كُتِب عن الحسين بن علي ومأثرته في كربلاء ما لا يعد ويحصى من الكلمات ؛ فقد أضحت معركة الطف موئلاً لكل من يعرفها للتعبيرعن هذه اللحظة العميقة في تاريخ الإنسانية . ولاجرم في ذلك؛ فقد حملت تلك اللحظة كل معاني الإنسانية بخيرها وشرها ، وأضحت يوما بعد يوم مثالاً لكل القيم العظيمة التي ترغب البشرية على مر التاريخ في إعلائها والاقتداء بها ،على الرغم من إنها كانت تحاربها في كل زمان ومكان . وتلك واحدة من أبشع خلالنا ، ألا وهي ؛ الازدواجية .
لايفهم الحسين جيدا من ينظر إليه بمنظار الجغرافية ، أو الدين ، أو المذهب ؛ ولايستطيع أن يكتشف كنه حركته ودلالاتها ،إذا حاكمها بمنظار التاريخ والسياسة؛ فهي أعمق من هذه جميعا ، وأشد بساطة من كل إشكالياتها . تماماً كالسهل الممتنع كما يعبر أهل الأدب . وفي هذا المقال نريد أن نستثمر هذه اللحظة الإنسانية المفعمة باللامنتهي من الثمرات في رفد وطننا المسجى ، والذي يحتضن ترابه جسد هذا الطهر المبارك وأصحابه الشموس .
أتركوا شعائر الحسين لشأنها فالخوض في معاداتها لن يوصلنا الى نتيجة ، فلكل شعيرة مهما بلغ انتقادنا لها سُلّماً ترتقي به وسببا تنتمي إليه وحُبّاً تحتمي فيه ؛ فلعلها صيحة مدويةً تجذب الأنظار وتلهب الحماس ، ولعلها شأنا من شؤون العشاق والمحبين لايحتكم الى المنطق والعقل بل الى الفؤاد والجنون . ولربما ماننتقده ونعاديه اليوم نفهمه ونمارسه غداً . فكم من بدعة أصبحت تقليدا بعد حين ، وكم من ممنوع ومحرم في وقت ما أمسى محبباً ومحللاً في وقت ثانٍ .
إن من يفهم الحسين حقاً سيفهم كيف يبني دولة مدنية كريمة ؛ وإن من ينجح في استخلاص أفكارها ورؤاها سينجح حتماً في رسم معالم هذه الدولة ووضع خارطة مراحلها . فإنني أزعم إن من أهم أهداف الحركة الحسينية ؛هي وضعنا على الطريق الصحيح في بناء الدولة والإنسان والمجتمع . ولكننا مازلنا لانلحق بركبه الذي مضى عليه أكثر من ثلاثة عشر قرناً . ومن المحزن والمخزي أن الذين فشلوا في تحقيق هذا الهدف هم أقرب الناس إليه أو من يدعون ذلك .