23 ديسمبر، 2024 3:14 ص

ما حقيقة أزمة الكهرباء ؟ – ٥

ما حقيقة أزمة الكهرباء ؟ – ٥

تعالت الإحتجاجات في الشارع العراقي وتعددت الانتقادات في مختلف وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية، بعد انخفاض تجهيز الطاقة الكهربائية بشكل ملحوظ.

والمؤسف هنا، أن معظم المتصدين لهذا الموضوع ممن يخرجون علينا في البرامج التلفزيونية – غير المتخصصة – غير ملمين بهذا القطاع الصناعي والعلمي والأكثر حيوية ، فيوزعون إتهاماتهم التي تفتقر للمهنية وفي مواضيع تتعلق بخطط وزارة الكهرباء وطرق تشغيل المنظومات وأخيرا وهي الأهم ، أنواع المحطات المجهزة للطاقة، بل هم لم يكلفوا أنفسهم حتى بزيارة أي من هذه المحطات الكهربائية للوقوف على العملية المعقدة والمتشعبة لصناعة الطاقة وآلية الإشراف على عمليات نقلها وتوزيعها.

أكثر هذه الإنتقادات قسوة تلك التي تتعلق بالتخصيصات المالية، وبأرقام متباينة يطرحها هذا السياسي أو ذاك من دون أن يتحققوا منها ، من دون أن يستعينوا بمختصين أو يطلبوا بيانات من الجهات المالية أو الرقابية توضح لهم نوعية التخصيص المالي إن كان إستثماري أو تشغيلي ، وكأن وزارة الكهرباء تعمل بمفردها خارج قطاعات الدولة زمن دون موافقات ومتابعات وحسابات ختامية.

لقد إمتد عملي الطويل في قطاع الطاقة لما يقرب من الأربعين عام، تبوأت فيها مناصب إدارية وفنية مهمة وعديدة ، تدرجت فيها بالتسلسل الوظيفي عبر دورات علمية ومالية واقتصادية وإدارية، وحصلت على أرفع الشهادات الأكاديمية من أبرز الجامعات العالمية المتميزة ، وشاركت وحاضرت أكاديميا في الجامعات العلمية ، وأشرفت على مشاريع وأطاريح للدراسات العليا في هذا الإختصاص، يضاف الى ذلك كله تراكم الخبرة والعمل الميداني، وقد توّج ذلك كله بإنتخابي رئيسا للدورة الوزارية لوزراء الطاقة والكهرباء في الجامعة العربية ونائبا للرئيس التنفيذي لوزراء الطاقة والكهرباء العرب.

سقت هذه المقدمة لأبين لأبناء شعبي وللمعنيين بـ (إدارة) ملف الطاقة في العراق بأن ما سأوضحه هنا في ردودي قائم على تقييم علمي وفني، وليس كما تعودوا سماعه من سياسيين يتعاطفون مع معاناة المواطنين إسقاط فرضٍ بعيدا عن الحقائق.

هناك أربع مقالات منشورة في موقع كتابات أتمنى عليكم الإطلاع عليها حتى تتوضّح لكم الصورة كاملة عن حقيقة الأزمة، ومن يقف وراءها، وتتعرفوا على حجم المعاناة والتضحيات التي قدمتها وزارة الكهرباء وسط مناخات سياسية غلبت عليها المناكفات والصراعات الحزبية البعيدة كل البعد عن مصالح الشعب.

وأعيد الحديث هنا عما بيناه في إحدى تلك المقالات عن واحدة من أهم أسباب الأزمة والمتعلقة بتجهيز الوقود اللازم للمحطات نتيجة السياسة النفطية الخاطئة التي اتبعتها وزارة النفط في الحكومات المتعاقبة بعد العام 2003، ومدى تأثيرها المباشر على إنتاج الطاقة الكهربائية.

إن أهم مستلزمات خطة مشاريع محطات إنتاج الطاقة الكهربائية، هي توفير الوقود وإيصاله عبر خطوط أنابيب بأنواعه (الخام / الوقود الثقيل / الوقود الخفيف (زيت الغاز) / الغاز الطبيعي) الى محطات إنتاج الطاقة الكهربائية.

تخضع عملية إختيار مواقع المحطات الإنتاجية لشروط مهمة وبحسب مواصفاتها ونوعيتها ومن أهمها أن تكون قريبة من :

1- مسارات الخطوط الناقلة للوقود.

