18 ديسمبر، 2024 9:12 م

ما هو الحج الأعظم في العالم؟

ما هو الحج الأعظم في العالم؟

الحج لغوياً يعني القصد، وحج المكان قصده، وعادةً يكون القصد للاماكن المقدسة في جميع الديانات، فقد سجل التاريخ تجمعات بشرية، إجتمعَ فيها ملايين الناس، أغلبها لأغراض دينية واحتفالات وطنية، وبعضها لتشييع جنازة أحد القادة الكبار، فمن هو أعظم حج في التاريخ؟

يشهد نهر “الغانج” كل اثني عشر عاما ممارسة دينية تسمى “كومبه ميلا” يتجمع فيها الملايين من الناس وقد وصل العدد في عام 2001 الى 25 مليون إنسان، حضروا طوال شهرين من الاحتفالات لممارسة طقوس عبادية تقليدية، ويعد أكبر تجمع بشري سجل في التاريخ.

هناك تجمعات بشرية فاقت العشر ملايين إنسان، منها تشييع جنارة السياسي المغمور “سي إن أنادوراي” في ولاية “تامل نادو” الهندية، والذي مات نتيجة إصابته بمرض السرطان عام 1969، إذ وصلت أعداد المشيعين إلى أكثر من 15 مليون، كذلك شهدت جنازة الإمام الخميني حوالي 12 مليون مشيع، حسب أرقام جينيتس.

العراق يشهد تجمعاً سنوياً بمناسبة أربعينية الإمام الحسين، وهي مناسبة دينية مقدسة عند المسلمين، جاءت نتيجة مقتل الإمام الحسين سبط الرسول الأكرم وسبي عيالهِ من قبل حكام بني أمية، وهي ممارسة خاصة بالمسلمين من كل العالم، لكن هذه السنوات الأخيرة شهدت إقبالاً متزايداً من قبل كل الطوائف “سنة وشيعة ومسيحيون وصابئة وإيزيديين”، واللافت للاهتمام أن زيارة هذا العام إقترنت بوصول جنازة المستشرقة الفرنسية “ماري بيير فالكون”، لتدفن في طريق الزوار بناءاً على وصيتها.

مخاطر هذه الزيارة ليست هينة، فالتفجيرات والقتل المستمر مرافق للزيادة في كل عام، وحصد عشرات الآلاف منهم، لكن ذلك لم يثني هؤلاء الحجاج الى مقصدهم المقدس، فأعداد الزائرين والسائرين على الأقدام خلال أسبوعين، وصلت إلى عشرات الملايين من الناس، وتخطت العشرين مليون زائر عام 2014، وفي هذا العام وصل العدد الى حوالي 14 مليون زائر، ولما ينتهِ وقت الزيارة بعد.

تنظيم هذه الكتلة البشرية العظيمة، ليس طبيعيا أبدا، إذ لم نشهد أي حادث تدافع أدى إلى الوفاة، أو مشاكل ملموسة بين هؤلاء الزائرين وخُدامهم، بينما نجد أن حوادث التدافع حصدت ألاف الأرواح في مكة المكرمة وحدها، ولا يتجاوز حجاجها المليوني حاج، وحوادث المعابد كمعبد “ساباريمالا” ومعبد “شاموندا ديفي” إذ سُحق الضعفاء وقُتل الآلاف من الأطفال والنساء والرجال، بسبب عدم التنظيم والفوضى التي رافقتهم.

زائرو الإمام الحسين الآمنون “الا من إرهاب التكفير” ومن كل دول العالم، يأكلون ألذ أنواع الطعام مجاناً، ويستخدمون أفضل ما موجود من مرافق خدمية في طريقهم، وتفتح لهم جميع أبواب المنازل بلا إستثناء، وبدون تمييز مذهبي أو قومي، وخُدامهم في ازدياد وتنوع من حيث تقديم الخدمات المجانية من مسكن ومأكل ووسائل راحة تتخطى كل التوقعات والتقاليد الاجتماعية العالمية.

كل طبقات المجتمع شاركت في الزيارة، بين خادم ومخدوم، بينها المعلم -المهندس -الطبيب -الأستاذ الجامعي –الوجيه- رجل الدين- وشيخ العشيرة، فأين ذهب كبرياء هؤلاء؟ وكيف ذابت شخصياتهم بين جموع الزُوار؟

الأدهى من ذلك أن الفقراء هم من يقوم بالخدمة قبل الأغنياء، وأن اشتياقهم لموعد الزيارة هو الأكبر، فما هو سر هذا العطاء الجزيل مع شح المال وفاقة الحال؟ وما هو سبب هذه الخدمة وبشكل لا مثيل له في تاريخ الإنسانية؟

على سبيل المثال، هناك موكباً لخدمة الزوار، ينادي صاحبه بالزائرين: “تغدى يا زائر وخذ مائة دولار”، فأي خبل هذا وأي جنون؟ أين العولمة من هؤلاء المبذرين؟ وأين الرأسمالية العالمية من هذا الإنفاق المجاني؟

كل تلك الحقائق والأرقام تجعل هذه الزيارة ليست لفئة ولا لطائفة ولا لوطن أسمه العراق، حتى وإن كانت أعلامه المرفوعة أثناء الزيارة هي الأكثر، وزواره وخُدامه هم الأكثر، والسبب لأنها أصبحت عالمية، وكما وصفتها صحيفة “الاندبندنت” اللندنية وقالت “بأن العراقيين من خلال هذا التجمع المليوني اثبتوا تعلقهم بوطنهم ، وأن زيارة الأربعين مكرسة للسلام، وهي الحج الأعظم في العالم.