قبل أيام تملكني العجب والأسف وأنا أشاهد على قناة الشرقية برنامجاً للإعلامي علي الخالدي عرض فيه تفاصيل جريمة بشعة قامت فيها المتهمة بقتل طفليها الرضيعين التوأمين.
حلقة البرنامج هذه التي روّجت لها القناة على مدى أيام قبل موعدها عرضت مسرح الجريمة في سطح دار العائلة حيث وضعت المتهمة طفليها في خزان الماء ليموتا غرقاً، وعرضت المتهمة وهي تعترف بجريمتها بلسانها، ولم يقف البرنامج عند هذا بل صورت عدسته غرفة نوم المتهمة وحاورت زوجها ووالد زوجها ووالدته بشأن ظروف الجريمة وما يحيط بها .
والغريب أن مقدم البرنامج جعل نفسه محققاً حين راح يستجوب المتهمة وهو يتصفح ملف (بوكس فايل) على أنه ملف القضية في مشهد تمثيلي بائس !.
في البدء ظهر الخالدي وهو يطلب من مدير شرطة مكافحة الإجرام في المدينة أن يستأذن له قاضي التحقيق ليتمكن من اللقاء بالمتهمة، فكان له ذلك !، ومضى لاستجوابها والشهود في القضية.
لا أدري كيف أذن القاضي لمقدم البرنامج بتصوير المتهمة وإعلان هويتها وعرض أقوالها أمام الرأي العام والقضية ما تزال في طور الإتهام ولم ينتهِ التحقيق بعد.
أصول التحقيق تتطلب عدم التأثير على المتهم.
والأصل في التحقيق أن يكون سرياً ولا يسمح بحضوره أو الإطلاع على أوراقه لغير الإدعاء العام وأطراف القضية ومحاميهم ، ولا يسمح باستنساخ أوراقه إلا بإذن القاضي المختص.
وقضية كهذه، تمس سمعة أسرة يجب أن لا تكون وسيلة للإثارة وكسب مشاهدي قناة تلفزيونية.
وفي قضية كهذه أول ما يحتل اهتمام القاضي اللبيب دراسة الحالة النفسية والعقلية للمتهمة بمساعدة الأطباء لأن من غير الطبيعي أبداً أن تقتل أم طفليها الرضيعين، ولذلك لا ينبغي التسرع وإظهار المتهمة بمظهر الشيطان، فقد تكون مختلة عقلياً، وعندها تنتفي مسؤوليتها، فلماذا هذا التجاوز والتسرع؟.
لا ننكر أن عرض الجرائم ضمن حدود ليست ضارة يساهم في التوعية والوقاية من الجريمة، ولكن على الإعلامي أن يفهم حدود دوره في توعية كهذه ولا يتخذ آلام الناس سبيلاً إلى الإثارة والشهرة، وعلى المحققين أن يستوعبوا الأصول التي وضعها القانون لمنع التأثير على العدالة.