2- مصادر المياه.

3- مراكز الاستهلاك.

4- الأيدي العاملة.

5- خطوط شبكة الضغط العالي أو الفائق.

لقد أعدت وزارة الكهرباء خطتها الصادرة في تشرين ثان من العام 2006 للعشر سنوات القادمة، وبإشراف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي، ومن ثم جرى توسيعها لتمتد للعام 2030 بتكليف مؤسسات كهربائية عالمية لإعداد التفاصيل والتصاميم في قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع، متضمنة اختيار مواقع المحطات والشبكات وفق أحدث الأنظمة والتصاميم ، آخذين في الحسبان الوضع الأمني غير المستقر، وتم نشرها مع التفاصيل في موقع وزارة الكهرباء.

وعلى ضوء هذه الخطة تم توقيع عقود مشاريع محطات إنتاج الطاقة الكهربائية بسعة (15) ألف ميكا واط مع شركات مصنعة عالمية مباشرة و(بدون وسطاء), مكونة اساسا من المحطات الغازية الكبيرة والحديثة تكنولوجيا والغازية المركبة ذات الكفاءة الانتاجية العالية إضافة الى تفعيل العقود القديمة فقط لمشاريع المحطات البخارية وذلك بسبب شحة المياه في نهري دجلة والفرات (ومستقبل انخفاضه دون الحدود التشغيلية لمحطات انتاج الطاقة البخارية) وحسب دراسة جدوى اعتمدت بيانات الايرادات المائية والتصاريف المقدمة من وزارة الموارد المائية وتم تقييمها واعتمادها في لجنة الطاقة الوزارية وهيئة المستشارين في مجلس الوزراء.

لقد تزامن تنفيذ خطة بناء محطات انتاج الطاقة الكهربائية مع تنفيذ خطة مشاريع نقل الطاقة الكهربائية وذلك بانشاء (42) محطة تحويل الطاقة الكهربائية لشبكات الضغط العالي والفائق و (70) محطة توزيع الطاقة الكهربائية وإنشاء ثلاث مراكز للسيطرة وثلاث مراكز تدريب متخصصة حديثة لتهيئة كادر وطني مؤهل لتشغيل وصيانة المنظومة الكهربائية الوطنية .

تم استعراض الخطة في مجلس الوزراء وتم كذلك عرضها في مجلس النواب في شهر شباط (2007) للمصادقة عليها ولدعم متطلباتها، من توفير تخصيصات مالية بمقدار(18) مليار دولار للأربع سنوات الأولى (2006-2010).

لم تستلم الوزارة من هذه التخصيصات سوى مبالغ مجموعها (6,9) مليار دولار موزعة على قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع بالرغم من توقيع عقود هذه المشاريع وفتح إعتماداتها بمبالغ محددة حسب حجم المشروع وكلفته.

وبالرغم من التنسيق المسبق مع وزارة النفط بأعداد الخطة الوقودية والتي تم استعراضها في لجنة الطاقة الوزارية والتي وُثـّقت بمحاضر اجتماعات بين الطرفين لتوفير الوقود بأنواعه ( النفط الخام / الوقود الثقيل/ الغاز الطبيعي / زيت الغاز) وبحسب مواقع المشاريع (على ان يتم توفير الغاز الطبيعي في العام 2004) ,لم تلتزم وزارة النفط بهذه الخطة

بسبب تأخر إنشاء البنى التحتية في القطاع النفطي من (إنشاء مصافٍ جديدة، وشبكة جديدة لخطوط الأنابيب، وإستثمار الغاز المصاحب الذي يحرق بكميات كبيرة!، واستخراج الغاز الحر من مكامنه).

وليعلم أبناء شعبنا أن هذه وغيرها من الصعوبات والمعوقات والفشل هي من نتاجات المحاصصة الطائفية التي ألقت بظلها على واحدة من أهم قطاعات الطاقة, بل ولايزال قطاع النفط يدار من قبل قيادات أفرزتها تلك المحاصصة المقيتة.

مازال إنتاج المشتقات النفطية للمصافي العاملة في العراق لايلبي الطلب التشغيلي لمحطات انتاج الطاقة الكهربائية، وبخاصة الوقود الخفيف (الكازأويل) .

