بداية ، إنّ هذه الحقائق موجهة لعقول أبناء هذه الأمة حتى يستطيعوا أن يستوعبوا حقيقة الفوضى التي نعيشها اليوم، وأن يحكموا عليها وفق تصور «مؤامراتي» ،فالغرب المتصهين والذي تديرهُ اليوم مافيات ماسونية متصهينة ، كان ومازال وسيبقى ، مستهدفاً منطقتنا وشعوبها وثرواتها وحضارتها وعقيدتنا الإسلامية بشكلٍ خاص، والمسيحية الشرقية بشكلٍ عام ، ومن هنا علينا جميعاً كمسلمين ومسيحيين عرب ، أن نفهم حقيقة واقعنا المعاش كما هو ، والعذر موجود هنا للجميع.. أقرّ بذلك ، فقد اختلطت علينا الأحداث، ولم نعد نعرف أين مصلحتنا ومن عدونا ومن صديقنا؟ ، ولكن بهذه المرحلة تحديداً، فقد جاء زمن سقوط الأقنعة وتبيان الحقائق.
لقد كانت اتفاقية سايكس – بيكو – سازانوف عام 1916م، أول طعنة وأول مؤامرة تلقاها العرب، ساهمت بتقسيم كيانهم الجغرافي والديموغرافي، فقد كانت تفاهماً سرّياً بين فرنسا والمملكة المتحدة على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الإمبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، ففي الحرب العالمية الأولى، وبموجب هذه الاتفاقية ، حصلت فرنسا الاستعمارية على سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق ، أمّا بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعاً بالاتجاه شرقاً، لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا، ولاحقاً لاتفاق سايكس – بيكو ، صدر وعد بلفور أو تصريح بلفور، وهو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917م إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشيرُ فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية، لإنشاء وطنٍ قومي لليهود في فلسطين ، ويقول نصّ الرسالة المرسل:
وزارة الخارجية:
في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني سنة 1917م
عزيزي اللورد روتشيلد:
يسرني جدّاً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرِض على الوزارة وأقرّته: « إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جلياً إنّهُ لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتعُ بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتعُ به اليهود في أي بلدٍ آخر، وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح» – المخلص آرثر جيمس بلفور.
لاحقاً ولهذا الوعد، وبعد أنكشاف مخطط سايكس – بيكو بعد الثورة الروسية، وتكشف هذه الوثائق وهذه المخططات وظهورها للعيان، وتخفيفاً للإحراج الذي أصيب به الفرنسيون والبريطانيون، بعد كشف هذه الاتفاقية ووعد بلفور، صدر كتاب تشرشل الأبيض، سنة 1922 م ليوضح بلهجة مخففة، أغراض السيطرة البريطانية على فلسطين، إلّا إن محتوى اتفاقية سايكس – بيكو تم التأكيد عليه مجدداً في مؤتمر سان ريمو عام 1920 م، بعدها، أقرّ مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران 1922م، لإرضاء أتاتورك واستكمالاً لمخطط تقسيم وإضعاف سورية، عُقِدت في 1923م، اتفاقية جديدة عُرِفت بأسم معاهدة لوزان لتعديل الحدود التي أقرّت في معاهدة سيفر، وتمّ بموجب معاهدة لوزان التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية، إضافة إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان في المعاهدة السابقة.
ولقد قسّمت هذه الاتفاقية وما تبعها سورية الكبرى، أو المشرق العربي إلى دولٍ وكيانات سياسية كرّست الحدود المرسومة اليوم ، وكل هذا التقسيم جاء ليلبي ويضمن الأمن والأمان للكيان الصهيوني المسخ ،وخصوصاً، بعد زراعة الكثير من الأنظمة الوظيفية و «أذناب الاستعمار» ، ليحكم كلٌ منها بعض الأقطار العربية، و لتؤسس هذه الأنظمة فيما بعد كجزء من دورها الوظيفي لحالة ستتعمق بالمستقبل، وهي تمزيق الديموغرافيا المكونة للمجتمعات العربية، وتشكيل حالة واسعة من التناقضات التي ستكون نواة فيما بعد لحالة التقسيم الجديدة للكيانات الجديدة التي ستفصلُ عن بعضها البعض في المستقبل لتشكّل « ثلاثة وخمسين» كياناً عرقياً ودينياً ومذهبياً وطائفياً، وفق المخطط الصهيو – أمريكي ،وهنا كانت المؤامرة الثانية.
