمع دون النظر الى قوميتهم او فكرهم او دينهم او لغتهم او عرقهم على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات والتسامح وقبول الآخر ،بحيث تكون كافة الحقوق المدنية والتجارية مصانه ومضمونه بموجب القانون الذي تطبقه الدولة . ثم مبدأ فصل الدين عن السياسة والقانون ، اذ لا يجوز أن تتأسس الدولة المدنية بخلط الدين بالسياسة كما هو الان .
الدولة المدنية لاتعادي الدين أو ترفضه بل تحترمه وتحترم حرية الافراد في ممارسة ايمانهم . اذ أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. لكن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.ثم مبدأ الديمقراطية اذ لا بد من تطبيق الديمقراطية الكاملة والتي تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا عن طريق (التزوير) كما حصل في انتخابات 2014.
المهم في الدولة المدنية هو (المواطن) لانه هو ركيزه اساسية في الدولة بتلك الحقوق والمبادئ .ومن هنا نقول ان الدولة المدنية لاتحارب أي دين ولاتهضم حق احد في ممارسة شعيرته فالروح في المواطن امر هام للدولة، وبنفس الوقت نقول للمواطن اجعل عصبية إنتمائك للانسانية والوطن لان قداسة المعتقد ليس قانونا يفرض على الاخرين فالعقيدة اختيار وانت كائن حر.
اخي المواطن …
إن أَكثر ألم يمكن أن يواجه الإنسان هو عندما يرى وطنه ينهار أمام عينه على يد خونة وفاسدين تحت عنوان (الدين والمذهب) ،ومن واجب كل من يرغب العيش بسلام ومحبة عليه ان يدعو الى العلمانية والدولة المدنية كحل ينهي هذه الفوضى والفساد والإجرام وإستعباد الناس تحت الوصاية السياسية الدينية.