23 ديسمبر، 2024 4:53 ص

ما بين حرب تشرين 1973 والحرب العراقية – الإيرانية

ما بين حرب تشرين 1973 والحرب العراقية – الإيرانية

لا تقتصر الدوافع والحوافز في التعرّضِ ” هنا ” لتلك الحربين , على مناسبة مرور 47 عاماً على الأولى منها , لكنَّ الكلمَ موجّهٌ بشكلٍ خاص للذين تعرّضوا لحالة ال < Oblivion – النسيان المطلق > , وكذلك للأجيال الجديدة اللائي لم تعايش تلك الحربين ومداخلاتها , بالإضافة الى تقصير الإعلام العربي في التمييز والمقارنة بينهما في نواحٍ متعددة وخصوصاً في مجال التوثيق والكتابة بهذا الشأن .

ننَوّه اولاً أنّ جبهة المواجهة بين الجيشين المصري والإسرائيلي والتي كانت قناة السويس تفصل بينهما , حيث يبلغ طول القناة 193 كم وهو يمثل طول جبهة المعركة بين الطرفين , بينما المسافة الفاصلة بين محافظة البصرة والعِمارة ” اثناء الحرب العراقية – الإيرانية ” تبلغ 200 كم , كما ذات هذه المسافة هي بين محافظة العمارة ومحافظة الكوت في القاطع الجنوبي من العمليات , والممتدة على طول حدود العراق مع ايران ويبلغ نحو 1300 كم ,

جرى تصميم وإعداد خطة الهجوم المصري في حرب 73 لعبور القناة والتقدم لمسافةٍ محددة تبلغ من 12 – 15 كم فقط .! في عمق سيناء التي كانت تحت الأحتلال الأسرائيلي منذ حرب 1967 , وكان سبب حصر الهجوم في هذه المساحة هو لتأمينها كلياً في الدفاع الجوي وما يسمى بحائط الصواريخ ضد الطيران الأسرائيلي < وقد اخفى الرئيس السادات ذلك على سوريا في التنسيق والتخطيط المسبق للحرب > لكنه اثناء العمليات العسكرية والضغط الذي تعرّضت له القوات السورية , اتصل الرئيس السابق حافظ الأسد بالسادات طالباً ممارسة ضغوطٍ اوسع على الأسرائيليين , فأمر السادات بتطوير الهجوم والتقدم نحو منطقة ” المضايق ” في سيناء , لكنّ ذلك جوبه بأعتراضاتٍ من رئيس الأركان المصري الفريق سعد الشاذلي وكذلك من قائدي الجيشين الثاني والثالث حيث أيّ تقدم سيعرّض ويكشف القطعات المصرية للطيران الأسرائيلي , وبعد مناقشاتٍ حادّة فرضَ السادات رأيه وتقدّمت القوات المصرية لمسافةٍ ما , ممّا مكّنَ المقاتلات الأسرائيلية من تدمير 250 دبابة مصرية .. بينما كان تقدّم القوات العراقية داخل عمق الأراضي الأيرانية لمسافة ما بين 70 – 120 كم منذ بدء الحرب في عام 1980 والى غاية سنة 1982 حين اعلن العراق انسحابه من الأراضي الأيرانية الى الحدود الدولية في محاولةٍ لتسوية وقف الحرب .! وبقيت مناطق ومساحات متفرقة ومحدودة على امتداد الشريط الحدودي الى الفترة التي سبقت دخول الجيش العراقي الى الكويت في عام 1990, ومع أخذٍ بنظر الإعتبار أنّ أعداد القوات الأيرانية من الجيش الأيراني والمتطوعين ” البسيج ” يبلغ اضعافاً مضاعفة من تعداد الجيش الأسرائيلي وما يرافق ذلك من نسبة الكثافة النارية الهائلة .

العبور المصري لقناة السويس واجتياز حاجز بارليف كان ماهراً وموفقاً بأعلى المستويات , وكانت الإبتكارات المصرية العسكرية بارزة للغاية كما معروف , ولعلّ ضيق الأفق للقادة العسكريين الأسرائيليين , بجانب ضيق مساحة خيالهم العسكري قد جعلهم في حالة تجاوزٍ وتناسٍ أنّ انزال القوات الخاصة المصرية وبكثافة عددية ونوعية خلف حاجز بارليف ” وبتزامنٍ مع عبورٍ سريع للقوات المصرية للقناة عبر نصب Pontoon Bridge – جسور عائمة لعبور الدبات والقوات , فإنما يجعل مسألة انتقال القوات المصرية الى الجانب الشرقي للقناة مسألةً محسومة .

