23 نوفمبر، 2024 5:13 ص
Search
Close this search box.

ما زلنا نسير بالاتجاه المعاكس

ما زلنا نسير بالاتجاه المعاكس

ما وصل إليه عقلية وتفكير الانسان الاوربي لا الغربي – بغض النظر عن الاستثناءات لكن حديثنا ينصب هنا على القاعدة العامة – من الثقافة المدنية وقبول الآخر، ونقول الاوربي لا الغربي لان على سبيل المثال ما تزال هذه القيم بدائية ومحدودة لدى المواطن الاميركي الهجين الذي هو عبارة عن مجموعة ثقافات منها نمت ووصلت الى مراحل متقدمة، ومنها ما تزال نامية، ومنها البربرية التي لاتختلف عن ثقافة الارهاب بشيء، ومن أمثال هذه ما يحمله المجرم كريج ستيفن هيكس الذي نفذ جريمة تشابل هيل.

عودة الى البدء : ما وصلت اليه أوربا اليوم كانت بدايته حروبا دينية استمرت سنوات طوال (حرب المئة عام – الحروب الفرنسية بين الكاثوليك والبروتستانت – حروب الثلاثين عاما)، قتل خلالها ملايين البشر بطرق مختلفة (المواجهات في الحروب والاعدامات وقطع الرؤوس عن الاجساد).

وبين الوضع الحالي والزمن الماضي اللذان يمثلان طرفي نقيض للمعادلة، شهدت أوربا خلال ثلاثة قرون ونصف القرن ارهاصات المجتمعات بعضها ايجابية (الثورة الصناعية)، وبعضها سلبية (الحربان العالميتان الاولى والثانية).

لكن الذي وقع خلال المسيرة بين المرحلتين، انما كان عبارة عن مرحلة انتقالية وان كانت الحربان العالميتان دمويتان الى حدود بعيدة.

دليل انتقالية المرحلة أن الحرب العالمية الثانية انتهت في 1945، فيما تشكلت (الجماعة الاوربية للفحم والصلب) – التي شكلت النواة الاساسية لتشكيل الاتحاد الاوربي- في 1951.

ما أريد أن أقوله : ثلاثة قرون ونصف القرن مثلت مرحلة انتقالية وكانت بمثابة تراكمات ثقافية واخلاقية خلقت الكراهية لا على مستوى الافراد فحسب، بل شعوبا باكملها للعنف أيا كان سببه، حتى وصلوا الى حالة من الشعور الانساني وحقوق المواطن التي احترمتها السلطة بعد أن منحها بعضا من هذه الحقوق بموجب عقد اجتماعي، لتحافظ له هي الاخرى على الجزء الآخر من تلك الحقوق.

إذن حالة المجتمع من الديمقراطية والمثالية والتداول السلمي للسلطة لم يأت لاوربا طفرة نوعية من الحروب، بل كما اسلفنا مرت تلك المجتمعات بمراحل انتقالية حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم.

واذا ما عكسنا الوضع الاوربي على العراق، فيجب علينا أن نقول أن عام 2003 شكل طفرة نوعية لا في ايجابيتها وانما سلبية نتائجها.

فقد كان العراق في أٌقصى طرف المعادلة من الفردية في الحكم واقصاء الآخر، وبمجرد دخول 10 نيسان 2003 سارت البلاد بالاتجاه الآخر ووصلت بلحظة واحدة الى أقصى الطرف المقابل، الذي يمثل اقصى الحرية والتعبير عن الرأي، حتى بات سائق السيارة يسير في الاتجاه المعاكس وعندما تسأله يقول لك : ديمقراطية!!

والخلل ليس في الانسان، وانما في آلية التحول التي لم يكن القائمون عليها يريدونها عملية تحول نحو الأفضل، لانهم لم يضعوا مؤسسات لمرحلة

انتقالية على الأقل من ناحية بناء الثقافة المجتمعية حتى يعي الانسان العراقي معنى الديمقراطية.

ومن هنا كان الفشل مصير التحول والذي أريد له أن يفشل، بل تعدى الامر الفشل، ووصل الى حد سير حتى الثقافات والقيم والاخلاق بعكس الاتجاه الصحيح.

والنتيجة : اذا كانت الاعوام الـ 12 التي خلت منذ 2003 مثلت مرحلة انتقالية للعراق، فباعتقادي أنها لم تحقق واحدا في المئة مما هو مطلوب لتحقيق مجتمع أفضل.

وإذا كانت الحروب التي نعيشها الآن وتجري بغطاء ديني، كما كانت في أوربا (إذ تلك الحروب وهذه الحروب لم يكن هدفها تعديل مسار الدين بل كانت نزاعا على الزعامة)، فإننا بحاجة الى ثلاثة قرون ونصف القرن من الزمن لتمثل مرحلة انتقالية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات