في وليمة اقامها احد وجهاء قومنا وكبارهم وكما المعتاد في كل جمعة ,,وكان احد الضيوف:-
جلس متوسطا الجلسة بلحيته الكثّة السوداء الطويلة الخالية من كل شيب ومتراصة بعناية ويُظهر متكلفا بعض الوقار والهدوء والسكينة والكل يحتف به ويجلّه ويوقره ويبدي له الاهتمام الواضح المبالغ به والكل يصافحه ويطيل في المصافحة والسلام والسؤال عن الحال والاحوال ويشكر له مباركته الجلسة وحضوره الاكرم والانعم , وكنت ممن صافحه بهدوء كأي شخص لم اقابله مسبقا ولا اعرفه فانتبه لذلك الاهمال (حسب رايه) وعدم المبالغة في السلام ولا تطوالة في الكلام , وصافحت الجميع ابتداءً من اليمين كما هي عادة اهلنا في مضيف او جلسة , وكانت تلك الجلسة في منطقة تمثل غالبيتها مكونا بعينه تقابلها منطقة اخرى تمثل المكون الآخر, وبدأ الحديث حول مواضيع الساعة وكانت جلها حول كيفية الانتقام ورد الاعتبار وشن هجوم وتفجير وتقتيل واخذا للثار (في بداية بوادر الطائفية), فبادر كلّ برايه ومقترحه وحسب (الاعلى صوتا) والاكثر مشاددة, وحين سنحت لي الفرصة تفوهت بكلمات خرجت تلقائية دون تمحيص واشهدتُ الكثير من الحضور على صحتها (ان الذي يجري مؤامرة خسيسة ضد شعبنا واهلنا , مؤامرة يراد منها الاقتتال بين الشعب الواحد والمنطقة الواحدة والعائلة الواحدة ) فعمّ الهدوء كامل الجلسة بمن فيها ولم يعقب احد , ولفت انتباهي ان هذا الضيف الغريب المنظر والمظهر يرمقني بنظرات تتطاير منها الشرر واحتقن وجهه حد الاحمرار , فظننت اني قد شتمته دون انتباه او بصقت في وجهه دون دراية او صفعته بنعال عتيك معاد على لحيته , وبادرني بحدة بسؤال بعد ان بادلته نفس النظرات بـ( من انت يا هذا ) قلت( انا تاج راسك يا هذا ) (انا فلان ابن فلان ابن ابن ابن ابن فلان ,) ارتبكت الجلسة والحضور بمن فيهم انا وتهيأت لكريهة واقعة لا محالة وتشددت لها بما عندي من رباطة جأش , فقال (لولا انك ابن فلان لامضيت السكين على رقبتك من الوريد الى الوريد قربة لله ) فقلت له لو لا انك في بيت كريم ونبيل لالقمتك نعلي حتى تلفظ آخر نفس , فتدخل وجيه قومنا والاخرون وانتهروني ولم يعنفوه فعجبت لما يحصل وغادرت الجلسة لانتظره خارجا لأسرج على مؤخرته سراج بغل او أتان, رافقني ابن عمي ملتصقا بي وممسكا ومتلطفا الى خارج البيت , فقلت لابن عمي (انظر ما سيحصل بعد قليل او اكثر بقليل , ستُهاجمون من قبل نفس المكون الذي يحضكم هذا الدعي على مهاجمتهم , لان في نفس الوقت يوجد مثله الان بينهم ويحضهم على مهاجمتكم , انهم متفقون على موعد وعلى قصد وعلى توقيت ,) وقد صدق حدسي ,,
فماذا جنينا من اقتتالنا يا قوم ؟
ان الذين جعلونا نتقاتل بالامس تحت راية الطائفية هم انفسهم الذين يحكموننا اليوم , يسرقون ثرواتنا ويوغلون في امتهان كرامتنا ويبيعون بلدنا بالتجزئة , ويوالون الذي اثخن فينا جراحا وتقتيلا ومزق بلادنا واسقط قيمنا وذبح حريتنا التي ننشد وحكم بالاعدام على اقتصادنا واوقف عجلة الانتاج والمعامل وبث فينا روح الفرقة والكراهية , انهم انفسهم الذيت رفعوا رايات الكفر والظلال , ومن الطرفين (البغيضين) ,
فماذا جنينا من اقتتالنا غير الفقر والجور والفوضى والتهميش والتخلف ؟؟