من المحزن جداً اننا نعيش حقبة صعبة تشهد انحطاط في الذوق العام وكيفية تفكير الفرد العراقي وعلى وجه الخصوص الشباب العراقي بما يعانيه من جهل وتخلف بطريقة لا تتلائم مع حضارتنا وتاريخنا العريقين.
قبل ايام كنا نشهد وقع تأبين بغداد كعاصمة للثقافة العربية, ولكن السؤال الأهم :
هل واقع بغداد الثقافي جدير بأن يكون قدوة للثقافة العربية أم هو مجرد لقب تشريفي؟
هل المجتمع على مستوى عالي من الثقافة بحيث يؤهل لأن يكون المجتمع الأكثر ثقافة عربياً؟
على كل حال لا اريد بهذا المقال الانتقاص من قيمة بغداد لذاتها أو التقليل من شأن مثقفيها ولكن مشكلتي مع المجتمع العراقي ككل أفراد وجماعات,
نحن على دراية تامة بما يمر فيه العراق من ظروف مريرة وما يشهده المجتمع من جو سياسي , ديني, عشائري متداخل بطريقة غريبة ومن المؤكد سيكون له تداعياته في صقل شخصية الفرد وتوجيه فكره بطريقة أو باخرى,
وبالتالي تفاعل الفرد مع هكذا ظروف خلق حالة من الاضطراب النفسي والفكري والاخلاقي مما ادى الى فساد الذوق العام وتدني في مستوى التفكير للمجتمع بشكل عام والفئات الشابة بشكل خاص,
لنتساءل ما هي اهتمامات الشباب العراقي؟
هل هذه الاهتمامات تسير وفق ما هو مطلوب بحيث تقدم شيء فاعل للمجتمع؟
هل نحن نسير على الطريق الصحيح؟
كلنا يعرف بأن نسبة عالية من المجتمع يعاني من حالة البطالة ومن بينهم خريجون وأصحاب شهادات علمية مرموقة يشار لها بالبنان,
لذلك هؤلاء الشباب لا يستغلون الوقت بشكل صحيح, معظمم اوقاتهم تذهب هباءاً في المقاهي وأماكن اللهو واللعب لأجل قتل حالة الفراغ الذي هم في صدده وعليه أغلب طاقات الشباب مشتتة على اللا شيء ان صح التعبير.
قبل مدة ليست بطويلة كانت احدى القنواة الفضائية تتجول في الأزقة والشوارع تستفسر عن احوال المواطن واخبار الشارع العراق فبدر سؤال لطيف من الصحفي لأحد الشباب قال له: لماذا تهدر كل هذا الوقت بالجلوس في المقهى دون استغلاله بشيء مفيد؟
فقال: “وماذا تريدني ان افعل؟ هل اقرأ كتاب مثلاً” ,
يا للعجب وهل قراءة الكتاب تجلب العار؟
لماذا اصبح الكتاب عار بعدما كان خير جليس؟
لماذا اصبح الكاتب مهمش وعرضة للسخرية؟
لماذا اصبح الفن مهجوراً؟
لماذا اصبح الرسام شخص فارغ يضيع اوقاته ببعض التخاريف؟
لماذا اصبح الموسيقي شخص مجنون و الشاعر شخص مخرّف؟
اصبح المثقف والفنان وصاحب الذوق عملة نادرة يستنجد بعضهم بعض كي ينقذه من الجهل والتفاهات, هل يا ترى نعيش في غير زماننا؟
بعدما كانت فيروز سيدة الاغنية الصباحية اصبحت مجموعة ذكريات متناثرة يدفنها التراب,
بعدما كانت ام كلثوم كوكب الشرق اصبحت ماضي ومن يستمتع بالماضي فهو “بطران” في نظر المجتمع,
كلنا يتحمل مسؤولية ما يحصل الان, لكن لا أحد يريد أن يعترف بهذه الحقيقة المرة,
يا ترى ما هو السبب الرئيسي لتدهور الثقافة عند الشباب وما هو الحل؟
سيقول البعض : “الحكومة دا تبوك بفلوسنا وماكلة حقوقنا…”
ويقول البعض : “يمعود خليهم عايشين شتريد منهم؟”
ويقول اخرون : ” كل هذا الي ديصير بسبب امريكا هي متريد العراق يتقدم”
اذا كانت امريكا لا تريد ان يتقدم العراق فلماذا نحن لا نريد ايضاً ؟
ويقولون ويقولون ويقولون.. وتكثر الاقاويل ونحن بين هذا وذاك نطحن بين احجار الرحى يوماً بعد يوم.
لا أنكر هنالك العديد من المبدعين والمثقفين وأصحاب المواهب الفردية لكنهم مهمشون في ظل هذا الواقع المرير حيث أنهم أكثر عرضة للجحود والاستهزاء واللامبالات.
يقول داروين “البقاء للأقوى” يا ترى هل اخطأ داروين أم نحن لم نفهم الحياة بعد, ربما كان يقصد نحن الأضعف ولا مكان لنا للعيش هنا,
اعتقد نحن بحاجة الى ثورة فكرية او حملة تثقيفية على المستوي الفردي والجماعي للتخلص مما نحن فيه من سخافات وتفاهات لا تليق بنا ولا بحضارتنا , وهذا يحتاج الى رجال حقيقيون اصحاب ارادة وعلى قدر عالي من المسؤولية هدفهم الوحيد هو خدمة العراق وشعبه وأهله,
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.