في أول ظهور للرئيس الأمريكي بعد القصف الإيراني للقواعد الأمريكية في العراق (يوم 8/1/2020) أطل ترامب عل الصحفيين أمام البيت الأبيض محاطا بمجموعة من الجنرالات وصقور إدارته وقال (أنّه لن يرد على القصف الإيراني وأنّه مستعد للتفاوض مع إيران دون شروط، وتحدث عن السلام العالمي)، ونشر صورة فوتوغرافية للتصريح على صفحته في (تويتر) بنفس التاريخ تنطوي على الكثير من الدلالات والرسائل ومن جهتي أستطيع منح الصورة العنوان السياسي أو الصحفي الآتي: (مجلس الحرب الأمريكي يدعو للسلام)..!!
أما في التحليل الإستراتيجي فأن تقييم (الصورة) مع (القرار) الذي ورد في التصريح المذكور يخضع للتوصيف التالي: أن ترامب آستخدم أقصى تقنيات الدعاية الإعلامية والحرب النفسية في إستثمار وتوظيف الأحداث لصالح واشنطن وهو يلوح (بالعصا والجزرة) ويتظاهر بالهدوء إلا أنه يحمل عصا غليظة، ويضمر غير ما يعلن، ويمارس إنتهازية سياسية ماكرة، تستدعي الحذر والإنتباه، في حين أن قراءة متأنية وعميقة لذلك السلوك واستخلاص ما لم يقله ترامب في تصريحه أنه يسعى بكل الوسائل المتاحة لديه إلى إعادة تأهيل العنصر السياسي تمهيدا لإدخاله مرة أخرى في الصراع المحتدم مع إيران وجعله الخيار الأقل كلفة من غيره.. وذلك يُسْقِط التصوّر القديم الذي يقول إن السياسة قد تتوقف حين استخدام الخيار العسكري أو إندلاع الحرب، وبالعكس فأن كلاهما يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية.. أو بمعنى آخر أن السياسة والدبلوماسية مرتبطة بشكل لا ينفصم بالقوة المسلحة ومعبّرة عن موازينها ومصالحها بين الأطراف المتنازعة.. وعليه فأن إحدى الحقائق الناشئة من التصعيد العسكري الحالي هي زيادة الضغط لترجيح فرص الجلوس إلى مائدة المفاوضات بين الطرفين وذلك محتمل ووارد ضمن المدى المنظور وليس البعيد.. لكنه لا ينفي أن المرحلة المقبلة قد تشهد جولة من العنف والحرب السرية وتفجير المزيد من التناقضات السياسية ضمن خطة إعداد المسرح الإستراتيجي الإقليمي للسيناريو المرسوم.. أما العراق ومصالحه فأنها غائبة عن ترتيبات وحسابات ومصالح اللاعبين الكبار وفي إعتقادي أنهم لن يقدموا للعراق لا حلولا من ذهب ولا فضة ولا إعتبار إلا بقدر ما يُظْهِر من حجم الإرادة ووحدة الكلمة والتماسك والإستقرار الداخلي وعوامل الضغط والتأثير والقوة..