19 ديسمبر، 2024 1:54 ص

ما حقيقة ما يجري في القنيطرة …. ولماذا الآن !؟

ما حقيقة ما يجري في القنيطرة …. ولماذا الآن !؟

آلاف المسلحين الإرهابيين مدججون بعشرات الأطنان من الأسلحة الفتاكة والنوعية وبغطاء عسكري ناري وجوي من الكيان الصهيوني ، كانوا هم النواة الرئيسية المحضرة لـ«غزوة القنيطرة» وما يتبعها، وبدورها الأجهزة الاستخباراتية وعلى رأسها الاستخبارات الصهيونية – السعودية – الأميركية، جهزت الأرضية والدعم العسكري لهذه المجاميع الراديكالية لتتحرك بهذا الدعم العسكري والتسليحي واللوجستي بهدف إسقاط محافظة القنيطرة، استكمالاً لمخطط كان يعد لقلب موازين الميدان لصالح المجاميع الإرهابية ،وخصوصاً بعد عمليات الجيش العربي السوري بدرعا المدينة وما صاحبها من استعدادات لمعارك ريف درعا الشمالي والشمالي الشرقي وبمناطق محددة بريف القنيطرة ، القيادة العسكرية السورية أيضاً استشعرت خطورة ما هو آت ويستهدف محافظة القنيطرة كجزء من مشروع أكبر يستهدف المنطقة الجنوبية ككل، والتي تعول عليها واشنطن وحلفاؤها في تل أبيب والرياض كهدف أول يتيح لهم الوصول إلى مسار عسكري يضمن على الأقل تعديل مسار التوازنات العسكرية على الأرض السورية.

وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أن محافظة القنيطرة بموقعها الاستراتيجي بجنوب سورية تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية، وتحتل أهمية استراتيجية باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق جنوب سورية ووسط سورية، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية للجولان السوري العربي المحتل، وصولاً للمناطق المرتبطة بالجانب الحدودي اللبناني إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بالعاصمة دمشق جنوباً وغرباً، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمحافظة القنيطرة بخريطة المعارك المقبلة بالجنوب والوسط السوري بشكل عام وبالجولان العربي السوري المحتل بشكل خاص.

القيادة العسكرية السورية وبعد أن استشعرت خطورة ما يحضر للقنطيرة، أوعزت للوحدات العسكرية السورية المنتشرة على نقاط الاشتباك بريف القنيطرة بالاستعداد لصد موجات هذه الغزوة، وهذا ما ظهر بشكل واضح بالفترة الأخيرة والتي سبقت هذه المعركة «المصيرية»، المعركة بدورها كانت «مصيرية» بكل معنى الكلمة، نظراً إلى الأهداف التي كانت تحملها هذه الغزوة، فقد حملت هذه الغزوة مجموعة أهداف للقوى المسلحة الإرهابية وداعميها، وكان الهدف الرئيسي لهذه الغزوة التي قادتها القوى الراديكالية المسلحة نيابة عن المحور الصهيوني السعودي الأميركي، هو وصل المناطق الممتدة ما بين القنيطرة والغوطة الغربية ،ولاحقاً محاولة وصل سلسلة جبال وتلال الحرمون بسلسلة جبال القلمون، من خلال إسقاط بلدة حضر الاستراتيجية، ما يعني تدفق آلاف المسلحين الإرهابيين باتجاه جبل الشيخ، وهذا ما يعني حكماً تأمين إقامة منطقة آمنة وحزام أمني سعى لتشكيلها الكيان الصهيوني على طول الحدود الجنوبية السورية، وما يعني ذلك مستقبلاً من استهداف لمناطق جبل العرب.

وعلى محور الآخر للمعركة ، كان هناك مخطط يسعى للالتفاف بشكل عكسي على وحدات الجيش العربي السوري الموجودة بمدينة القنيطرة وخصوصاً مناطق مدينة البعث وخان أرنبة، وهذا ما يعني بحال حدوثه إسقاط مجموعة تلال استراتيجية لها أهميتها العسكرية وتعتبر مفتاحاً جغرافياً رئيسياً لسلسلة العمليات العسكرية للجيش العربي السوري بمحافظة القنيطرة ، هذه التلال بمواقعها الحاكمة كانت ستشكل بحال سقوطها متغيراً عسكرياً استراتيجياً لمصلحة القوى الإرهابية المسلحة وداعميها، يتمثل بوصل مثلث ريف القنيطرة الشمالي الشرقي بريف دمشق الغربي وريف درعا الجنوبي الشرقي، وهذا ما يعني تشكيل خاصرة رخوة من جهة الغوطة الغربية ومنها إلى الغوطة الشرقية تستهدف العمق الاستراتيجي للعاصمة دمشق.

