17 نوفمبر، 2024 10:19 م
Search
Close this search box.

ما تيسر من لوحة البغاء !

ما تيسر من لوحة البغاء !

قرص من معدن صغير لايتجاوز علبة الكبريت …مرتبط بسلسلة  معدنية   تشبكُ عظم نحيف مكسور من إحدى طرفيه ..
وعظام أخر إلى جانب جمجمة صغيرة تخلت عن عقلها إلى ديدان الأرض التي  احتضنتها  لأكثر من عقدين..وعلى عمق أكثر بقرابة 50 سم ظهر بقية الرفات ….. أكوام من الجماجم  على وبعض عظام الصدر  وفك سفلي تزينه طواحين الأسنان….الموقع خندق شقي في منطقة الشلامجة الحدودية ..
عظام متناثرة  بين  أخاديد العارض المحترقة بنيران الأسلحة ….منها  ما انتهى واقفا صامدا تحت زيف شعارات البعث العاهر…ومنها ما دفعه العطش للبحث عن شربت ماء .فانتهى به الأمر إلى بئر معطلة سراب من الوهم بالحياة والأمل ..وآخرين قتلوا غفلة بمقذوف طائش  أمر به ضابط مضبوط في القتل لكي يرقى لرتبة قواد لقادته الكبار من ضباط سرايا الإعدامات من الأمن العسكري  والانضباط  التي لشجاعتها تقتل من يرفض أن يتقدم للمذابح العلنية  على السواتر والحجابات التي أعدها لهم بالتعاون مع قادة أركانه  ممن عاشوا لحظة الكذبة الكبيرة بالانتصار والتسلل والدفاع عن حياض الوطن بالنحر والدحر للمال والولد خوفا على فرعونها الأكبر   ,كي يذكر بين الناس بطلا  ترقى على جثث الأبناء  التي ترفض الانصياع والانحناء لسفك الدماء !إننا قادة المعارك صولاتنا تذكر ..يذكرنا الأيتام والأرمل .تذكرنا المقابر …تذكرنا الجدات والشيوخ في شواهد المقابر ….نحن أبناء داحس والغبراء ..نحن الأغبياء….
..كنت يافعا أيام الحرب العراقية الإيرانية …لا اعرف معنى الشهادة ..اهرع مرعوبا حين يزف شهيد الوطن على أكتاف الرجال محمولا على نعش خشبي بالكاد تحشر به الجثة  يكتب عليه كلمة (وقف ).ويدفن كأن شيئا لم يحدث ولم يكن شيئا مذكورا…والعيارات النارية تقاتل وجه السماء على اصوات الحزن والعويل ….الشباب والرجال في تناقص والأيتام والأرامل  بازدياد ..ويحزن الأهل وتعتد الزوجة التي فارقته وتبدأ مرحلة جديدة في حياة الأطفال …
وأطفال العراق على ذات الخصوص يختلفون عن غيرهم من أطفال العالم ..لوجود مرحلة لابد أن تمرق حياتهم كما يمرق السهم من الرميّة….اليتم والتصدع في الحياة ..والسبب ..ولد من أبوين عراقيين واستنادا لهذا الحالة العجيبة  عليه أن يستعد لليتم شاء أم أبى …ويترك الأبناء والزوجة للخوف  وألام الثكلى.
ومع كل هذا  لاينفك عن توزيع الأنواط والنياشين  والأوسمة على رموز وهمية استحالت ترابا وجد بعضها والأخر تفرق بين دواب الأرض وهاماته ..فهو حاكم عاش أقفاص الخوف وانعدام الأمن ..حاكم قضيته الشك في كل شئ …حاكم بدون وجدان….حاكم ظالم.
 
أن من انجازات القائد الضرورة الذي تبول عليه التاريخ والتهمت الحقائق هي عسكرة المجتمع العراقي متمثلا باتحاد النساء والجيش الشعبي وتجنيد المدنيين  عنوة  واستهلاك الموارد المادية والبشرية في  البلد لأجل
 أن يخلوا الطريق للسيدة إسرائيل وان تنام بهدوء على أنغام الموت اليومية بين مسلمي العراق وإيران …وترعرعت قضية خلط الأوراق وتهويل الصغائر إلى أن وصل الحد إلى صراع سني شيعي بين من يزعم تصدير الثورة في إيران وانتهاجهم منهج ولاية الفقيه ومدعين القومين العربية في العراق …
هذا الصراع في كل تجلياته ابرز صورة واحدة لا يخفيها أمر ….وهو أننا صرنا حقول تجارب للمعسكرين الشرقي والرأسمالي ………..هذا الصراع اوجد استقطاب طائفي لكلا الطرفين على مستوى الحكومات الإقليمية وبما أن نظامي العراق وإيران بحكم الموقع الجغرافي وعدم نضوج فكرة الدولة المدنية لدى الطرفين وتبلورت فكرة  الفتوى والجنة والنار والأفكار الجهادية  ووجود تغطية مالية من قبل الدول الإقليمية وهناك من هو مستفيد بالتسويق والإنتاج والتجهيز فقد كانت هذه البقعة هي أخصب مكان للاستمرار بالصراع  وإبعاد الرأي العام  العربي والإسلامي عن فكرة امة اليهود في فلسطين………
وأود الإشارة هنا إلى ما قرأته للسيد قطب رحمه الله في كتابه السلام العالمي والإسلام …في موضوع طريق الخلاص أن هذه الأمة ستكون ساحة حرب بعد 50 سنة  وأنها ستكون في العراق وأفغانستان وإيران والظهران ومنابع البترول العربية  ولا يسلم منها بلد نتيجة صراع المعسكرين على هذه المنطقة للاستغلال واستثمار الموارد التي تحويها  في باطنها  والكتاب مطبوع سنة 1949 بناء على رؤى استنتجها من دراسة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ……..
أن المتتبع للحدث العراقي منذ تسنم حكومة البعث للحكم والى غاية سقوطها ….هي عسكرة فقط …والمشاريع المنجزة هي لخدمة وزارة الدفاع قطاع التسلح …ومد الطرق وبناء محطات الطاقة وشركات التصنيع وتبطين الأنهر وبناء السدود معظمها من اجل استمرار نزيف الحرب  بما فيها حملات التعليم وما فيها من ضخ وتحشيد فكري ملموس من خلال التعليم الموجه وكتب الحزب وتنظيراتهم العميقة في المؤخرة  …. حتى الخطط الطويلة الأجل هي وفقا للسياسة العامة وبناء على مقررات القيادة القطرية آنذاك….والمهزلة في كل هذا أننا لم نستخدمها (الأسلحة والذخائر) في قتال من نزعم معاداتهم  وإنما قتال من يطالب بالحقوق في الحياة الحرة الكريمة من المواطنين المعدمين اقتصاديا …..ومعدل دخل الفرد في هبوط مستمر وتردي للخدمات وصل أقصاه سنوات الحصار الجائر وتردي مستوى التعليم والصحة ومع كل هذا المعامل العسكرية  متمثلة بشركات الصناعة والمعادن والتصنيع العسكري تنتج لتخزن أو لتتركه بعد كل صولة  على فقراء البلد بين الأحياء بدون توجيه بخطورته أو تأشيره….على امتداد اكثر من نصف قرن ونحن يبغى علينا …….
ألا تستحق أن تكون لوحة بغاء تؤرخها الأجيال!!!!!!

أحدث المقالات