23 ديسمبر، 2024 12:17 ص

ما تفعله داعش استنساخ لما فعلته جيوش عمر وعثمان ومعاوية

ما تفعله داعش استنساخ لما فعلته جيوش عمر وعثمان ومعاوية

قد يجدها كذلك أغلبيّة المسلمون على وجه الأرض بذهول وبنزيف من الصدمات لو اكتشفوا , لا سامح الله , أنّ عمليّة الفتوحات “الاسلاميّة” الّتي جرت على قدم وساق في عهد الخلفاء عمر وعثمان وفي عهد المُلك الأموي , العضوض والّتي امتلأت بمناقبها كتب السير والمؤرّخات على أنّها “رحمةً للعالمين” و “من أكثر الفتوحات البشريّة رحمةّ بشعوب البلدان الّتي تقع بأيدي المسلمين” واستقرّت في روع غالبيّة الشعوب الاسلاميّة على أنّها كذلك ! , بينما الحقيقة أنّ تلك الفتوحات قد تكون جرت بنفس الطريقة الّتي تجري اليوم على أيدي الجماعات الاسلاميّة “المتشدّدة” كالّتي تجري الآن على أيدي “داعش” مثلاً ! .. برأيي أنّ مثل هذا الأمر وارد أن يكون أمره كذلك لحين أن يثبت العكس , لمس اليد ! .. في الحقيقة لم أجد من يوم وعيت على هذه الدنيا أنّنا نحن المسلمون نتعامل مع أنفسنا ومع محيطنا ومع بعضنا البعض ومع الأقلّيّات الّتي تعيش بين ظهرانينا ما يدلّ على أنّنا فعلاً نشكّل مثلاً مصداقاً لما سطّرته كتب التأريخ الإسلامي بتلك المثاليّة العالية ! .. فلا أعتقد , أنا عن نفسي , أنّ شعباً ارتدّ عن الإسلام بمجرّد موت نبيّة بما شكّلت عمليّة الارتداد لأكثر من تسعون في المائة من أعداد المسلمين  الّذين غادرهم الرسول وهم أكثر من ذلك العدد بقليل , لا أعتقد أنّ تلك الأعداد المرتدّة والّتي أعادتها جيوش أبا بكر الصدّيق إلى الإسلام ثانيةّ , وبقوّة السلاح وبحدّ السيف , بقادرة على أن تتعامل مع الشعوب الّتي فتحت بلدانها فيما بعد بعد أن انضمّت لجيوش الفتح الاسلاميّة بتلك الروح المنفتحة والرحيمة بحقّ تلك الشعوب ! ولا حتّى جيوش علي ابن أبي طالب كانت بتلك “الشفّافيّة” في تعاملها مع المرتدّين “المرتدّين رقم 2” عن بيعة الإمام الخليفة الرابع وإلاّ ما أطلق على الخليفة الرابع لقب “قتّال العرب” ! .. وما يؤيّد “شكوكي” إن صحّ التعبير هي ما أجدها الحقائق الأكثر حظوظاً للمصداقيّة للترشيح بصحّتها بنصوص اتّفقت عليها جميع المصادر المؤرّخة لتلك الحقب : ( أنّ الأموال الّتي جناها المسلمون من فتوحاتهم كانت لها أوّل وليس لها آخر لقوافل من الجمال لا تحصى أو تُعدّ )  كانت ( تُرى مقدّمتها ولا تُرى مؤخّرتها ) ! من  الّتي توصل احياناً ما بين يثرب وما بين بلدان ما وراء النهر ! محمّلةً بأنواع الثروات من نفائس وجواهر وغلال ! , فلا أعتقد تلك كانت “تبرّعات” تبرّعت بها تلك الشعوب هدايا لجيوش الفتح “على نعمة الإسلام” الّذي ارتدّ عنه أهليه أنفسهم بمجرّد ما ووري نبيّهم جثمانه الثرى ! رغم أنّهم هم الفاتحون “المحرّرون” أنفسهم دخلوا الإسلام عنوةً بغالبيّتهم وبعد سنوات طوال ! فكذلك لا اعتقد أنّ خيول المسلمين كانت تمشي على أطراف أصابعها خوفاً على مشاعر شعوب تلك البلدان من الانزعاج وهي تدخل مدنهم ! فسارعوا من شدّة الاعجاب بنعومة تعامل تلك الجيوش معهم لأن يؤمنوا دفعةً واحدة بالإسلام وفجأة ! لأنّ مثل تلك الكمّيات من الغنائم “عدى الملايين من الكيلومترات المربّعة من الأراضي الزراعيّة الّتي استولى عليها جنود الرحمن !” سوى أنّها تأتي عن طريق قناعة تامّة بالدين الجديد من قبل تلك الشعوب ! .. طبعاً لا يعني أنّ ما قامت به جيوش المسلمين من سلوكيّات قد تكون منافية لما دوّن عنها ما اعتبرت قمّة من المثاليّات في تعاملها مع شعوب البلدان المفتوحة كما تصفها المرويّات والمصادر , هي سلوكيّات اقترفتها من فراغ , أو أنّها الجيوش الوحيدة الّتي أتت بما تترجم أفعالها اليوم داعش , إنّنا نتجنّى كثيراً على تلك الجيوش لو سلّمنا بهذا الأمر , فما فعلته جيوش الفتح تلك , هي في حقيقتها تعبير عن كم من الاحتقان الجمعي الشعبي لدى العرب كدّسته فوق بعضه البعض في ذاكرة كلّ عربي أو أعرابي أو مستعرب كمّ هائل من الإهانات والاستخفاف والتندّر والسخرية والاعتداء أو الظلم على أيدي جيوش الامبراطوريّتين الغابرتين فارس والروم وعلى أيدي حكوماتهما ما ولّد ذلك الانفجار الهائل من الفتوحات والّذي طمر وإلى الأبد تلك الامبراطوريّتين ! , وما نراه من اعتداء وظلم وقسوة أو نسمع به اليوم مجدّداً من تندّر واستخفاف بالعرب على وسائل الاعلام الغربي بين آونةٍ وأخرى خاصّة عبر الأفلام السينمائيّة لهوليود وغيرها دليل واضح عمّا كان يلقاه العرب قبل “الانفجار” من ظلم في غالبه , كذلك ما تسخّره إيران من إعلام مبطّن ضدّ العرب عبر مسلسلات “دينيّة” وباسم الحسين العربي “لعن الله أمّةً قتلت ابن بنت نبيّها” ! عبر مسلسلات تخوض في تاريخ النزاعات العربيّة العربيّة كمأساة الحسين مثلاً ومع الأسف يسوّق لها عرب مغفّلون  يظنّون أنّ الحكومات الإيرانيّة المتعاقبة تبكي على الحسين لا على “هريسة الحسين” ! , ما يكرّر حالة انفجار قادم بوادره قد تكون سلوكيّات داعش ! .إحدى سلوكيّات داعش ما اعتبره تعبير عن “احتقان” هو ما اعتبره مثيراً للاشمئزاز بدل أن يستقيم معه كما يوحي مظهره الخارجي أو “منظره” في عمليّة توزيعهم نسح المصحف كما أظهرت ذلك تسجيلات الفيديو لتلك الجماعة في مدينة الموصل أريد منها كسب مشاعر المسلمين بلا شكّ , في حين تبدو وكأنّها عمليّة توزيع “صمّون” وهم يفرّقون المصحف أزواجاً وفرادا على المارّة يدفعونه إليهم وكأنّ ما ينقصهم خلوّ بيوتهم من المصحف ! .. عمليّة التوزيع هذه كأنّها عيّنة مأخوذة أو مقتطعة من “نوازع” طباعة للمصحف وتوزيعه , بالمليارات ,  تتبنّاها “مؤسّسة الملك فهد لطباعة المصحف الشريف” لتوزيعها على الحجيج وعلى المؤسّسات الاسلاميّة في العالم الإسلامي ! , وهذه المؤسّسة أنشأت على خلفيّة نشاطات وزارة الأوقاف العراقيّة في طباعتها عام 1970م لأفخم وأهم وأرقى طبعة للمصحف عبر تاريخ طباعة المصاحف على مرّ التاريخ .. عمليّة “التوزيع” هذه , النموذج والأصل , داعش و “فهد” , والمثيرة للاشمئزاز برأيي , نتائجها أتت بعكس ما أريد لها , إذ لا يوجد بيت مسلم يخلو من مصحف أو أكثر قبل داعش وفهد , وما طباعة الأوقاف العراقيّة آنها إلاّ ضرورة أملتها طبيعة الذوق المتغيّر فأتت بشي جديد لمسه العالم أجمع لا عن مرآة أو نفاق ! , علاوةً المساجد والجوامع الّتي تختزن بكمّيّات هائلة منها لا تنقصها مصحف داعش او فهد ! , لكن ما يعوز واقع المسلمين اليوم ليس نقص في أعداد المصاحف , بل ما ينقصهم عمليّة تغيير جذري للسلوك نحو فهم جذري لتقنين السلوك الإسلامي على غرار فهم راقي لأوقاف العراق لمظهر مصحف بحلّة جديدة واجبة الظهور لمسايرة الذوق العام العالمي , تغيير السلوك آليّاً وقانونيّاً والتثقيف بهما عبر مؤسّسات جادّة وفاعلة للتعامل بروح جديدة نابعة مع الواقع الاجتماعي الداخلي  والعالمي  , إذ لا يكفي المجاهرة بمزايا الإسلام “وروعة” ضوابطه ونواهيه “وسماويّة” رسالته الإنسانيّة , بل تطبيق تلك المزايا سلوكيّاً كي تلمس شعوب العالم ودوله لمس اليد سماويّة الإسلام لا الثرثرة به باللسان فقط .. لقد سبق الجميع في اتّخاذ المصحف وسيلة لكسب عطف الشعوب الاسلاميّة , أو لأسباب أخرى , ما قام به الخليفة الثالث للمسلمين عثمان ابن عفّان حين جمع القرآن بمصحف مكتوب “دفعةً واحدة” استوجب الواقع الجديد فعله وكرّر كتابته من ستّ نسخ , وقيل أكثر , وقام بتوزيعها على الأمصار “مع الأخذ بعين الاعتبار ازدياد عدد النسخ كلّما ازدادت الفتوحات” ! ..