وبدورها ،جُهزت وحدات الجيش العربي السوري الموجودة بمحافظة القنيطرة للتصدي لموجات هذه الغزوة، مدعومة بقوى الدفاع الوطني وفوج الجولان وأهالي المناطق المستهدفة بهذه الغزوة، ومع انطلاق الموجة الأولى لهذه الغزوة وما رافقها من حرب إعلامية، كان الجيش العربي السوري قد استوعب وتكيف مرحلياً مع الضربة الأولى لهذه المجاميع الإرهابية والمدعومة من الجانب الصهيوني، وبدأ فعلياً برسم ملامح جديدة لطبيعة المعركة بعموم مناطق محافظة القنيطرة، من خلال توزيع ما يتوفر لديه من إمكانات عسكرية على مختلف محاور المعركة، ومع استمرار فصول وموجات الزحف المسلح من قبل هذه المجاميع الإرهابية استطاعت الوحدات العسكرية التكيّف مع ظروف هذه المعركة، وقد نفذت هذه الوحدات مسنودة بسلاح الجو السوري عمليات عسكرية تكتيكية نجحت بضرب الخطوط الخلفية لهذه المجاميع الغازية ، ما ساهم بوضع مجموعات عدة من هذه المجاميع الغازية بين فكي كماشة وضربها بضربات محكمة.

وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أن الدعم من قبل قوات الدفاع الوطني وفوج الجولان وأهالي مناطق خان أرنبة ومدينة البعث وحضر وغيرها من البلدات، قد ساهمت إلى حد كبير، بالتصدي لموجات هذه الغزوة، فقد كان لأهالي هذه المناطق دور كبير بالتصدي لهذه المجاميع المسلحة وخصوصاً على المحور الممتد (أوفانيا – الحرية – الحميدية – الصمدانية الغربية)في محيط مدينة البعث في القنيطرة “، الذي شهد بدوره معركة طاحنة بين الجيش العربي السوري، مدعوماً بعموم أهالي هذه المناطق من جهة والمجاميع المسلحة الغازية من جهة أخرى، وقد أثمر هذا الجهد والتعاون بين الجيش والقوى الشعبية بالتصدي لهذه المجاميع الغازية، وتحقيق ضربات مباشرة بصفوف المجاميع الغازية، ما دفع هذه المجاميع الغازية للتراجع بعد تلقيها ضربات قاسمة على هذا المحور تحديداً.

ومن هنا، نقرأ وبناء على متغيرات الساعات الأخيرة بمسار هذه الغزوة، والتطور الملموس والنوعي بعمليات الجيش العربي السوري مدعوماً بقوى المقاومة الشعبية بعموم مناطق محافظة القنيطرة، أن خطط القادة الميدانيين بالجيش العربي السوري قد اتجهت باتجاه المنحى الإيجابي، فخريطة العمليات العملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلى أخرى والتكيف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظة القيادة العسكرية الميدانية للجيش السوري بمحافظة القنيطرة بمجموعها قد أثمرت وبعمليات نوعية وخاطفة، في صد موجات هذه الغزوة، وتكبيد المجاميع المسلحة الغازية خسائر كبير، تمثلت بمئات القتلى والمصابين وتدميرعدد كبير من الآليات والأسلحة التي استخدمتها هذه المجاميع الإرهابية بغزوة القنيطرة، والأهم من كل هذا وذاك، أن الجيش العربي السوري وبالتعاون مع قوى المقاومة الشعبية قد نجح “مرحلياً”بإسقاط معظم أهداف ومخططات هذه الغزوة مع العلم أن المعركة ما زالت مستمرة، وإن كانت بزخم أقل.

ختاماً، بات واضحاً اليوم أن منظومة الأهداف التي حملتها غزوة محافظة القنيطرة والتي حيكت بدقة من قبل شركاء الحرب على الدولة السورية، ستبدأ بالتهاوي، واليوم نرى أنها تعيش بفترة ترنح ما قبل السقوط مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرض لها المجاميع الإرهابية الغازية لمحافظة القنيطرة، استكمالاً لفشل هذه المجاميع بتحقيق أي إنجاز على الأرض بالمنطقة الجنوبية عموماً بعد فشلها في تحقيق أي اختراق بالفترة الماضية بدرعا المدينة ، ومن هنا نقرأ أن القيادة العسكرية السورية تتعامل بحرفية مع مجمل معارك الجنوب السوري، والأهم من كل هذا هو أن الجيش العربي السوري بتكاملية عمله مع القوى الوطنية والشعبية نجح بإسقاط منظومة الأهداف الصهيونية الساعية لإقامة حزام أمني بالجنوب السوري، وأفشل كل المحاولات الصهيونية الساعية كذلك لاستهداف أهالي جبل العرب بعموم المنطقة الجنوبية، وهذا ما يؤكد ويثبت أن تكاملية الصمود السوري ممثلاً بالشعب والجيش والقيادة السياسية هي القادرة اليوم على التصدي وردع أي مخطط يستهدف سورية الوطن والتاريخ والإنسان، وهي بداية الطريق لرسم معالم النصر على كل هذا المحور المعادي الذي يستهدف اليوم سورية الدولة بكل أركانها.

*كاتب وناشط سياسي- الاردن.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات