18 ديسمبر، 2024 7:52 م

كثرت الانتقادات في الجلسات العامة السياسية و الاجتماعية وحتى العائلية في العراق وكثرت معها التظاهرات خصوصا في الوسط والجنوب العراقي بدأً بالبصرة التي تجتاحها ثورات غضب الشباب الباحثين عن مستقبل واعد وجديد في وطن يتداول ذكره في المحافل العالمية على انهم ابناء ارض اقدم حضارات العالم في التاريخ ، وهم محقين في غضبهم نتيجة الفشل المتكرر لخمسة حكومات ما بعد 2003 ، وقد تحرك شباب الوسط و الجنوب العراقي دون مشاركة المحافظات الشمالية لكون ان المحافظات الشمالية العربية منكوبة اصلا ومدمرة وغارقين في المشاكل الامنية مع الحكومة المركزية وفي البحث عن ما يساعدهم على اعادة اعمار منازلهم و مؤسساتهم الخدمية و الحياتية وهذا كان من افضل الاجراءات الناجحة للحكومة في طرق غلق باب الازعاج المتكرر لتلك المحافظات لحكومة بغداد الفاسدة ، اما المحافظات الكردية فهي غارقة في بحر التنسيق للرقي بمستواها في بناء كيانها واستحقاقها كدولة بعد الفشل الذي عانته نتيجة التسرع في التجربة الماضية . مما سبق ذكره لا بد لنا من التفكير والمراجعة لأحتمالات سبل الاصلاح و التغيير من اجل ان نجد بصيص من النور في اخر النفق المظلم الذي دخل او اُدخل فيه العراق بعد السقوط في 2003 .

كلٌ يرى الامور من منظوره الخاص مرتكزاً على ما تراكم في ما اكتسبه من خبرات نتيجة الممارسة و الاختلاط . لكن لا ننسى ان النضج و التحليل و الاستنتاج لن يكون فعالا على الدوام و الاسباب قد تكون معروفة ام لا .. لا ادري .. لكن علينا ان ننتبه انه مثلما تقول البديهية ان كلما ازداد حجم العينة عند دراسة ظاهرة ما كلما حصلنا على تحليلات اقوى تقودنا الى تشخيص اكثر واقعية معنويا و احصائيا مع الاخذ بنظر الاعتبار عنصر الزمن ، لهذا جرت العادة الاستعانة بذوي الخبرة لتحليل ودراسة المشاكل و المعوقات لأي ظاهرة ، ولا بد من الاستعانة بالمنهج العلمي عند معالجتها ، وذوي الخبرة .. هم من اجتمعت لديهم الكثير من التجارب ، وكانو على مر السنين يتعايشون مع نفس بيئة وعناصر تلك الظاهرة ، وكلما ازدادت خدمة المرء في الحقل الذي يعمل فيه كان اكثر قدرة على توقع الحدث والاستقراء والتحليل بناء على ما مر به واكتسبه من خبرة و تفاعل في ذلك العمل ، وطبعا … اذا كانت خلفيته التعليمية من المتعلمين اصحاب الشهادات ومن ذوي التخصص العلمي المناسب لذلك العمل فمن المؤكد انه سيتولد لدينا عنصر تكنوقراط متميز خصوصا اذا ما كان يمتلك الكاريزما التي تؤهله لذلك . وباكتساب الخبرة عبر سنوات الخدمة سيكون قائدا من الرواد في مجال عمله .

هذه من سنن الحياة العملية التي يكتسبها الفرد في مجتمع العمل بمرور الزمن ويمكن تعميمها على اغلب اذا لم نقل كل ضروف العمل والحركة في الحياة ، اينما كانت البيئة التي اختارها الشخص او اختارته بمحظ الصدفة او الحظ . إذ أن سنن الحياة تحتم على الانسان التحرك باستمرار عن طريق الاختلاط والبحث وحب الاطلاع و الفضول .

مما سبق ، وإذا ما خطت الحكومة خطوة على الاصلاح ، عليها (الحكومة) ان تعمل بمبدأ [اعطي العيش لخبازه] كأول مبدأ يجب ان تعتمده عند اتخاذ خطوات مواجهة صعوبات محاربة الفساد و فرز المفسدين في مجتمع يتئآكل نتيجة تولي فئة من الجهلة و المتخلفين مواقع صنع القرار و القيادة فيه ، وللأسف هدف تلك الفئة الفاشلة هو المصالح الشخصية و القيافة الفارغة والتمتع بامتيازات السلطة و الكسب غير المشروع وسرقة المال العام . هؤلاء يجب محاربتهم و ابعادهم عن الصورة و الهائهم على قدر فهمهم و عقليتهم بما يشغلهم لكي يتمكن ذوي الاختصاص ممارسة عملهم في وضع خطط عمل الحكومة لبناء دولة المؤسسات .

انما علينا الاعتراف ، بأن ما سبق ذكره هو حلم بعيد عن الواقع والسبب (معروف) وهو الاختلافات و الخلافات الدينية والعقائدية و العرقية و القومية التي يتميز بها من اعتلى مناصب السلطة في العراق الجديد . هؤلاء عاشو في ترف نعمة الفوضى منذ السقوط الى يومنا هذا واتخذو كافة الاحتياطات للتماسك و القوة في مواجهة اي حركة اصلاحية لأنهم يدركون تماما ان نهايتهم ستكون على يد الشباب الاصلاحيين المثقفين ذوي الشهادات العلمية والخبرة و الثقافة ممن لم تتلوث ايديهم بالفساد وانهم (الفاسدون) سينتهون في اول مواجهة يحكمها القانون و العقل و المنطق حتى لو كانو ممن يلبسون عمامة رسول الله . هذا ليس من باب الاحباط لكنه من باب الاحتياط ومعرفة الحقائق واختيار سبل مواجهتها فلا سبيل للاصلاح الا بالشباب المتعلمين ذوي القدرة على النظر لواقع الحال بعيون الصقر التي ترى كل ما على الارض لتميز اهدافها ثم تنقض عليها.