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن ما ينتج من الوقود الثقيل من مصافي الوسط لتجهيز محطات إنتاج الطاقة في المنطقة الوسطى لا يزيد عن (5) آلاف طن من يوميا، في وقت تحتاج فيه هذه المحطات من هذا الوقود بحدود (9) آلاف طن يوميا !، وقد تسبب في إنخفاض إنتاج المحطات الكهربائية في المنطقة الوسطى.

وبسبب تأخر وزارة النفط بإنشاء البُـنى التحتية للصناعة النفطية ، وكذلك عدم استثمار الغاز المصاحب الذي لا يزال يحرق بكميات تصل حاليا الى 1000مليون قدم مكعب يوميا, توجب علينا إعادة أعداد تصاميم جديدة للمحطات الغازية لكي تعمل مع كافة أنواع الوقود وحسب ما توفره وزارة النفط!، مضطرين بالتشغيل على الوقود الثقيل أو النفط الخام بالرغم من كونه غير اقتصادي و يعمل بكفاءة تشغيلية اقل، بإنتظار إكمال استثمار الغاز المصاحب و تطوير الحقول الغازية ضمن جولات التراخيص.

كما ان الخطة التي وضعتها وزارة الكهرباء متضمنة كافة تصاميم المحطات على ضوء توفر انواع الوقود المُجهز من وزارة النفط وحسب موقع المحطة، حيث أعدت الخطة من قبل شركات عالمية متخصصة ومؤسسات دولية ذات مصداقية وهذا ماتم استعراضه في لجنة الطاقة ومجلس الوزراء ومجلس النواب في شباط 2007.

لقد إضطرت وزارة الكهرباء أيضا الى إجراء تحوير لمنظومات الوقود للمحطات الغازية القديمة العاملة لغرض تشغيلها على كافة انواع الوقود المجهز من وزارة النفط.

إن عدم تنفيذ وزارة النفط لالتزاماتها بتوفير الغاز أو بدائله من الوقود الخفيف, دفعها الى استيراد المشتقات النفطية لصالح وزارة الكهرباء من زيت الوقود (الكازأويل) بمقدار(3-4) مليون لتر/يوم لتشغيل المحطات الغازية الجديدة, وبسبب هذا الفشل يخسر العراق من موازنته ما مقداره ( 4 ) مليار دولار سنوياً نتيجة استيراد وقود الديزل للكهرباء بمقدار ( 1 ) مليار دولار سنويا و (3) مليار دولار سنويا نتيجة الانخفاض (القسري) للمحطات الغازية بسبب عدم كفاءة التشغيل بالوقود الثقيل كبديل عن الغاز الطبيعي، وعن كلف استخدام المضافات الكيمياوية لمعالجة الوقود الثقيل لتقليل تأثيره على توربينات الوحدات التوليدية للمحطات، إضافة الى ارتفاع كلف إدامتها لتقليل نسب تقادمها .

ولأهمية تأمين الغاز الطبيعي لتشغيل المحطات باتاحة وكفاءة عاليتين، قدمت وزارة الكهرباء عدة مقترحات في العام 2007 منها :

استثمار حقول المنصورية والسيبة وعكاز الغازية لصالح وزارة الكهرباء من الاحتياطي الموثوق للغاز الطبيعي الحر في المكامن الغازية المقدر بحدود (110) ترليون قدم مكعب موزعة في حقول (عكاز، المنصورية، الخشم الاحمر، كورمور, السيبة، جمجمال ) وبمعدل انتاج يومي بمقدار ( 1500 ) مقمق الذي يكافئ إنتاج ( 5000 ) ميكاواط من الطاقة الكهربائية, إضافة الى الغاز المصاحب ليصل إنتاجه كما كان مخطط له في عام (2014) بمقدار (2000 ) مقمق يومياً الذي يكافئ انتاج ( 6000 ) ميكاوط من الطاقة الكهربائية ما عدا الاحتياجات الصناعية من صناعة البتروكيمياويات والاسمدة وصناعة الغاز السائل المنزلي، ولازال الغاز المصاحب في الحقول النفطية الجنوبية وكركوك يحرق بكميات تصل الى (1000) مقمق الذي يكافئ انتاج (3000) ميكا واط ولحين اكمال استثماره في عام (2017) بدلا مما كان مخططا له في عام (2014).وهذا يعني حرق المزيد من الغاز الطبيعي المصاحب.

