23 ديسمبر، 2024 10:40 ص

ما لا تعرفه عن الحشد الشعبي في العراق

ما لا تعرفه عن الحشد الشعبي في العراق

صدر الأمر الديواني عن مكتب رئيس الوزراء العراقي بدمج جميع فصائل الحشد الشعبي ضمن الأجهزة الأمنية ووضعها تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة وأن يكون مسؤولاً عليها رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يعينه رئيس الوزراء . وبمعزل عن التفاصيل الشكلية في الأمر الديواني وردود أفعال قيادات فصائل الحشد الفعليين المؤيدة لهذا القرار فإن معظم العراقيين توهموا ” كالعادة ” بأن الحشد الشعبي سينحل ويندمج بالمؤسسات الأمنية وأصبح جزء لا يتجزأ منها ويتوزع أفراد الحشد ضمن التشكيلات العسكرية والأمنية بحيث تبقى التسمية الوحيدة لكافة التشكيلات وهي ” منتسب أو جندي أو قائد عسكري ” دون تسميات إضافية مثل ” جندي أو قائد حشدي ” .
من الحقائق المهمة التي يجهلها العراقيون عن الحشد الشعبي ويُغالط بشأنها معظم السياسيين العراقيين خصوصاً قيادات الحشد ومؤيديه ما يلي :
أولاً : إن معظم فصائل الحشد الشعبي ومنتسبيه يحملون أفكار معينة عقائدية ومذهبية متطرفة والتي تمثل محور الحشد في فلسفته وأهدافه . وهنا على المواطن العراقي أن يدرك الفرق مابين الجيش الوطني للدولة والجيش العقائدي التعبوي .
ثانياً : بناءً على ما جاء في أولاً ، فإن الهدف الرئيسي من وجود الحشد هو لحماية نظام الحكم وديمومة بقائه ، وهو النظام الذي تسيطر عليه الأحزاب الشيعية الإسلامية . ويخطأ من يتصور إن تشكيل الحشد الشعبي جاء للدفاع عن الوطن بل الأصح إنه تشكل لحماية نظام الحكم بعدما واجه خطر السقوط نتيجة إمتداد داعش على مساحة واسعة من العراق وإقترابها من العاصمة بغداد . ولولا الإحساس بسقوط النظام لما تشكل الحشد الشعبي . وهنا أصبح وجود وإستمرار نظام حكم الأحزاب الإسلامية الشيعية في العراق من وجود الحشد الشعبي العقائدي كما هو الحال في الجمهورية الإسلامية في إيران بوجود الحرس الثوري الإيراني الذي مهمته الأساسية ضمان بقاء نظام الملالي في إيران وحمايته من الأخطار الداخلية مثل محاولات الإنقلاب العسكري أو الإضطرابات والتظاهرات الشعبية أو تهديدات خارجية تستهدف إسقاط النظام . وهذا هو بالفعل دور الحشد الشعبي العراقي والذي من الأفضل أن يطلق عليه تسمية ” الحرس الثوري العراقي ” .
ثالثاً : إن قيادات فصائل الحشد الشعبي شكلوا منظومة مسلحة متكاملة ومترابطة في مصالحها وتطورت هذه المنظومة لتصبح كيان شبه مستقل بما حققته من سيطرة على بعض المفاصل الإقتصادية المهمة التي وفرت لها الإمكانيات المالية والمادية الهائلة مما زادت من إمكاناتها التسليحية التي توازي أو تضاهي القوة العسكرية النظامية . والأهم من كل ذلك إستغلت القيادات البارزة للحشد بساطة وجهل معظم شرائح المجتمع العراقي لتأسيس كيانات سياسية ضَمِنٓ لها مواقع مؤثرة في جميع السلطات الرئيسية ، التشريعية والتنفيذية والقضائية ، والهيئات المستقلة ومجالس المحافظات . وبذلك تحقق للحشد الشعبي الدعم السياسي الذي سيزيد من إمكانياته المادية والتعبوية وتعزيز دوره في حماية النظام داخلياً بإحباط أي محاولة إنقلاب أو تغيير في نظام الحكم أو مواجهة التظاهرات والإضطرابات الداخلية .
أمام هذه الحقائق من الغباء الإعتقاد بإمكانية حل الحشد الشعبي أو دمجه فعلياً بالمؤسسات العسكرية والأمنية لأن بقاء وإستمرار سيطرة الأحزاب الإسلامية الشيعية لمقاليد الحكم هو من بقاء وإستمرار الحشد الشعبي ككيان شبه مستقل وبإمكانات ذاتية كبيرة . وما ورد في الأمر الديواني بدمج الحشد بالمؤسسات الأمنية وتأييد معظم قيادات الحشد البارزين لهذه الخطوة ما هو إلا لعبة سياسية ساذجة ومضحكة في نفس الوقت . فالمضحك في الأمر الديواني ما نص عليه بأن جميع فصائل الحشد التي ستندمج يكون مسؤول عنها رئيس هيئة الحشد الشعبي ، أي أن الحشد الشعبي سيبقى كيان مستقل عن المؤسسة العسكرية النظامية . والأهم من كل ذلك إن قيادات فصائل الحشد الشعبي ليسوا بهذه السذاجة لِيُعٌرضوا نظام الحكم للمخاطر أو الزوال من ناحية ، وليسوا بهذا الغباء ليفقدوا كل تلك الإمتيازات والمواقع والمنافع والسلطة والسيطرة والتأثير والجاه الذي تحقق بتشكيل فصائل الحشد الشعبي من ناحية أخرى .