ليس بمقدور أحدنا أيا كان البت في أحداث الغد حتما، إلا من باب التوقع والتخمين، وإن حدث وتطابقت مع الواقع فعلا فقد كذب المنجمون وإن صدقوا. لكن الذي يجري من أحداث في الساحة السياسية العراقية، يبدو لمتتبعها وكأن يومها يشبه الى حد كبير أمسها، وبالتالي سيكون غدها بطبيعة الحال يطابق يومها، ولسوء حظ العراقيين ان الشبه والتطابق في السلبيات دون الإيجابيات. وبذا لم تعد الأحداث جديدة على العراقي حتى كأنها فيلم رآه عدة مرات الى ان حفظ السيناريو والحوار والسيموغرافيا المرافقة له، لدرجة تمكنه من تأكيد حدسه وتنجيمه لما تؤول اليه أحداث المستقبل.
وعلى سبيل المثال لو تناولنا التصريحات التي يدلي بها مسؤولو وزارة الكهرباء، لوجدنا أنها ليست أكثر من “اجترار” لتصريحات من سبقوهم في مناصبهم، بدءًا من الوزير فالوكيل فالمديرين العامين.. نزولا حتى أصغر مسؤول في الوزارة.
فما إن تعتري الجو الساخن نسمات عذبة مبشرة بقدوم الشتاء، إلا وتتالت تصريحاتهم وتوالت عروضات بطولاتهم، في تحقيقهم أكبر معدل في توليد الطاقة وتوزيعها، بشكل لم يفعله مسؤول قبلهم. والحال يتكرر في موسم الربيع أيضا، فينعم حينها العراقيون موهومين مدة شهر او أكثر بقليل -كما هم ينعمون هذا الأيام- بنعمة الكهرباء، فيترحمون للوزير والوكيل والمدير العام وكذلك لـ… أديسون. ولكن، ما إن يحط الشتاء رحله بثقل، حتى تعود (حليمة لعادتها القديمة) إذ تتقلص ساعات تجهيز التيار الكهربائي فتتدنى الى مستوى لايحسد عليه المواطن. حينها كما تعودنا يتناوب مسؤولو وزارتي النفط والكهرباء، في كيل الاتهامات على بعضهما، حيث يرمي كل منهما كرة الاهمال والتقصير بساحة صاحبه، من على شاشات القنوات الفضائية، او القنوات الإذاعية فضلا عن المخاطبات الرسمية. وبين هذا وذاك يغيب منزل المواطن في ظلام حالك يحيل أنسه وحشة، تزيد عليه وحشة نهاره في تدني باقي خدمات بلده وبناه التحتية والفوقية على حد سواء.
وليت الأمر يقف عند وزارة الكهرباء! فكل وزارة او مؤسسة تأخذ دورها في تأزيم يوميات العراقيين، إذ تتكفل وزارة التجارة بتأزيم غذائه بتقتير مفردات بطاقته التموينية -إن وجدت- وتتكفل وزارة النفط بتفاقم شحة وقوده، ووزارة الصحة بدوائه وعلاجه و (عافيته)، والتربية تحرمه من مناهج التعليم السليم والمدارس الصالحة للأجواء الدراسية، وكذلك التعليم العالي ومتاهات الخريجين ومآسي مايلاقونه بعد تخرجهم، والكلام يطول عن باقي الوزارات.
وفوق هذا وذاك مقالب السياسيين ومفاجآتهم الغريبة بين الآونة والأخرى، مؤججين النار فيما خمد من نار سابقة، فكأن قصيدة قيلت قبل عشرات السنين تجسد الحال تماما:
فـي كل يوم فتنة ودسيسـة
حرب يفجـرها زعيم قاتـل
هذا العراق سفينة مسـروقة
حاقت براكـين بهـا وزلازل
هو منذ تموز المشاعل ظلمة
سـوداء ليل دامس متواصل
أما قتيـل شـعبنا او هـارب
متشــرد او ارمـل او ثاكل
فهنـا عميـل ضـالع متـآمر
وهناك وغد حاقـد متحامل
أوليس هذا مانراه ونعيشه منذ عقود؟ فما نهضنا من كبوة سياسي او مسؤول دس لنا مكيدة بطرائق وفنون عدة، إلا نشط ثانٍ في حث الخطى التي يسير بها البلد الى مالاتحمد عقباه.