كتبنا في مقالات سابقة أن التطرف ظاهرة معقّدة ناتجة بسبب اشتراك عدة عوامل وأسباب منها عوامل نفسية وثقافية وسياسية واقتصادية حيث اشتركت هذه العوامل لتشكل ظاهرة التطرف والإرهاب التي طالما اعتمدت على الطائفية والعنصرية والعنف والقتل ومحاولة إلغاء الآخر في تحقيق أهدافها ، وقلنا يضاف لذلك العلاجات الخاطئة التي زادت من حدة التطرف مثل الاعتماد على الوسائل العسكرية فقط دون البحث عن علاج المشكلة من الأساس ، ولو بحثنا على أساس الإرهاب والتطرف الذي ارتكب باسم الدين والإسلام سابقًا ولازال يرتكب اليوم أروع المجازر والجرائم في العراق وسوريا ومصر وليبيا وباقي البلدان ، لوجدنا أن هذه الأعمال خارجة عن الإطار والمنهج العام للدين الإسلامي, وهذا ما جعل الكثيرين يتساءلون عن مصدر وأصل التشريع الذي يغذي عقيدة الإرهاب والدواعش على وجه الخصوص بحيث جعلهم يمارسون تلك الجرائم التي صبت بشكل خاص على المسلمين وأهل الإسلام قبل غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى ؟.
وللجواب على هذا السؤال نقول: إن هؤلاء الشرذمة المارقة الخارجة عن الإسلام يستمدون فكرهم المنحرف وعقيدتهم الفاسدة وشرعيتهم الإجرامية عبر طريقين :
الأول هو من سيرة السلاطين والقادة والخلفاء الذين يزكيهم ويقدسهم أئمة وشيوخ الدواعش والذين هم بالأساس شذوا شذوذاً واضحاً عن الإسلام ونسبوا أفعالهم وجرائهم إلى الإسلام, وخير شاهدٍ على ذلك هو ما ذكره ابن الأثير مِن الأحداث ومجريات الأمور في بلاد الإسلام المتعلِّقة بالتَّتار وغزوهِم بلادَ الإسلام وانتهاك الحرمات وارتكاب المجازر البشريّة والإبادات الجماعيّة، ففي الكامل10/(260- 452): قال ابن الأثير: {{[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (624هـ)]: [ذِكْرُ نَهْبِ جَلَالِ الدِّينِ بَلَدَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ]: فِي هَذِهِ السَّنَةِ(624هـ) قَتَلَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ أَمِيرًا كَبِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ جَلَالِ الدِّينِ, وَكَانَ قَدْ أَقْطَعَهُ جَلَالُ الدِّينِ مَدِينَةَ كَنْجَةَ وَأَعْمَالَهَا، وَكَانَ نِعْمَ الْأَمِيرُ، كَثِيرَ الْخَيْرِ، حَسَنَ السِّيرَةِ, يُنْكِرُ عَلَى جَلَالِ الدِّينِ مَا يَفْعَلُهُ عَسْكَرُهُ مِنَ النَّهْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّرِّ, فَلَمَّا قُتِلَ ذَلِكَ الْأَمِيرُ، عَظُمَ قَتْلُهُ عَلَى جَلَالِ الدِّينِ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَسَارَ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، مِنْ حُدُودِ أَلَمُوتَ إِلَى كَرْدَكُوهْ بِخُرَاسَانَ, فَخَرَّبَ الْجَمِيعَ، وَقَتَلَ أَهْلَهَا، وَنَهَبَ الْأَمْوَالَ، وَسَبَى الْحَرِيمَ، وَاسْتَرَقَّ الْأَوْلَادَ، وَقَتَلَ الرِّجَالَ، وَعَمِلَ بِهِمُ الْأَعْمَالَ الْعَظِيمَةَ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ, وَكَانُوا قَدْ عَظُمَ شَرُّهُمْ وَازْدَادَ ضُرُّهُمْ، وَطَمِعُوا مُذْ خَرَجَ التَّتَرُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْآنِ، فَكَفَّ عَادِيَتَهُمْ وَقَمَعَهُمْ، وَلَقَّاهُمُ اللَّهُ مَا عَمِلُوا بِالْمُسْلِمِينَ}}.
وهنا يعلق أحد العلماء المحققين المعاصرين على هذا المورد حيث يقول ((التفتْ: نساء، أطفال، شيوخ، رجال، كلُّ شيء مباح!!! كلّ ما في البلاد مباح ومباد!!! وانتهت البلاد والعباد وصارتْ أثرًا بعد عين بفتوى تكفيريّة لمنهج ابن تيمية وبيد سلطان ظالم فاجر!!! فهل هذا إسلام؟!!! وهل هذه إنسانيّة؟!! وهل هذه أخلاق؟!! ـ ولاحِظ أيضًا أنّ ابن الأثير في بداية كلامه سَجَّلَ مَكْرَمة وفضيلة للأمير لأنّه كان يُنكِر على جلال الدين ما يقوم به مِن أعمال سلب ونهب وشرّ. ـ لكنّه سرعان ما جعل أعمال الشرّ والقبائح، التي يفعلها جلال الدين، مِن الفضائل والكرامات لجلال الدين المجرم القاتل!!! ـ قال: {فَخَرَّبَ الْجَمِيعَ، وَقَتَلَ أَهْلَهَا، وَنَهَبَ الْأَمْوَالَ، وَسَبَى الْحَرِيمَ، وَاسْتَرَقَّ الْأَوْلَادَ، وَقَتَلَ الرِّجَالَ، وَعَمِلَ بِهِمُ الْأَعْمَالَ الْعَظِيمَةَ}، لا استنكار ولا اعتراض له أبدًا على هذه الأفعال الشنيعة والإبادة الجماعيّة للإنسان والإنسانيّة، بل أكثر مِن ذلك، فهو يبارك لجلال الدين الفاسق الإرهابي القاتل ما فعله حيث قال {وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ، فَكَفَّ عَادِيَتَهُمْ وَقَمَعَهُمْ، وَلَقَّاهُمُ اللَّهُ مَا عَمِلُوا بِالْمُسْلِمِينَ}!!! ويقال: مِن أين للدواعش التشريع والتأصيل في قتل الناس وإبادتهم جميعًا؟!!))…
أما الطريق الثاني الذي يأخذ منه الدواعش تشريعهم في قتل الناس وهو نبيهم وإمامهم ومصدر تشريعهم الأوحد الذي بات كلامه مقابل كلام الله وسنته وفكره مقابل سنة النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” والصحابة والخلفاء الراشدين, حيث جعلوا ابن تيمية هو مصدر التشريع عندهم ومنه يأخذون شرعيتهم في القتل والإبادة والفكر المنحرف الضال المضل والذي هو بالأساس كان المصدر الرئيسي لعقيدتهم الدموية التكفيرية الإرهابية وهو من زكى لهم هؤلاء السلاطين المنحرفين, حتى صاروا جميعاً سبة على الإسلام والمسلمين .