23 ديسمبر، 2024 6:42 ص

ما نوع الكارثة التي حلّت بالبلد ؟!

ما نوع الكارثة التي حلّت بالبلد ؟!

لا نبالغ إذا قلنا ، أن البلد قد دخل عمليا مرحلة الإحتضار أرضا وشعبا ، ويحدّثنا التاريخ عن كوارث طبيعية هائلة حلت بالكثير من البلدان والأقاليم في العالم الجديد والقديم ، إما بسبب نيازك ، أو فيضانات أو قحط ، أو إنفجار براكين ، أو زلازل كبيرة لا يصمد أمامها الإنسان ، فمهما بلغت قوته بالتسلح بالتكنولوجيا ، لا يستطيع مواجهة قوى الطبيعة الجبارة التي لا قبل له بها ، ويحدّثنا القرآن الكريم ، وسائر الكتب السماوية ، عن أقوام قديمة سادت ثم بادت بسبب كوارث من هذا النوع ، يحدّثنا القرآن والعهد القديم ، كيف غزا الجراد والضفادع والقُمّل أرض مصر بسبب سوء تصرّف فرعونها الذي (إستخفّ قومَه فأطاعوه) ، وهنالك الأرض التي جعل الله عاليها سافلها ، منهم مَن إقتلعتهم الريح الصرصر ، ومنهم مَن أخذتهم الصيحة ، وغيرها من الكوارث .

ولكن ما حصل من كوارث في بلد إسمه العراق ، وعلى يد حكومته مع سبق الإصرار ، فهذا شيء جديد ! ، فسبعة عشر عاما من القحط والتخلف والسرقات الفلكية التي يقف أمامها العالم متعجبا من حجمها ، ما حصل من تهريب لشلالات من الثروات والأموال ليس لها مثيل من هولها في التاريخ ، ولو حدثت في بلد آخر ، لسقط منذ زمن بعيد ، لكنه بلدنا الذي نتبجح على أنه غني ! ، حتى أزفت ساعة السقوط ! .

لا توجد حكومة في التاريخ ، تحكمها عدة لوبيات على شكل عصابات ، تُهمل في بلدها الزراعة ، لتُجبَر على الإستيراد وهو من أخصب بقاع الأرض تجري من تحتها الأنهار ، ومثلها الصناعة ، فقد توقفت حتى علا عجلاتها الصدأ ، وتُهمَل فيها صناعات القطاع الخاص ، لتفرّخ جيوشا من العاطلين عن العمل ، لا توجد حكومة على وجه الأرض ، تُصدّر نفطها ، لتستورد مشتقاته من دول الجوار بأضعاف ثمنه بعد أن ختمت تلك الحكومة صناعتها النفطية بالشمع الأحمر ! ، ونفس الشيء ، تمورنا التي كنا نفخر بها ، نصدّرها لتعود إلينا معلّبة !، لا توجد حكومة كحكومتنا ، تفتح بوابة جهنم على شعبها ، تلك التي يسمونها نافذة بيع العملة ، إلى المرتشين والفاسدين والمهربين والمزوّرين من المضاربين وأصحاب المصارف ، ليُرفع الغطاء عن العملة المحلية ، فتدمرت وهذه نتيجة منطقية يعرفها حتى بائع الرّقي مع إحترامي لمهنته ، وبقيت هذه الأبواب مشرعة حتى الساعة رغم صيحات الإستغاثة التي تصدر من غالبية الشعب المتضرر منها ، وبلغ نفاق “الكتل” السياسية ، أن تعترض على مشروع تخفيض العملة في البدء ، لأنها أرادت أن تستقطب ما يمكن إستقطابه إلى دكاكينها ببضاعتها البائرة ، وهم من أعطى الضوء الأخضر بعد أمر دبّر بليل ، وهم الآن يباركون هذه الكارثة لأنها ضرورية لبث الحركة الإقتصادية (!!!) ، ولتشجيع المواطن على إقتناء المنتوجات المحلية على حد تعبير وزير المالية ، ولا أدري ما هي هذه “المنتوجات” ، فرجل (هارفارد) هذا ، شأنه شأن العالم النووي (حسين الشهرستاني) ، صاحب واحدة من أكبر الكوارث التي حلّت بالبلد والمتمثلة بإنشاءه لمحطات الكهرباء الغازية ، وهذه جريمة إستراتيجية ، وصاحب جولات التراخيص السيئة الصيت ولا ندري ماذا دهاهم وهم خريجو أرقى الجامعات ! ، ألعن مبدأ (التكنوقراط) ، إن كانوا على هذه الشاكلة الكارثية ، الأمر لا يعني الطبقة الحاكمة المتعفنة أصلا ، فلم يشاركهم بمباركة هذه الجريمة إلا (شايلوك العصر) المتمثل بصندوق النقد الدولي ، فأغرقوا البلد بالقروض ، لأنهم على علم ، انهم لن يكونوا في البلد الجريح حين يحين دفع الثمن ، فما تلبث أن تعود هذه الجرذان إلى جحورها التي أتت منها ، هكذا رهنوا مستقبل هذا البلد وكبلوا أجيالا بأكملها ، ويبدو أن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم حُكام ولا أحتاج إلى برهان ، قد أتوا لتدمير البلد وتكسيره وتفتيته وبيع أشلاؤه بأرخص الأثمان ، فلكل منهم ملجأه الآمن الذي سيقفز إليه كالبرغوث بعد أن يملأ بطنه بالدم ، وكان لهم ما أرادوا للأسف الشديد ، وعتبي على تلك البلدان التي منحت جنسيتها إلى كل لص ومتخلف وإمّعة وزعيم عصابة ، وتدّعي بأنها راعية لحقوق الإنسان ! .