وإذ هذا المقال يبتعد كلياً عن ايّ اعتباراتٍ سياسية قد تتعلق بنظام الحكم السابق في مصر او في العراق , وينحصر الموضوع هنا في مجالات المقارنة ” غير القابلة للمقارنة ” بين تلك الحربين , والقيادات العسكرية لكلا البلدين ودَور العامل السياسي وتأثيراته من مجريات الحرب . وحيث كان أداء الجيش المصري فائقاً , لكنّ حدوث ثغرة الدفرسوار التي مكّنت القوات الأسرائيلية من اجتياز القناة والأنتقال الى ضفتها الغربية , ومحاصرة الجيش المصري الثالث شرق القناة , وقطع كل سبل الإمداد له ” بما فيها تموين الغذاء والعتاد والمستلومات الأخرى ” , كان كارثةً بالفعل , ولم يكن مقبولاً في اي تخطيط عسكري للمعركة في جبهةٍ لا تتجاوز 200 كم .! , وتُؤاخذ القيادة العسكرية المصرية في إهمالها لتغطية هذه الثغرة الرخوة بالقطعات الكافية مسبقاً وكذلك للتحسب المسبق من احتمالات خرقها واختراقها . كما ينتقد بعض المحللين العسكريين عدم قدرة القيادة المصرية في معالجة والتعامل مع القوة الأسرائيلية التي عبرت القناة بقيادة الجنرال آريل شارون والتي ضمّت 700 دبابة بجانب الأسلحة الأخرى , لكنّ الحقيقة أنّ ما تبقى من القوات المصرية غرب القناة كان اقلّ عدداً وعدّة من القوات الأسرائيلية التي التفّت وحاصرت الجيش الثالث , وبالرغم من أنّ المصريين قاموا بعدة هجومات مضادة , لكنّ الأسرائيليين وضعوا سلسلةً من الكمائن المضادة لصيد الدبابات المصرية قبل وصولها للهدف , مما كبّد القوات المصرية خسائراً فادحة , لكنّ رأياً نقدياً آخراً كان يطرح عدم استعانة الرئيس السادات بأسرابٍ اضافيةٍ من القوات الجوية لعددٍ من مختلف الدول العربية والأستمرار بدكّ الأسرائيليين غرب القناة قبل موافقته على قرار وقف اطلاق النار .! ومع أخذٍ نظر لإعتبارٍ آخرٍ بأنّ المنطقة التي تحصّنت فيها قوات شارون كانت وعرة وتضم مرتفعات ٍ وجبال تساعد على الإختباء من الضربات الجوية الى حدٍ ما .!

مقابل ذلك , فرغم أنّ الأيرانيين تمكنوا من احتلال الفاو في عام 1986 والتي تتكون على شكل مثلث رأسه في اقصى نقطة محاذية وملامسه لمياه الخليج , وكذلك احتلّ الأيرانيون مدينة حلبجة الصغيرة في شمال العراق والتي تقع شرق محافظة السليمانية على الحدود العراقية – الأيرانية والمحاطة بالجبال الوعرة , لكنّ الجيش العراقي استطاع استرجاع تلكما المدينتين في سنة 1988 وقبل انتهاء الحرب بين البلدين .

وإذ نكرر أن لا مجال للمقارنة بين تلك الحربين , ولم تتعرّض القوات العراقية لأي عملية التفاف حول او خلف اي محافظة عراقية طوال سنوات الحرب بالرغم من طول الجبهة , وعلى الرغم من أنّ نفوس مصر وعديد القوات المصرية يفوق بأضعافٍ على ما في العراق , ثمّ , ودونما ايّ انتقاصٍ لكفاءة المقاتلين المصريين في انجاز العبور , فنشير من جانبٍ آخرٍ الى أنّ خط دفاع ” ماجينو – Maginot ” الذي يُعد نموذجاً للتحصينات الدفاعية والذي أنشأته فرنسا لحماية بلدها من ايّ هجوم الماني في الحرب العالمية الثانية , فإنّ هذا الخط لم يصمد أمام القوات الألمانية سوى لإسبوعٍ ونَيف وسقطت فرنسا بيد الألمان , بينما في حرب احتلال العراق في سنة 2003 , وبرغم من أنّ اسلحة الجيش العراقي كانت من بقايا الأسلحة المدمرة في حرب 1991 , وهي اسلحة قديمة من جيل السبعينيات , فلم تتمكن القوات الأمريكية والبريطانية من احتلال العراق إلاّ بعد مرور 19 يوماً من المقاومة الباسلة .

الرحمة لشهداء الجيشين العراقي والمصري في تلكما الحربين , والرحمة كذلك لشهداء قواتٍ وتشكيلاتٍ عربية شاركت في حرب 1973 , ولشهداءٍ عرب من المتطوعين في الحرب العراقية – الأيرانية وحرب سنة 2003 .