لم توافق وزارة النفط على المقترح أعلاه !، ولم توافق أيضا على الدراسة المقدمة من وزارة الكهرباء عام (2010) بعد التفاوض مع الجانب الإيراني لاستيراد الغاز من إيران عبر الخط الإيراني الاستراتيجي الذي يمر عند مسافة (12) كم فقط من الحدود العراقية – الإيرانية، لتجهيز محطتي الصدر الغازية في بغداد، والمنصورية الغازية في ديالى لفترة خمس سنوات، لحين إنتاج حقل غاز المنصورية.

إضطرت وزارة الكهرباء مؤخرا للتعاقد مع الجانب الايراني بتجهيز الغاز, المؤمل انجازه قريبا!.

وقد اثارت وزارة الكهرباء هذه المؤشرات الاستراتيجية في لجنة الطاقة والتركيز على المنطقة الوسطى من خلال تطوير حقل المنصورية الغازي وتطوير حقل شرق بغداد النفطي وبانشاء مصافي صغيرة في محطات الكهرباء لتوفير المشتقات النفطية الاساسية في تشغيل المحطات, وقد انشأت وزارة الكهرباء مصفى بسعة (40) ألف برميل/ يوم في محطة المسيب ليعمل الان بطاقة متدنية وأحيانا إيقافه لمحدودية تجهيزه بالنفط الخام، بسبب استحواذ وزارة النفط على حصة المصفى من النفط الخام لرفع طاقة وزارة النفط التصديرية!!..

ان توفير الكهرباء يتطلب اولا توفير الوقود لمحطات الكهرباء وخاصة الغاز الطبيعي وإتضحت المشكلة خاصة بعد إكمال المحطات التي تم تنفيذها والمحطات التي سيتم تنفيذها خلال الأشهر القليلة القادمة.

أين ذهبت التخصصيات االمالية لقطاع الكهرباء؟

وما حقيقة الأرقام التي تتردد في وسائل الإعلام ؟

نعود هنا مجددا الى الانتقادات والتصريحات المتعلقة بالتخصيصات المالية لوزارة الكهرباء والتي فسرت على الدوام بشكل خاطئ ، فيما ذكر البعض أرقاما فلكية، وكأن وزارة الكهرباء لا تعمل بموجب تخصيصات سنوية اتحادية مبوبة في الموازنة التشغيلية والموازنة الاستثمارية، ولا توجد متابعة للتنفيذ المادي والمالي للمشاريع من قبل وزارة التخطيط، ولا تقدم حسابات ختامية سنوية الى وزارة المالية وديوان الرقابة المالية.

يشكل معظم التخصيص التشغيلي في الموازنة كرواتب وأجور لأعداد (غفيرة) من المنتسبين جاءت بهم الكتل السياسية، علما ان أكثر من نصفهم يشكلون بطالة مقنعة فائضة عن الحاجة.

يضاف إليها التخصيصات الأخرى التي تستنزف الموازنة التشغيلية لإستيراد الوقود الخفيف (الكازأويل) ولإستيراد المضافات الكيمياوية لمعالجة الوقود الثقيل لتحسين إشتغاله، حتى أصبح استيرادهما عبئاً ثقيلاً على الموازنة التشغيلية.

وارفع هذا العبء الئقيل يتوجب على وزارة النفط التعجيل بإستثمار الغاز الطبيعي المصاحب والغاز الطبيعي المستخرج من الحقول الغازية, علما بان ما سيتم تحقيقه من استثمار كامل الحقول الغازية مع استثمار كامل لكميات الغاز المصاحب ولغاية عام 2020 وحسب ما جاء في الخطة الاستراتيجية للطاقة الذي انجزته هيئة المستشارين في مجلس الوزراء والتي تم إصدارها في عام 2012 والتي لن تغطي الحاجة الكاملة من الغاز الطبيعي لتشغيل محطات انتاج الطاقة الكهربائية، وحسب تطور نسبة النمو السنوي الوطني .

