18 ديسمبر، 2024 7:53 م

ما عُدتُ أنتقد الحكومة

ما عُدتُ أنتقد الحكومة

ربما أنفرد عن (جماعتي) برأي هجين ، وأقول بأنني لا أفرق بين (الحكومة) و (الشعب) ، بل هما عندي من (سنخ واحد) ، وإنما جاء (التفريق) بينهما (سياسياً) من أجل التملص والتخلص من المسؤوليات ، وإرجاء الفشل لجهة دون أخرى ، بشكل يشبه (إحالة) أوراق المحكوم بالإعدام إلى فضيلة الشيخ (المفتي) .

ولأن (الشعب هو مصدر السلطات) ، ولأن الحكومة هي مجموعة (تنفيذية) منبثقة من (أبناء الشعب) ، ولأن (السلطة التشريعية – البرلمانية) منتخبة من قبل أبناء الشعب ، وأعضائها من أفراد الشعب ، وكذلك الحال مع (السلطة القضائية) ، فقد أصبح (التفريق) بين الحكومة والشعب محض (هراء) وخديعة تفضي إلى تشتيت الوعي الجمعي ، واللعب بالأوراق على حساب الحقيقة والمسؤولية .

وعلى سبيل المثال

ففي (بلد الحضارة) العراق .. وعلى صعيد (السلطة التنفيذية) ، نجد أن رئيس الحكومة (عراقي) ، ووزراءه و وكلائهم (عراقيون) ، والمدراء العامون (عراقيون) ، وأصغر موظف في الحكومة هو (عراقي) .

وكذلك رئيس الجمهورية ونوابه وحواشيه ، والأمر ينطبق تماماً على (السلطة التشريعية) واللجان المنبثقة عنها ، والتي صوتت وجاءت بأعضاء المناصب التنفيذية ، فضلاً عن (السلطة القضائية) وما ينبثق عنها .

فكل هؤلاء (عراقيون) ولم نأت بهم من (موزمبيق) أو (نيكاراغوا) أو جزر الـــ (واق واق) ، وإن نسبة (99,9 %( منهم يدعي الجهاد والنضال والمعارضة للسلطة الديكتاتورية السابقة ، بل وإن أغلبهم يدعي (المظلومية) ويرفع شعار خدمة (الوطن والمواطن) ، بل أنا أقطع وأجزم أن الكثير الكثير منهم قد جاء لأسباب (طائفية) ، أو جاء من أجل الانتفاع الشخصي و (الخبزة) كما يعبرون .

إنها كذبة كبيرة نتداولها يومياً وقد انطلت علينا ، إن لم نقل إننا (نصنع) الكذبة يومياً ، ونصدقها ، ونروج لها بأسلوب (دراماتيكي) ، فنلقي باللائمة في الفشل والفساد والافساد على (الحكومة) متناسين أن الحكومة هي مجموعة من الأفراد (الموظفين) المنبثقين من (طبقات الشعب) ، والذين جاءوا عبر (محاصصة) قذرة ، أو شراء المناصب ، أو عبر علاقات اجتماعية لا تمت للمؤهلات بصلة .

وربما أن كل هذه (الثرثرة) التي ثرثرتها في هذه المقالة ، يمكن اختصارها بعبارة موجزة قالها أمير المؤمنين علي ابن طالب عليه السلام حين قال : (كيفما تكونوا يولّ عليكم) .

ذلك لأن بيت الراقصات لا ينتج أئمة مساجد ، وإن بيت اللصوص لا يمكن أن ينتج (رجال دين) ، إلا أن يكون هذا المنتج قد خطط مسبقاً ليكون ضمن رجال الدين ، لأنه يعرف أن (التلبس) بلبوس الدين ، هو أسهل الطرق وأقصرها لاستدرار العواطف ، والحصول على المكانة الاجتماعية والمكاسب المادية .

لقد قيل من قبل بأن (الناس .. على دين ملوكهم) ، فذهبت بنا التفسيرات الخاطئة في فلك (التنصل) لتقول لنا بأن معنى العبارة هي أن الحاكم إذا فسد فسينتقل هذا الفساد للمجتمع ، وهذا تفسير خاطئ ، لأن الحقيقة التي لم يخبرنا بها (جحاجيح) التفسير هي أن الشعوب (تنتج ملوكها) ، ولذا فـــ (الشعوب) على دين (ملوكها) .

ولذلك ، وبقليل من تنشيط الذاكرة ، واستحضار التجارب والحوارات ، سنجد أنفسنا أمام حقيقة مرة ، وهي أن (أغلب) الذين (ينتقدون) الفاسدين ، هم في الحقيقة (فاسدون ومفسدون) ، وإن حقيقة (إنتقادهم) للمفسدين إنما هي محض (حسد) على مكانة (الفاسد) ومنصبه ، ويتمنى هؤلاء (الناقدون) لو أنهم يحصلون على هذا المنصب ، لا لغرض التغيير والاصلاح ، وإنما لأخذ الفرصة (التأريخية) من أجل الوصول للثراء على حساب (الأخلاق) والشعارات الجوفاء ، وهذا ما رأيناه وسمعنا به ولمسناه لدى كثير ممن كنا نعتقد أنهم ناقمون على الفساد والمفسدين ، حين تحولوا إلى (حيتان فساد) مع أول وصولهم للمناصب التنفيذية .

إن (التفاؤل) مع وجود هذا الانهيار في المنظومة القيمية ، وتحول (الوطن) إلى ذبيحة قابلة للانتهاش ، يصبح محض هراء ، ويصبح (التظاهر) على الفاسدين والمفسدين مجرد مضيعة للجهد والوقت ، أو هو مجرد (وسيلة) شيطانية ضاغطة ، من أجل الحصول على مكسب أو منصب ، واستبدال (سعد) بــ (سعيد)