23 ديسمبر، 2024 2:15 م

ما زادَ حنون في الإسلام خردَلَة..

ما زادَ حنون في الإسلام خردَلَة..

لم يمضِ سوى يوم واحد على البيان الذي أصدره سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد مقتدى الصدر اعزه الله، والذي ناشد فيه الجميع وخصوصاً أنصاره بتوخي الدقة والحذر في الحديث عن موضوع الفساد وكيل التهم جُزافاً للآخرين ما لم تقترن بأدلة حقيقية، مُطالباً إياهم بالابتعاد عن المُهاترات الإعلامية.

وفجأة ومن دون سابق إنذار طلَّ علينا دولة رئيس الوزراء بتصريحاته المعهودة النارية العاطفية، مُتهماً سماحة السيد مقتدى الصدر اعزه الله بأنه سرعان ما ينقلب على أقواله ويُغيّرها، وان التهم التي تُطلق بخصوص الفساد ستأخذ مجراها القانوني إذا لم تقترن بالأدلة الكافية.

وهنا لستُ بصدد تحليل كلام رئيس الحزب الحاكم، أو التعرّض لكل ما جاء في تصريحاته، بمقدار ما ابتغي وضع بعض النقاط على الحروف، التي لازالت من دون قراءة، ليتسنى بعدها للقارئ اللبيب قراءة المُجريات على الساحة بشكلها الحقيقي غير المغلوط.

وبدءاً أقول: ان دولة الرئيس يعرف أكثر من غيره، ان من أكثر الشخصيات على الساحة العراقية التي تتطابق أقوالها مع سلوكياتها هي شخصية السيد مقتدى الصدر، والشواهد كثيرة على ذلك، فجلوسك على كرسي السلطة لدورتين رئاسيتين كان بفعل هذه الأقوال، وطرد المحتل الغازي من ارض الرافدين كان بفعل هذه الأقوال، وتخليص حياتك وإنقاذك من مأزقك في البصرة كان بفعل هذه الأقوال، والأدلة كثيرة ليس هنا مورد ذكرها لكثرتها، علماً انها شواهد ليست افتراضية أو خيالية، بل لها واقعها على الأرض ولا تحتاج إلى تبيين أو توضيح، لأنها بحد ذاتها كافية عقلياً ومنطقيا لأنْ تفرض نفسها وتثبت حقيقتها.

ودولة الرئيس الذي كان يستجدي في مثل هكذا مواقف وأزمات سماع صوت أو كلمة من سماحة السيد مقتدى الصدر تخلصه من المطبّات والمآزق التي يقع فيها، وبوساطة من قبل إحدى دول الجوار، يعرف جيداً ان مَنْ تكلّم ضده، يفعل ما يقول، خلاف غيره من الثرثارين الازدواجيين، الذين أرهقوا أسماعنا بأصواتهم النشاز.

وعلى العكس من ذلك فان أكثر الشخصيات المعروفة بازدواجيتها وانقلابها على أقوالها هو مُطلِق هذه التصريحات نفسه دولة الرئيس، فمن موضوع اجتثاث المطلك واتهامه بالبعثية، الى تسليمه منصب نائب رئيس الوزراء، مروراً باتهام الحكومة السورية بدعم الإرهاب، الى دعمه إياها اليوم ورفضه الطعن بسياستها، ومن ثم الحديث عن رئيس البرلمان ومحاولة سحب الثقة عنه، كونه يعمل لأجندات تركية قطرية سعودية كما يدّعون، الى إشراكه في حلحلة القضايا العالقة وتقريبه لبلاطهم الحكومي وجعله بيضة القبان، الى كلامه المعسول بحق رئيس الجمهورية، الذي سرعان ما أصبح أجاجاً، بعد أنْ وقف فخامة الرئيس بوجهه، حادّاً من تصرفاته، انتهاءاً بموضوع المرجعية الدينية التي يوهمون الناس بدعمها لهم، والتي سرعان ما شبّهوها بإحدى مؤسسات المجتمع المدني، كونها وقفت بالضد منهم في موضوع الصراع مع الأكراد وطالبتهم بكشف ملفات الفساد، وغيرها كثير من الشواهد التي اطلع عليها شعبنا الحبيب، والتي لا داعي لاستعراضها، كونها أصبحت من الواضحات في منتصف النهار.

اما فيما يخص موضوع المساءلة القانونية بخصوص الاتهامات في صفقة السلاح، فأظن ان مواضيع الفساد التي طُرِحَت وخصوصاً موضوع صفقة السلاح الروسية، أصبحت جليّة للعيان، وهي اليوم بيد اللجان المكلفة بالتحقيق فيها، إضافة الى ان نفس دولة الرئيس اخبر البعض من نواب التحالف الوطني بوجود شبهات فساد ومتهمين في هذه الصفقة، والتحقيقات التي تجريها كُلاً من لجنتي النزاهة والأمن والدفاع النيابيتين وصلت الى مراحل مُتقدمة، وأكدت وجود شبهة فساد، وستُعلَن في وقت قريب بإذن الله أسماء المتورطين فيها.

والعجيب في شخصية رئيس الحزب الحاكم هو انه سرعان ما ينسى ما قاله، ففي آخر مؤتمر صحفي صرح ان عزل الناطق باسم الحكومة الدكتور علي الدباغ كان له علاقة بموضوع الفساد في صفقة السلاح، واليوم تراه يتحدث عن رفضه إطلاق التهم من دون أدلة فيما يخص صفقة السلاح ويطالب بالمساءلة القانونية لمثيريها؟!!.

والملاحظ من كلامه وكعادته، انه ينم عن لغة الاستعلاء المُصطنعة التي يحاول مُتقمصها أنْ يظهر للعالم بوجه السيطرة والتحكم، خلاف الحقيقة التي تثبت الانهيار الداخلي والخلخلة والتشنج الواضح.

ولا اعتقد ان كلامه هذا ستكون له قيمة تذكر، أو ردة فعل مُتشنجة على تصريحه كما فعل هو، لأننا نعرف ان كل ما جاء فيه يأتي ضمن حملة المُزايدات السياسية والدعايات الانتخابية، ومحاولة بائسة منه للتغطية على فشله الذريع على المستوى الامني والخدمي والسياسي، إضافة الى سعيه لإبعاد الأنظار على ملفات الفساد الضخمة، التي أصبحت من أكثر ما يُميّز حكومته.

وهنا لا أريد الإطالة على حضراتكم، لان الموضوع لا يحتاج الى إعطاءه كل هذه الأهمية، وصرف الوقت من اجله، ولكن فقط انوّه في الختام الى شيء مهم وهو، ان مثل هذه التصريحات والأقاويل التي كانت إحدى غاياتها تفريق الناس عن قيادتها، اعتقد انها ستعمل بشكل عكسي، فهي ستزيد من التفاف الناس حول قيادتها وتجعلهم أكثر تماسكاً بها، خلاف ما تم التخطيط له خلف الكواليس، ودولة الرئيس من أكثر الناس معرفة بهذا الشيء دون سواه.