18 ديسمبر، 2024 4:08 م

ما موقف العرب من الانتخابات التركية

ما موقف العرب من الانتخابات التركية

التقلبات السياسية التي أتبعها اردوغان مع العرب ولدت شكوك في نواياه السياسية خصوصاً عند القيام بمساعدة المعارضة السورية ثم انقلب عليها، وكذلك مواقفه من ليبيا وارسال الميليشيات لاطماع سياسية، ومساندته للاخوان المسلمين في مصر ثم تخلى عنهم عندما اراد الصلح مع السيسي، وهناك مواقف كثيرة له غير صادقة مع العرب وخصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية واسرائيل، ومثل هذة المواقف بالتأكيد أفقدت الكثير من مصداقية اردوغان في تعامله السياسي مع الاخرين وجعلت الكثير لا يتعاطف معه عندما تكالب الغرب وامريكا على اسقاطه، ولكن هناك من يقول ان تقلباته السياسية تصب في مصلحة شعبه وفق النظرة البراغماتية التي تتبعها كثير من الدول، بينما الاسس السليمة للعلاقات الدولية تؤكد ان المصالح الوطنية يجب ان تكون مشروعة وليس على حساب الاخرين .. ومع ذلك هذا لا يعني انه غير مخلص لبلادة بل عمل جاهداً من اجلها ومن اجل شعبه .. ولكي نضع حد فاصل ما بين الموضوعية والعاطفة، وايضاً من باب الانصاف والمنطق نجد ان الرجل خدم بلادة ونهض بشعبة وتقدمت تركيا اقتصادياً خلال فترة حكمة ووضع اللبنات الاساسية لتركيا الجديدة للتخلص من اخطر أرثين تكبلت فيها تركيا منذ الحرب العالمية الثانية حيث استطاع أردوغان أن يقضي على سيطرة الجيش على الحكم ويعزل القادة العسكرين عن ممارسة أي دور سياسي بعد أن كان رئيس أركان الجيش هو الحاكم الفعلي للبلاد .. وكذلك تمكن اردوغان من تحجيم ارث الدولة العلمانية التي صنعها أتاتورك المعادية للاسلام واستبداله بنظام جديد يختلف سياسياً واجتماعياً واقتصادياً من خلال نهضة علمية واقتصادية وتكنولوجية حقيقية، وجعل قوانين الدولة على مسافة واحدة من الأديان، فأردوغان لم يتبنى منهج الأصولية الإسلامية في الحكم كما اشار الدكتور فائز الدويري ولكنه أوقف الكثير من أشكال الاضطهاد والإقصاء التي عانى منها الإسلام تحت وطأة العلمانية الأتاتوركية المناهضة للدين بكل تجلياته، بدءاً من العقيدة، وانتهاءً بالمظاهر السلوكية، ومروراً بالشعائر التعبدية .. لذلك أدرك أردوغان أن الإسلام لا يحتاج إلى حكومة تتبناه وقوانين تفرضه، بقدر ما يحتاج إلى نظام حكم عادل لا يمارس التمييز أو الإقصاء ضده فألغى تباعاً وبحذر بالغ القوانين التي تفرض القيود على الإسلام مثلما الغى مطار اتاتورك وجعله حديقة عامة وبنى بدله مطار اسطنبول الذي يعد من اكبر المطارات العالمية، وايضاً اشار الدكتور فائز ان اردوغان لم يغلق بيوت الدعارة ولكنه سمح بإنشاء المدارس الدينيه، ولم يُجَرِّم الإلحاد ولكنه سمح بتحفيظ القرآن وفتح الباب واسعاً على مصراعيه لشتى العلوم والمعارف، ولم يفرض الحجاب ولكن سمح للمحجبات بدخول المدارس والجامعات .. اي أطلق اردوغان سراح الدين ولم يعتقل العلمانية تاركاً القيم والمبادئ والمعتقدات والأفكار تتفاعل مع المجتمع حتى عادت روح الإسلام وقيمه ومبادئه تسري في الجسد التركي .. وهذا هو جوهر التغيير الذي حصل في عهد اردوغان دون سفك قطرة دم.
بينما منافسه كمال كليجدار أوغلو الذي ولد في عام 1948 في بلدة ناظمية بولاية تونجلي لعائلة تنتمي الى الطائفة العلوية وتعود اصولها الى خراسان في ايران لذلك افتخر بنصيريته علناً، وأكيد سوف يضع تركيا رهينه تحت امرة ولي الفقيه في ايران لكي ينتقم للثورة النصيرية في تركيا التي اجهضت في عام 1940 لهذا لم يخفي عدائه للاسلام السني ووعد باعادة تركيا الى عهد اتاتورك، وهدم ما تحقق في تركيا مالم يتمكن اتاتورك من هدمه، واكيد سوف يعيد أيا صوفيا أهم صرح اسلامي في تركيا كما كانت في عهد أتاتورك، كما اظهر نيته عند فوزه في اعادة العلاقات الدبلوماسية مع بشار الاسد واعادة اللاجئين السورين ليلاقوا مصيرهم على يد جلاد سوريا، وايضاً وعد بالتقارب اكثر من الكيان الصهيوني على حساب العرب والمسلمين ..
واخيراً لابد وان نذكر ما جرى في الانتخابات الفرنسية الاخيرة التي خاض فيها ماكرون منافسة شديدة مع مارين لوبان وكان اغلب العرب والمسلمين مع ماكرون لانه لم يكن هناك خيار في التفضيل ما بين السيئ والاسوء لان لوبان لو فازت لكانت هناك كارثة على العرب والمسلمين، لهذا لا خيار من دعم اهون الشرين في الانتخابات التركية لان اردوغان مهما فعل لم تكن له روح انتقامية مثل كليجدار أوغلو الذي وعد بالعودة الى الحقبة العلمانية الاتاتوركية، وهدد بخلع الحجاب عن حرائر تركيا واغلاق مدارس تحفيظ القرآن وهدم المظاهر الاسلامية ووضع تركيا في حالة مجابهة مع روسيا لصالح امريكا والغرب وبالتأكيد سوف يكون له موقف معادي للعرب، كما ان التوجهات الغربية وعلى رأسهم امريكا يجهرون في الوقوف ضد اردوغان ودعم فوز أوغلو لان هدفهم ترجيح كفة القوى المناهضة للاسلام.