وبالفعل قامت بعض هذه الأنظمة العربية الوظيفية بتأدية المهمام الموكلة إليها بكل كفاءة، وفقاً لأوامر مُشغّليها وسيدها الصهيو- امريكي، وبالفعل تمّت تغذية وإشعال فتيل التناقضات المذهبية والعرقية والدينية، بالكثير من الأقطار العربية ، وتأكيداً على كل هذا، يقول عرّاب الصهيونية الأمريكي، برنارد لويس في إحدى مقالاته المنشورة، قبل ما يقارب الثلاثة عقود من الآن، شارحاً طبيعة الغزو المستقبلي الصهيو امريكي للمنطقة العربية، ويقولُ فيها :
« إن الحل السليم للتعامل مع العرب المسلمين هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور، فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان ، و إنهُ من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، فنحن نضمنُ إن عملاءنا أنجزوا كل شيء، ولم يبق علينا إلّا التنفيذ الآن، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها التي أسس لها حُكّامهم، لذلك اليوم يجب أن تغزوها أمريكا وأوروبا لتدمّر الحضارة الإسلامية فيها.
لمن لايعرف من هو «برنارد لويس» ، فبرنارد لويس .. مستشرق أمريكي الجنسية، بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء ،فقد أوصلتهُ جماعات اللوبي الصهيوني في أمريكا ليكون مستشاراً لوزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط ،وهناك أسس فكرة تفكيك البلاد العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً، وهو الذي ابتدع مبررات غزو العراق وأفغانستان، اليوم يعتقد معظم المخططين الصهاينة لمشاريع تقسيم وتفتيت المنطقة العربية ، إنّ بعض مشاريعهم قد بدأت تؤتي أكلها ،وخصوصاً بعد نجاح إشعال فتيل مخطط الفتنه المذهبية ،ووفق رؤية صُنّاع القرار الأمريكي الجُدد وهؤلاء من يخططون ويدرسون الخطط على الأرض، ويتنبؤون بالنتائج ثمّ ينفذون على الأرض هذه المخططات، وعلى رأس هؤلاء «دينيس روس» المستشار في «معهد واشنطن» وهو المهندس الخفي لسر غزو العراق، والمؤرخ الأميركي «دافيد فرومكين» وهو مهندس احتلال أفغانستان ومروّج نظرية «صراع الحضارات» وتأثيرها على أمريكا، والباحثان «كينيث بولاك ودانييل بايمان»، وهما يعتبران من أعمدة البيت الأبيض لرسم وبناء سيناريوهات التخطيط للمستقبل الأمريكي، وشكل العالم الجديد، بعد ما يسمى بحصد نتائج «الربيع العربي «وضبط فكرة» صراع الحضارات «ضمن مفهوم التبعية لأمريكا.
هؤلاء جميعاً اتفقوا من خلال دراسة معمقة قاموا بها، إنّ هذه الفترة الحرجة من عمر الأمتين الإسلامية والعربية هي الفترة الأنسب والوقت المناسب للانقضاض على العرب والمسلمين وبلدانهم وشعوبهم الهشة، وتقسيمها إلى دويلات عرقية وديموغرافية، ويشاركهم بكل ذلك المخططان الاستراتيجيان الصهيونيان برنارد لويس وبريجنسكي ونوح فيلدمان، ويلقى هذا الموضوع رواجاً كبيراً الآن في أجنحة وأروقة البيت الأبيض الذي تحكمهُ وتديرهُ من خلف الكواليس مافيا صهيو – ماسونية قذرة، بهذه المرحلة .
وبعد قراءة هذه الحقائق وهذه المراجع الموثقة تاريخياً، نستطيع أن نفهم بعض الحقائق التي تعطينا تفاصيلاً واضحة لحقيقة واقعنا المعاش اليوم ، فالهدف اليوم للكيان الصهيوني المسخ، والذي هو بالطبع أداة من أدوات الغرب الصهيو- الماسوني الذي تحكمهُ اليوم القوى المسيحية المتصهينة بكل ما تحمله من تجليات متطرفة .. فهدف الصهاينة اليوم هو تأمين كيانهم المسخ «المدعو بدولة اسرائيل» بالمنطقة وتوسيع نفوذها الى أقرب نقطة، تقدرُ من خلالها أن تكون هي السيد المطاع لمجموع « ثلاثة وخمسين» كياناً عرقياً ومذهبياً ودينياً، تسعى الآن وبالتعاون مع بعض المستعربين والمتأسلمين لتأسيسها بهذه المنطقة.
ختاماً، إن الوقائع على الأرض اليوم للأسف، تقول : إننا نسير كعرب ومسلمين بطريقِ إنجاز فصول هذا المشروع على أرض الواقع، لتحقيق مقولة بني صهيون : « حدودكِ يا اسرائيل من الفرات إلى النيل» ..فهل من صحوة عربية – إسلامية اليوم، حتى وإن كانت متأخرة، تنقذ الأمة من مصيرٍ مجهول ؟؟.