كل شعب يعتز بنشيده الوطني ويعتبره رمزا لكرامته ويتباهى به بين شعوب العالم وما يميز النشيد الوطني لكل بلد انه كلما صدحت به حناجر الاجيال زاد انتمائها ومحبتها للبلاد حيث ان النشيد الوطني لاي بلد يعتبر المحفز الاول لزيادة ارتفاع معدل الوطنية والانتماء عند الشعوب حتى ان البعض لايتمالك دموعه وهو يردد نشيد بلاده الوطني خاصة في بلاد الغربة من شدة العشق والهيام وتأثير ايقاع الكلمات في الروح .. وبسبب ما شهده العراق من تطورات سياسية على مدى مائة عام وتنوع الايديولوجيات في الانظمة التي تعاقبت على حكم العراق كان النشيد الوطني بدوره يخضع للتغيير فقد شهد العراق وخلال فترة اقل من قرن واحد خمسة اناشيد وطنية كانت البداية عام 1924 فقد اعلنت في تلك الفترة مسابقة لتلحين اول سلام ملكي خصصت لها جائزة مالية لمن يفوز بتلك المسابقة وقد اشترك عدد من الموسيقيين الاجانب وفاز الضابط الانكليزي الميجر جي ار موري والف قطعة موسيقية على ايقاع مارش وعزف هذا السلام لاول مرة من قبل جوق الحرس الملكي في مجلس الامة وفي البلاط الملكي ومقر وزارة الدفاع وكان يعرض على شاشات السينما قبل عرض الافلام وبعدها مع ظهور صورة الملك والعلم العراقي يرفرف وراء صورته واستمر ذلك حتى سقوط النظام الملكي واعلان النظام الجمهوري في 14 تموز عام 1958 وكان السلام الملكي لحنا بدون كلمات مما كان يخلق اشكالات للوفود العراقية خارج البلاد ومن الحكايات الطريفة التي وقعت خلال حكم الملك غازي ماحدث للوفد العراقي المشارك في مهرجان الكشافة العالمي الذي اقيم في المانيا قبل الحرب العالمية الثانية برئاسة الفنان التشكيلي حافظ الدروبي حيث كان المهرجان برعاية الزعيم النازي ادولف هتلر وكان من ضمن التقاليد المعمول بها في المهرجان قيام كل وفد مشارك في المهرجان حين يقترب من منصة التحية التي يقف فيها الزعيم النازي هتلر بترديد النشيد الوطني لدولته وهتلر يقابله بتحية مرحبا بهم ولكن الوفد العراقي وقع في حيرة من أمره فلم يكن للعراق نشيد وطني يمكن ترديده ككلمات من قبل الوفد ولم يعرف العراقيون ماذا ينشدون غير ان الفنان حافظ الدروبي رحمه الله طمأن الوفد بانه سيتدارك الامر وحينما اقترب الوفد العراقي من المنصة التي يقف في صدرها هتلر ارتفع صوت الفنان حافظ الدروبي عاليا مرددا ” بلي يبلبول ” وبقية الوفد يرددون معه بحماسة شديدة ” بلي ” .. ويعاود الدروبي ” ماشفت عصفور ” ويردد الوفد ” بلي ” ويرد حافظ الدروبي ” ينكز بالطاسة ” ويردد الوفد ” بلي ” .. وكانت الجماهير بالملعب قد تفاعلت مع ماردده الدروبي من نشيد من بناة افكاره وكلها تصيح ” بلي ” .. وتخيل لو ان الزعيم الالماني هتلر قد فهم مايردده الدروبي ماذا كان سيحصل وخصوصا ان بلبول هو شخصية عراقية يهودية وهو معلم سباحة بغدادي كان ينشد الاغنية بعد تخرج الصبيان من تحت يديه كان يعوم امامهم وينشد بصوت جهوري ” بلبلي يبلبول .. يا اولاد بلبول ” وهم يرددون وراءه بلي .. بلي ”
وفي ضوء ذلك كان لابد من اجراء تغيير على السلام الملكي وتحويله الى سلام جمهوري يحمل كلمات وطنية وقد قام بهذا العمل الموسيقي العراقي المسيحي الراحل لويس زنبقة في العاصمة النمساوية ” فيينا ” وتدوينه موزعا على كافة اقسام ” ألات ” جوق الموسيقى الهوائية وتسجيله من قبل جوق موسيقي نمساوي قدمه مرفقا برسالة منه الى الزعيم عبد الكريم قاسم عبر سفارة العراق في فيينا
شارحا فيها الافكار والمضامين التي اعتمدها في صياغة اللحن وهو بشكل مارش وبهذا تقرر اعتماده سلاما وطنيا لجمهورية العراق حتى عام 1963 ومن ثم تغير هذا النشيد واعتمد نشيد ” والله زمان ياسلاحي ” من تاليف الشاعر المصري كمال الطويل وبعد استلام حزب البعث السلطة تم اصدار مرسوم جمهوري لاعتماد نشيد من كلمات الشاعر شفيق الكمالي والحان اللبناني وليد غنيمة ليكون النشيد الوطني لجمهورية العراق حتى عام 1981 وبعد توجيه انتقادات لهذا اللحن قام مدير الموسيقى العسكرية العراقية ومعاونه بالسفر الى انكلترا لاعادة صياغة اللحن كي يلائم البنية الفنية لاجواء الموسيقى العسكرية التي تتولى في العادة اداء السلام الوطني ثم تم تسجيل لحن النشيد من قبل جوق بريطاني وقبل سقوط النظام السابق اعلنت محاولات لتغيير النشيد الوطني وكان من بين المشاركين الفنان كاظم الساهر بقصيدة ” سلاما عليك ” التي كتب كلماتها اسعد الغريري لكن هذه المحاولات فشلت مع سقوط ذلك النظام بعدها تم اعتماد انشودة ” موطني ” كنشيد وطني لجمهورية العراق الانشودة من كلمات الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان كتبها عام 1934 ولحنها محمد فليفل وما زال هذا النشيد معتمدا من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003.