فكيف سمح لقيادة قطاع الطاقة بإبرام اتفاقيات دولية والتصريح إعلاميا حول خطة العراق بتصدير الغاز الطبيعي من خلال خط الأنبوب العربي الى أوربا في السنوات القليلة القادمة؟

ان مجلس الوزراء سبق وان وافق في عام (2008) على انشاء ثلاث مصافي في (كركوك والعمارة وكربلاء) بسعة (150) الف برميل/ يوميا لكل منها, وتكليف شركة (شو) الامريكية على اعداد التصاميم بكلفة (150) مليون دولار وقد أنجزت التصاميم ولم تستقطب الشركات العالمية للتنفيذ لعدم وضوح آلية ذلك التنفيذ !.

وبسبب عدم تنفيذ المصافي المذكورة اعلاه, تم مراجعة وتحديث الخطة الوقودية بين وزارتي الكهرباء والنفط، والتي هدفها تأمين تجهيز المشتقات النفطية لتشغيل مشاريع الطاقة الكهربائية التي خٌطط لاكمالها عام (2013).

وبالرغم من تأخر تنفيذ هذه المشاريع لسنتين أو أكثر فان واقع إنتاج المشتقات النفطية سوف لن يلبي تامين تشغيل مشاريع الطاقة الكهربائية.

لقد ركزت وزارة النفط في إستراتيجيتها تطوير قطاع (استخراج النفط الخام) وزيادة انتاجه لغرض الوصول الى أعلى طاقات أنتاج متاحة من خلال جولات التراخيص الثلاث الاولى، وعقود المشاركة في الاستكشاف والتطوير في جولة التراخيص الرابعة، من غير ان تولي الوزارة أي إهتمام بالصناعة النفطية المتمثلة بصناعة المشتقات النفطية، وانتاج الغاز الطبيعي التي تمثل امن العراق القومي الاستراتيجي للطاقة في منطقة ملتهبة سياسيا, والذي تتوقف عليه ًديمومة انتاج الطاقة الكهربائية اساسا، وصناعة البتروكيمياويات والصناعات الاستراتيجية الاخرى.

ستستمر معاناة قطاع الكهرباء من نقص في إمدادات انواع الوقود ولسنوات قادمة!، إذا ما استمرت السياسة النفطية بإستراتيجيتها الحالية, وقد أشار الى ذلك العديد الخبراء ووزراء النفط السابقين النفط وركزوا على ضرورة إعطاء الأولوية لتوسيع صناعة المشتقات النفطية وصناعة الغاز اللتان تمثلان أعمدة تحويل الاقتصاد الريعي الاستهلاكي وترجمته الى اقتصاد وطني منتج.

وحتى لا تتسع الفجوة بين انتاج المشتقات النفطية وتامين الحاجة الحالية والمستقبلية لقطاع انتاج الطاقة الكهربائية, فانه يتطلب نهوض الدولة من حكومة وبرلمان بتغيير سياسة القطاع النفطي وإلزامه بتنشيط قانون الاستثمار الخاص بانتاج المشتقات النفطية وتشجيع الشركات المتخصصة الاستثمارية للمساهمة في تطويره.

وقد لمسنا من الشركات الاستثمارية المتخصصة بالصناعة النفطية من خلال اللقاءات في مؤتمرات الطاقة العالمية توجساً من المشاركة في بناء وتطوير صناعة المشتقات النفطية في العراق لشعورها بعدم الجدية من قبل قطاع النفط العراقي بتطوير هذه الصناعة، وتفضيلها لسياسة تعظيم الاستخراج وتصدير النفط الخام.

لعل من المفارقات المضحكة المبكية، أن يلقي قياديي القطاع النفطي المتعاقبين لومهم على قطاع الكهرباء وهم أدرى من غيرهم بالحقائق, فهم يناقشون الموازنات المالية ونقص التخصيصات فيما يتعلق بإستيراد المشتقات النفطية، لكنهم ينتفضون غضبا عندما توجه إليهم أصابع الاتهام بسبب شحة الوقود المخصص لمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية.

لم يبق في الختام غير التنبيه الى أن محدودية إنتاج الطاقة الكهربائية سيستمر، وساعات القطع ستستمر ومعاناة المواطن العراقي ستستمر طالما أن القائمين على قطاعات الطاقة ليسوا من ذوي الخبرة والإختصاص بل جاءوا عبر بوابة المحاصصة الطائفية، فيما يظل رجال التكنوقراط وذوي الخبرة خارج حسابات التشكيلات الحكومية.