ما هكذا تجري الأمور يا هندُ !

ما هكذا تجري الأمور يا هندُ !

يتردد اسم (هند) كثيراً ، لدى مسامعنا ، ويستفزنا نوعا ذلك الصوت الذكوري الجهوري عندما ينادى بصوت عال: يا هند ؟ يتميز هذا الاسم الأنثوي،بصفات متعددة غير متجانسة متنافرة ، متنقاظةالواحدة ضد الأخرى،  تجمع بين القوة والصلابة ، والرقة والابتسامة، والعصبية والخشونة ( سليطة اللسان ) .

    ـلـــــــ (هند) ، معانٍ عدة، بعيداً عن دولة الهند، فهو علم مؤنث في لغتنا العربية، تعود جذوره إلى قدماء العرب، ، يعني: الإبل والسيف والجمال والفتاة القوية الصبورة ذات التأثير والجاذبية.

   ارتبط هذا الاسم بالقوة والنفوذ ، واتخذ اسماً مميزاً عند نساء أعيان قدماء العرب. فهو اسم عريق في القدم، تسمى به الأوائل منذ العصر الجاهلي، مثل)  هند بنت الخس(،  و) هند بنت عتبة  زوجة أبوسفيان بن حرب القرشي، التي زاد حقدها على الإسلام والمسلمين بعد معركة ( بدر) ، التي قُتل فيها والدها عتبة بن ربيعة، وأخوها الوليد بن عتبة ، وعمها شيبا بن ربيعة، إذ؛ قامت في معركة (أحد) ، بتجنيد (الوحشي بن حرب الحبشي) من أجل قتل الحمزة بن عبد المطلب (ع) عم النبي محمد (ص) ، وبعداستشهاده، تقربت من جثمانه الطاهر، فشق الوحشيصدره ، وأخرج كبده ، وبادرت بمضغه حسب الروايات.

    ونعود الى هندنا؛ ففي كل صباح أتوجه الى عملي، وأكون مجبراً، أن اتصبح بـــــــــ (هند) ولاأعني من تحمل الأسم ، بل المقصود من تحمل صفات ( هند) من تتقمص الشخصيات المتعددة بين السلام والثورة ، فتجدها تارةً، ربيع ممطر جميل، ثم، تتلبد بعد ذلك بالغيوم والرعد والعواصف ، تجدها معسولةالكلام، ذا ابتسامة وطيبة ، ثم تتحول بقدرة  قادر؛ الى صياح ورعيد وزهيق، وحقد وسموم تتناثر من ( أفعىالكوبرا ) نحو كل حد وصوب.

  لقد قرر عقال الرجال، بتجنب التصعيد معها، خوفاً ، أن ينالهم شرار نار عينيها، أو يصلهم المقسوممنها، أن زاد وطيس الحرب بينهما ( سلاحها المعروف– صنع في الصين) بالرأس أو العينينويصبح مشلول مقعداً في كثير من الأحيانيتجاهل عقال الرجال الكلام معها، ويلتزمون الصمت (صم بكم ) خوفاً من ثورة بركانها في بحرها الهائج ،ليطلق حممه ُالحمراء لكل من يمر بقربه ، أو يحرق الأخضر واليابس من حوله .

   أما للجانب الثاني لـــــ ( هند) ؛ فهي الحسناء الجميلة ذات الشخصية القوية، الفانتة المعسولة اللبقة المتكلمة، هي: المحامية، المعلمة، الشاعرة، والمهندسة، الطبيبة، هي الأم ،الأخت والبنت.  

   فنذكر، بعض قصائد الشعراء من تغزلوا في (هند) ، ومنها قصيدة الشاعر الجاهلي ( بشار بن برد) في قصيدة ( طال في هند عتابي( التي نستعرض بعض أبياتها:

طال في هنْدٍ عِتَابي واشتياقي وطلابي    واخْتلاَفي كُلَّ يوْمٍ بمواعيد كذاب

أرهقت هندٌ حياتي ما لهنْدٍ منْ مَتَاب    ناله الله بسقمٍ شاغلٍ أو بعذاب

دنفٍ في حبِّ هنْدٍ ذي شكاة وانتحاب   دخل الْحُبُّ لهنْدٍ قَلْبَهُ منْ كُلِّ باب

ثم رائعة شاعرنا الكبير المرحوم كريم العراقي في قصيدة ( هند) :

هند وما أدراك ماهند  يشتاق شم عبيرها الورد      فالورد بعد ربيعه يذوي وربيعها ليس له حد

في بحر عينيك تأملت فامتد يقلع زورقي المد     ما أبدعت كقوامك شام ما أنجبت كعيونك نجد

يابسمة مرسى لها شفتي يا دمعة ميناؤها الخد   إلى متى يا قلب نحترق لو تدري ما حل بنا هند ؟

   ونختم مقالنا بـحكاية (هند بنت النعمان ) طليقة(الحجاج بن يوسف السقفي) وزوجة الخليفة الأموي (مروان بن عبد الملك) بعد طلاقها، فقد ، كانت إحدى نساء العرب المشهورات بالجمال والحكمة والفطنة،تزوجها ( الحجاج بن يوسف الثقفي)، فكرهته ، وتثاقلت منه وذات يوم ، وهي تداعب خيوط شعرها، أمام المرآة محدقة في وجهها الجميل، وعيونها الأخاذة ، فأنشدت تقول:

وما هند إلا مهرة عربية      سليلة أفراسٍ تحللها بغل
فإن ولدت فحلاً فللّه درها    وإن ولدت بغل فوالده البغل

  فلما سمعها الحجاج، طلقها، وبعث لها مائتي ألف درهم، فأهدته لمن أوصله لها، إكراما له لأنه بشرهابطلاقها منه ، ولما سمع بها الخليفة (مروان بن الحكم)، طلب الزواج منها، فاشترطت على الخليفة ، بأن يقود هودج الزفاف ( الحجاج) ، لتذل زوجها السابق، فحقق له الخليفة مطلبها ، وهي ضاحكة تترندح في هودجها، والحجاج يقود البعير الى عريسها الجديد الخليفة (المروان بن الحكم)، وما أمكرك ، يا ( هند) ! وكفانا شرك وخيرك في الدنيا والآخرة.