لا توجد حكومة ، تتولى الحكم في بلد مهدّم ، لم تقم بتبليط شارع واحد ، أو رصف طابوقة واحدة ، وأهملت كل البُنى التحتية من ماء وكهرباء ، رغم توفّر الأموال قبلا ، قام الحمقى بشراء الغاز اللازم لتشغيل محطات الطاقة من إيران ، وصرنا تحت رحمتها ، والبلد يحرق الغاز الناتج عن التكرير في الهواء ! ، أهملت التعليم الحكومي لتتوجه إلى تأسيس مدارس أهلية لا يتحمّل نفقاتها الفقير ، هدّمت المدارس بحجة تحديثها ، لكنها تحوّلت إلى مكبات للنفايات التي ضاق بها البلد ، وبدلا من ذلك ، إرتفعت بنايات المولات حتى ناطحت السماء ، لأنها مشاريع إستثمار لدى مافيات السياسة ، لا توجد حكومة ، تُحتلّ نصف أرضها من قبل بضعة صعاليك ، ولديها جيش بميزانية مليارية ! ، البلد الوحيد الذي يعمل بقاعدته الذهبية ، لا يمكن أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب !.

هكذا دُفِنَ الشعبُ حيا ، وإختنقَ وكُتِمَتْ انفاسه ، ووصل ألمه ويأسه للنخاع ، فكان لا بُدّ أن يثور ، وهنا أطلّ نفاق الدولة برأسه ، فجميع المشتركين بالجريمة من السياسيين أعطوا مشروعية لخروج الجماهير ، رغم إنها تهدد عروشهم فبسببهم خرجت جماهير تشرين ، لكنهم في ذات الوقت ، إنبروا للمتظاهرين قتلا وإرهابا وسجنا وإغتيالا وخطفا ، بعد أن تفتقت الذهنية الخبيثة للحكومة عن فكرة (الطرف الثالث) ، لتنشرَ عليه كل غسيلها الوسخ وممارساتها اللاإنسانية ضد الثورة ، وبنفس الوقت وعدت بالإصلاح والكشف عن قَتَلة المتظاهرين ، ولكن ، لا هذا حدث ، ولا ذاك ، لقد وعدوا فأخلفوا ، وإتُمِنوا فخانوا ، وحدّثوا فكذبوا ! ، أليس هذا النفاق بعينه ؟ ، لك الله أيها البلد الجريح المحتضر .